الحكومة اللبنانية تعقد أولى جلساتها الثلاثاء: أولويات وامتحانات أمام العهد الجديد

10 فبراير 2025
رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام، بيروت 14 يناير 2025 (أنور عمرو/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- الحكومة اللبنانية الجديدة بقيادة جوزاف عون ونواف سلام تبدأ مرحلة "الإصلاح والإنقاذ" بعد مفاوضات مكثفة، مع غياب الثلث المعطّل واختيار وزراء غير محسوبين على الأحزاب التقليدية.

- تواجه الحكومة تحديات مثل إعادة الثقة، معالجة انفجار مرفأ بيروت، وأموال المودعين، مع التركيز على إعادة هيكلة المصارف والتدقيق الجنائي، وإعداد البيان الوزاري وسط خلافات سياسية.

- تلقت الحكومة دعماً دولياً من اليونيفيل، مع فرصة لإعادة تسمية الأمور وكشف الأهداف، والتركيز على بناء رأي عام جامع لتحقيق السلام الدائم والتعافي المستدام.

تعقد الحكومة اللبنانية المشكلة حديثاً أولى جلساتها في قصر بعبدا الجمهوري، غداً الثلاثاء، لتنطلق بذلك مرحلة جديدة في لبنان عنوانها الأساسي "الإصلاح والإنقاذ"، وهو ما يفرض تحديات جدية أمام الرئيس جوزاف عون ورئيس الحكومة نواف سلام. وجاءت الحكومة الجديدة بعد عدة جولات من المفاوضات مع الطيف السياسي اللبناني انتهت إلى تشكيلة تُوافق تغيير موازين القوى الداخلية والخارجية وبتلوين سياسي مختلف عن الحكومات السابقة، لا سيّما تلك المشكلة بعد عام 2019.

وتمكّن سلام، الذي جرى تكليفه في 13 يناير/كانون الثاني الماضي، من تأليف الحكومة يوم الجمعة الماضي، مسجلاً بذلك توقيتاً "قياسياً" بعدما كان التأليف يأخذ شهوراً على وقع التجاذبات والخلافات السياسية على توزيع الحقائب، ونجح سلام بتكريس سوابق من أبرزها غياب الثلث المعطّل للمرة الأولى منذ أكثر من 15 عاماً، بعدما أصرّ على اختيار وزير خامس للطائفة الشيعية غير محسوب بشكل مباشر على حزب الله وحركة أمل، فكان الاتفاق على فادي مكي، في حين أبقى على حقيبة المال بيد الثنائي ومنحها لياسين جابر الذي يعدّ من الأسماء غير المستفزة.

كما يُعدّ التيار الوطني الحر، بزعامة جبران باسيل، من أبرز الغائبين عن التشكيلة الحكومية، وكان التيار مسيطراً لسنوات على أهم الحقائب الوزارية، لا سيّما الطاقة والخارجية. كذلك غاب تيار المردة، بزعامة سليمان فرنجية، بعدما رفض تولي وزارة الإعلام. بينما نالت القوى المعارضة لحزب الله وحركة أمل حقائب أساسية، ونال حزب القوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع أربع وزارات هي: الطاقة والصناعة والاتصالات والخارجية، وحزب الكتائب حصل على وزارة العدل. ومنح سلام طارق متري منصب نائب رئيس الحكومة، بشكل يعيد الأمل لهذا الموقع باعتبار متري شخصية إصلاحية تتمتع بشعبية واسعة في لبنان، وكذلك الأمر بالنسبة إلى وزارة الثقافة التي أعاد سلام لها قيمتها ودورها بمنحها لغسان سلامة.

وفي ظلّ التلاوين السياسية، يؤكد سلام أنّ "هذه التشكيلة ستكون فريقاً يعمل بتجانس بين جميع أعضائه وملتزم بمبدأ التضامن الوزاري والتنوع بين الأعضاء"، مشدداً على أن "هذه التشكيلة لن تكون مصدراً لتعطيل عملها بأي شكل من الأشكال، وأن الحكومة لن تكون مساحة للمناكفات والصراعات الضيقة بل مساحة للعمل المشترك البناء". ورفع سلام شعار حكومة الإصلاح والإنقاذ، مشدداً على أن "الاصلاح هو الطريق الوحيد إلى الإنقاذ الحقيقي، وذلك يتطلب من الحكومة تأمين الأمن والاستقرار في لبنان عبر استكمال تطبيق القرار 1701 واتفاق وقف إطلاق النار ومتابعة انسحاب إسرائيل حتى آخر شبر من الأراضي اللبنانية، وذلك بالتلازم مع إعادة الإعمار".

أبرز التحديات أمام الحكومة اللبنانية

ومن أبرز التحديات أمام الحكومة اللبنانية الجديدة هي إعادة الثقة بين المواطنين والدولة وبين لبنان ومحيطه العربي والمجتمع الدولي، في حين تتجه الأنظار إلى كيفية تعاطيها مع ملفات أساسية، أمنية وقضائية واقتصادية، وعلى رأسها ملف انفجار مرفأ بيروت الذي عُطل لسنوات في ظل التدخلات السياسية، بالإضافة لأموال المودعين المحتجزة في المصارف منذ عام 2019، وإصلاح العديد من الوزارات التي ينهشها الفساد على رأسها الطاقة، وذلك إلى جانب الاستحقاق الأبرز المتمثل بانسحاب جيش الاحتلال الكامل بحلول 18 فبراير/شباط الجاري، وتطبيق القرارات الدولية إضافة إلى إجراء الانتخابات البلدية والنيابية.

ويبقى التحدّي الأول أمام حكومة سلام هو إعداد البيان الوزاري، خاصة مع شدة الخلافات السياسية حول مضمونه، لا سيّما لناحية معادلة "الجيش والشعب والمقاومة" التي كانت مكرسة في الحكومات السابقة، وهي المعادلة التي يصرّ حزب الله عليها ويتمسّك بها بينما يتشدد الفريق المعارض برفضه لها.

وفي الإطار، يقول مدير مركز المشرق للدراسات الاستراتيجية سامي نادر لـ"العربي الجديد"، إن "أهم نقطة في الحكومة الحالية هي عدم وجود معطّل فيها، والتعطيل الوحيد يمكن أن يكون في وزارة المال لكن الشخصية التي جرى اختيارها لا أعتقد أنها ستعطّل، كما أنه لا مصلحة لحركة أمل وحزب الله بالتعطيل في ظل تغيّر موازين القوى إلى جانب حاجتهم لإعادة الإعمار، وغياب أي بديل عن الالتزام بوقف إطلاق النار والقرارات الدولية باعتبار أن البديل الوحيد هو عودة الحرب، وهكذا سيناريو سيكون على حساب الثنائي بشكل نهائي".

ويلفت نادر إلى أن "هذه الحكومة فيها أسماء وشخصيات ذات كفاءة ونزاهة وشفافية وهذا أمر مهم جداً، لكن يبقى السؤال حول الملفات الأساسية التي ستمسك بها وتمنحها الأولوية باعتبار أن عمرها قصير حتى موعد الانتخابات النيابية في مايو/أيار 2026، وهناك ملفات يقتضي البدء بها ليظهر للناس أن البلد باتت على السكة الصحيحة، منها ملف المودعين وإعادة هيكلة المصارف وهذا أساسي ويعتبر باباً للتغيير والنهضة الاقتصادية، وملف انفجار مرفأ بيروت مع ضرورة تحرير القضاة من الضغط السياسي، وهناك ملف التدقيق الجنائي والأموال التي حوّلت من الداخل إلى الخارج، وهي بالمليارات وذلك إبّان الانهيار المالي عام 2019".

ويرى نادر أن "التجانس مهم في الحكومة، أما الذين لم يدخلوا إلى التشكيلة مثل التيار الوطني الحر وتيار المردة وغيرهما، يمكنهم أن يشكلوا نواة معارضة وهذا أمر مهم في الحياة السياسية، أما القوى المعارضة التي تلتقي مع خطاب القسم للرئيس عون وتعهدات رئيس الحكومة سلام لناحية حصرية السلاح بيد الدولة وتطبيق القرارات الدولية يتقدمها القرار 1701".

أولويات أساسية

من جهته، يقول المستشار في التنمية ومكافحة الفقر، أديب نعمة، لـ"العربي الجديد" إن "هذه الحكومة بتشكيلتها وفي ظل الظروف الراهنة التي تمر بها البلاد تفتح نافذة أمل، خصوصاً أنها تضم أسماء تعبّر عن خيارات وتوجهات معنية لناحية بناء دولة القانون والمؤسسات". ويضيف نعمة "أعتقد أن الأهم من الأسماء هو أن تعمل الحكومة بوصفها حكومةً وأن يكون جميع الوزراء ملتزمين بالبيان الوزاري، فكل وزير لديه دور سياسي، وعليه أن يساهم في رسم السياسة العامة للبلد ولا يستطيع أن يستقيل من هذه المهمة"، مشدداً على أن للوزير ثلاث وظائف؛ سياسية وتخصصية معرفية وقيادية إدارية، ومن هنا فإن "الامتحان الأساسي للحكومة سيكون في بيانها الوزاري من حيث المضمون والذي يفترض أن يترجم تبعاً لخطاب قسم الرئيس عون وتصريحات الرئيس سلام، بوضع التزامات ملموسة وعلى الوزراء الالتزام بها".

ويعتبر نعمة أن "هناك خطوة ناقصة حصلت من حزب القوات اللبنانية بعقد رئيسه سمير جعجع اجتماعاً مع وزراء القوات، علماً أن هؤلاء ليسوا وزراءه ولا يحق له الاجتماع معهم، بل يمكنه لاحقاً التشاور معهم بعد أن تبدأ الوزارة عملها، وتأخذ الحكومة الثقة ويقر البيان الوزاري. فهؤلاء مرجعهم هو رئيس الحكومة وليس رئيس الحزب، ونخشى أن تقوم بعض القوى السياسية الأخرى بالأمر نفسه لتكرر تجارب الحكومات السابقة".

وعلى صعيد معادلة "الجيش والشعب والمقاومة" يرى نعمة أنه "يجب تسمية الأمور بأسمائها، فنحن أمام حزب الله وليس مقاومة، فالمصطلح جرى الاستيلاء عليه من حزب الله، ويبقى حزب الله فريقاً سياسياً ولا حاجة لوجوده في البيان الوزاري أو في المعادلة، فالفكرة الأساسية كانت بالإيحاء بوجود علاقة أفقية بين ثلاثة مكونات. لكن المعادلة الحقيقية كانت بسيطرة الحزب على الدولة وأجهزتها القضائية والأمنية والسياسية، ومن خلالها كان يتحكم بالشعب والخيارات السياسية، وهذه المعادلة يجب أن تزول ولم يعد لها مكان من الناحية المنطقية والمبدئية وأعتقد أنها لن تكون داخل البيان الوزاري".

من ناحية ثانية، وباعتبار أن عمر الحكومة قصير، يقول نعمة إنه يمكن وضع أولويات أساسية أو مسار لقضايا معينة لا يمكن الارتداد عنه لحلها، منها "تحقيق انفجار مرفأ بيروت، على صعيد تحصينه وبدء العمل به بشكل جدي مع عدم المساس به. كذلك إعادة هيكلة المصارف وحل الأزمة المالية المستمرة منذ عام 2019، وتحميل المصارف مسؤولية الوصول إلى الانهيار، وكذلك في ردّ ودائع اللبنانيين بشكل حقيقي بعيداً من المنهجية المتبعة"، مضيفاً "يجب ملء بعض الشواغر في الدولة، وعلى صعيد الهيئات الأساسية، لا سيّما في القضاء لتأمين الحصانة الأساسية له ليقوم بدوره، والأهم إقرار قانون جديد للانتخابات النيابية إذ لا يمكن إجراء انتخابات جديدة بقانون قديم".

ولا يشعر نعمة بالقلق إزاء تطبيق القرار 1701 بكافة مندرجاته باعتبار أن موازين القوى الخارجية فرضته والأطراف الداخلية التي قد تمانع عليه مسلمة لإسرائيل وأميركا، ومستسلمة للنتائج الخارجية للحرب الإسرائيلية والتغييرات الإقليمية والدولية، لكنهم في المقابل لا يسلمون أن "هذا التغيير يجب أن ينعكس ويترجم في لبنان، بمعنى آخر هم مستعدون لتقديم كل التنازلات لأميركا ومن خلفها إسرائيل، ولكن لا يسيرون في حوار حقيقي مع الأطراف السياسية الداخلية لقيام تسوية تاريخية تُخرج لبنان من أزمته".

وتبعاً لذلك؛ يرى نعمة أن "الحكومة أمام فرصة لإعادة تسمية الأشياء بأسمائها وكشف الأهداف الحقيقية لكل طرف، ولا شك أننا سنشهد في مرحلة لاحقة عند بدء العمل نشوء استقطابات وتحالفات جديدة، وقد نرى الأعداء متحالفين في بعض الملفات منها إعادة هيكلة المصارف، علماً أن ملفات قد تكون أمامها إشكالات منها الملف التربوي كما القضائي"، مشدداً على أن "نقطة قوة الحكومة يجب أن تكون في مصارحة الناس وبناء رأي عام جامع، وعليها أن تعيد أمام الناس فاعليتها، وتأثيرها الذي كان غائباً في القرار السياسي".

على صعيد متصل، هنّأت اليونيفيل، اليوم، لبنان على تشكيل الحكومة الجديدة، وأعربت عن دعم قوات حفظ السّلام لحكومة سلام في جهودها لتنفيذ القرار 1701 كاملاً، إضافةً إلى دعم هذه الجهود من خلال الشراكة القوية مع الجيش اللبناني والمؤسسات الأمنية الأخرى.

وأكدت اليونيفيل وقوات حفظ السلام التابعة لها من 48 دولة في بيان، "دعمها الثابت للقوات المسلحة اللبنانية في إعادة انتشارها في جنوب لبنان، كما تدعم المؤسسات الحكومية في سعيها لإرساء سلطة الدولة، ومساعدة المواطنين على العودة إلى قراهم وبدء إعادة الاعمار. كما تظل ملتزمة بدعم استقرار المنطقة من أجل عودة الحياة الطبيعية للسكان على جانبي الخط الأزرق".

وختمت "تبقى اليونيفيل متمسكة بمسؤولياتها في ضمان الأمن والاستقرار، بما في ذلك من خلال المراقبة بحيادية لالتزامات جميع الأطراف وفقاً للقرار 1701. ونحن نتطلع إلى مواصلة التعاون مع الحكومة اللبنانية الجديدة لتحقيق السلام الدائم والتعافي المستدام".