الحوار التونسي: فرصة للتعرف على "التيار الشبابي" المساند للرئيس

الحوار التونسي: فرصة للتعرف على "التيار الشبابي" المساند للرئيس

05 يناير 2021
اشترط سعيّد إشراك الشباب في الحوار (الشاذلي بن إبراهيم/Getty)
+ الخط -

تبدأ السنة الجديدة في تونس بحوار وطني متوقع، لكن ملامحه لا تزال غامضة. وإذ تعددت الجهات التي تقدمت بمبادرات في هذا الاتجاه، إلا أن مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل تبقى المرشحة أكثر من غيرها للأخذ بها، نظراً لوزنه الاجتماعي والأدوار السابقة التي قام بها، لا سيما بعد الثورة. كما أن الرئيس قيس سعيّد أعطى، بعد تردد لمدة أسابيع، موافقته المبدئية على مبادرة الاتحاد، لكن بشرطين: الأول ألا يكون الحوار شبيهاً بما حصل من قبل، سواء الحوار الرباعي، أو بخاصة المبادرة الأولى والثانية اللتان تمتا تحت إشراف الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي بعنوان قرطاج 1 و2. أما الشرط الثاني الذي وضعه سعيّد، فيتعلق بضرورة إشراك الشباب. 

ما يلفت النظر في موقف رئاسة الجمهورية تغييرها عنوان المبادرة. فاتحاد الشغل دعا إلى حوار سياسي واقتصادي واجتماعي "مفتوح على كلّ القوى الوطنية التي تؤمن بالدّولة المدنية الديمقراطية الاجتماعية، وتنبذ العنف وترفض الإرهاب، وتدافع عن السيادة الوطنية، ولا تصطفّ مع الأحلاف الخارجية مهما كان عنوانها"، في حين اقترح سعيّد أن يكون مضمون الحوار وغايته "تصحيح مسار الثورة وتحقيق أهدافها". هذا التغيير في العنوان والشركاء وصفه البعض بعملية "تحويل وجهة المبادرة". كما جعل الأمين العام لـ"التيار الديمقراطي" محمد الحامدي يعتبر أن الرئاسة تطرح مضامين جديدة مختلفة عن مبادرة الاتحاد.

اقترح سعيّد أن يكون مضمون الحوار وغايته تصحيح مسار الثورة وتحقيق أهدافها

عندما طالب سعيّد بإشراك ممثلين عن الشباب في الحوار من كل ولايات الجمهورية، لم يكن ذلك مجرد رغبة منه في الالتفات لهذه الشريحة الهامة والمحبطة، وإنما هدفه تقوية التيار الشبابي المساند له، والذي يمسك حالياً بالكثير من التنسيقيات التي تشكلت أخيراً بمعظم الجهات التونسية. هذه التنسيقيات أثارت قلق الحكومة، وأزعجت أحزاباً عديدة، من بينها حركة النهضة، وسبق لاتحاد الشغل أن هاجمها بقوة، حين وصفها الأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي بـ"اللجان الشعبية الجديدة"، في إشارة منه إلى اللجان التي أسسها من قبل العقيد الليبي الراحل معمر القذافي. فكيف سيكون الحوار بين الطرفين، ولكل منهما آلياته ولغته ومرجعياته المختلفة كثيراً عن الآخر؟

قد يكون الحوار - إذا عقد - فرصة للتعرف على ملامح التيار الشبابي المساند لقيس سعيّد، والمتبني لشعاره المركزي "الشعب يريد"، والمؤمن بضرورة تغيير النظام السياسي برمته. من سيتحدث باسمه، وكيف ستكون علاقته باتحاد الشغل الذي يصفه بـ"اتحاد الخراب"، وكيف ستكون علاقته بالأحزاب السياسية، بما فيها حركة النهضة، وهي الأحزاب التي يعتقد سعيد وأنصاره بأن الزمن قد تجاوزها، وآن الأوان للعمل على تهميشها وتعويضها بقوى غامضة منبثقة مباشرة من الشعب.

ستشهد الأيام المقبلة انطلاق اللجنة المشتركة التي اقترحتها رئاسة الجمهورية لضبط الأطراف التي ستشارك في الحوار، والقضايا التي ستتم مناقشتها. في هذا السياق تطرح أسئلة عديدة. هل سيتم إشراك حزب "قلب تونس" الذي يختلف معه سعيّد كلياً، والذي تم إيقاف رئيسه نبيل القروي قبل أيام؟ فهذا الحزب يحتل المرتبة الثانية في البرلمان، ويعتبر الحليف الرئيسي لحركة النهضة، ومن بين أهم المساندين لرئيس الحكومة هشام المشيشي. وهل سترضى "النهضة" بإقصاء كل من "قلب تونس" و"ائتلاف الكرامة"، وجميعهم وفروا الوسادة السياسية التي تسند الحكومة القائمة. وإذا ما فتح الباب أمام الفرز السياسي، وإقصاء البعض من هذا الحوار، فذلك من شأنه أن يعصف بالمبادرة ويفقده صفة "الحوار الوطني".

يخشى انزلاق الحوار نحو تبادل الاتهامات بين الأطراف المشاركة فيه

أما من حيث المضمون، فإن ما يخشى هو انزلاق الحوار نحو تبادل الاتهامات بين الأطراف المشاركة فيه، عند تقييم مسار السنوات العشر الماضية، وتحميل الأحزاب، خصوصاً "النهضة"، مسؤولية الفشل. حتى لا يقع ذلك، على المشاركين في الحوار الالتزام بالحد الأدنى من الجدية والموضوعية، وتجنب الصراع الأيديولوجي والسياسي، والتمسك بما هو مشترك، والتوجه نحو تحديد البدائل بشكل جماعي، ووضع آليات التنفيذ والمتابعة. في غياب مثل هذه القواعد والضوابط، لن يصمد مثل هذا الحوار. ويخشى أنه بدل أن يُقرب بين وجهات النظر، ويفتح صفحة جديدة بين مختلف الأطراف، أن ينقلب إلى تعميق الفجوة، ويزيد من تغذية الصراع بين المتخاصمين.

المساهمون