إعلان الحكومة اللبنانية الجديدة: استحواذ لافت لقوى المعارضة وبقاء المال بيد حركة أمل

08 فبراير 2025
رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام في القصر الرئاسي 7 فبراير 25 (ريتا الجمّال/العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة: تم توقيع مرسوم تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة من قبل الرئيس جوزاف عون ورئيس مجلس الوزراء المكلف نواف سلام، لتضم 24 وزيراً غير منتمين لأحزاب سياسية، بهدف تشكيل حكومة إصلاح وإنقاذ تعمل كفريق متجانس لتحقيق تطلعات اللبنانيين.

- التحديات والمهام المستقبلية: تواجه الحكومة تحديات كبيرة تشمل تأمين الأمن والاستقرار، استكمال تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل، إعادة الإعمار، وتحسين العلاقات الخارجية، مع التركيز على الإصلاحات المالية والاقتصادية.

- الدور الأمريكي والتوازنات السياسية: تزامن تشكيل الحكومة مع زيارة الموفدة الأمريكية مورغان أورتاغوس، التي أكدت على ضرورة عدم مشاركة حزب الله، وشهدت التشكيلة توازنات جديدة بمشاركة قوى المعارضة، مع استمرار سيطرة نبيه بري على وزارة المال.

وقّع الرئيس اللبناني جوزاف عون، ورئيس مجلس الوزراء المكلف نواف سلام، في قصر بعبدا، اليوم السبت، مرسوم تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، والتي تضم 24 وزيراً، ليكتمل بذلك عقد المؤسسات في لبنان، مع استعادتها كامل صلاحياتها، بعدما كانت حكومة نجيب ميقاتي تُصرّف الأعمال على مدى أكثر من عامين، في ظلّ الشغور في سدّة الرئاسة الأولى.

في السياق، وبعد اجتماع ثلاثي عُقد بعد ظهر اليوم بين عون وسلام ورئيس البرلمان نبيه بري، صدرت مراسيم قبول استقالة حكومة ميقاتي، وتسمية سلام رئيساً لمجلس الوزراء، وتشكيلة الحكومة اللبنانية الجديدة، ووقع المرسومين الأولين الرئيس عون، فيما وقع الثالث عون وسلام.

وتلا الأمين العام لمجلس الوزراء محمود مكية مراسيم تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، وأعلن أسماء الوزراء، وهم: طارق متري نائباً لرئيس الحكومة، ياسين جابر وزيراً للمال، غسان سلامة وزيراً للثقافة، ميشال منسى وزيراً للدفاع، جوزيف الصدي وزيراً للطاقة والمياه، أحمد الحجار وزيراً للداخلية والبلديات، يوسف رجي وزيراً للخارجية والمغتربين، لورا الخازن لحود وزيرة للسياحة، كمال شحادة وزيراً للمهجرين ووزير دولة لشؤون تكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي، نورا بيرقدريان وزيرة للشباب والرياضة، ريما كرامي وزيرة للتربية والتعليم العالي، عادل نصار وزيراً للعدل، ركان ناصر الدين وزيراً للصحة، محمد حيدر وزيراً للعمل، عامر البساط وزيراً للاقتصاد، شارل الحاج وزيراً للاتصالات، جو عيسى الخوري وزيراً للصناعة، فايز رسامني وزيراً للأشغال العامة والنقل، فادي مكي وزير دولة لشؤون التنمية الادارية، تمارا الزين وزيرة للبيئة، نزار الهاني وزيراً للزراعة، حنين السيد وزيرة للشؤون الاجتماعية، وبول مرقص وزيراً للإعلام.

وأعرب عون عن ارتياحه لتشكيل الحكومة، وهنأ رئيسها نواف سلام والوزراء متمنياً لهم التوفيق في مهامهم الجديدة. وأكد عون أن "تشكيل حكومة الإصلاح والإنقاذ استند إلى المعايير التي تم التوافق عليها مع الرئيس سلام وأهمها ألا تضم وزراء ينتمون إلى أحزاب سياسية. وقد اعتمدت في تسميتهم الكفاءة والخبرة والاختصاص، إضافة إلى السيرة الذاتية والسمعة الحسنة. وقد تحققت هذه المعايير بحيث سيكون أعضاء الحكومة متجانسين ومتضامنين يعملون كفريق عمل متماسك لتحقيق ما يعقده عليهم اللبنانيون من آمال من أجل غد أفضل". وقال عون إن "أعضاء الحكومة غير حزبيين لكنهم سيكونون حتماً في خدمة جميع اللبنانيين لأن هدفهم سيكون فقط مصلحة لبنان".

من جانبه، تمنّى رئيس الوزراء نواف سلام بعد إعلان تشكيلة الحكومة، أن تكون "حكومة الإصلاح والإنقاذ"، مشيراً إلى أنّ "الإصلاح هو الطريق الوحيد إلى الإنقاذ الحقيقي، وذلك يتطلب من الحكومة تأمين الأمن والاستقرار في لبنان، عبر استكمال تطبيق القرار 1701، واتفاق وقف إطلاق النار، ومتابعة انسحاب اسرائيل حتى آخر شبر من الأراضي اللبنانية، وذلك بالتلازم مع إعادة الإعمار الذي سبق وقلت إنه ليس وعداً بل التزام".

وأكد سلام أن "الحكومة ستسعى إلى إعادة الثقة بين المواطنين والدولة، وبين لبنان ومحيطه العربي، وبين لبنان والمجتمع الدولي، والأهم ستسعى إلى وصل ما انقطع بين الدولة وطموحات الشابات والشباب، لتبعث الأمل في نفوسهم، فيشعرون أن أحلامهم يمكن أن تولد هنا وتتحقق في وطنهم". وأضاف: "إيماناً منها بأن لبنان بحاجة إلى ورشة وطنية كبرى، سوف يكون على الحكومة، وبالتعاون مع مجلس النواب، أن تعمل على استكمال تنفيذ اتفاق الطائف، والمضي قدماً بالإصلاحات المالية والاقتصادية، ولعلّ التلازم بين هذين الأمرين الأساسيين عنوانه إقامة السلطة القضائية المستقلة".

وتابع: "نعلم أن أيّ تشكيلة حكومية يصعب أن ترضي الجميع بوقت واحد، لكن هذه التشكيلة ستكون فريقاً يعمل بتجانس بين جميع أعضائه، ملتزماً مبدأ التضامن الوزاري والتنوع بين الأعضاء، وهذه التشكيلة لن تكون مصدراً لتعطيل عملها بأي شكل من الأشكال، وإن الحكومة لن تكون مساحة للمناكفات والصراعات الضيقة، بل مساحة للعمل المشترك البنّاء".

وختم سلام كلمته بالقول: "أعلم أنّ عمر الحكومة محدد، لكن لا معاناة الناس ولا حاجاتهم تقاس بأعمار الحكومات، لذا أضع نصب عيني قيام دولة القانون والمؤسسات، وأنا عازم على إرساء الأسس الضرورية للإصلاح والإنقاذ، وأملي كبير، وبالتعاون الكامل مع الرئيس جوزاف عون، وتأسيساً على المبادئ التي أرساها في خطاب القسم، أن نطلق معاً ورشة بناء لبنان الجديد، فلا مجال لإضاعة الوقت ولنباشر فوراً".

ونجحت المفاوضات المكثفة على خطّ عون - سلام - بري في الساعات الماضية بتذليل جميع العقد الوزارية، خصوصاً المرتبطة بالوزارة الخامسة للطائفة الشيعية، التي أخرت الإعلان عن الحكومة اللبنانية الجديدة ليومين متتالين، في ظلّ غياب التوافق حول الاسم، واعتذار الوزير الأسبق ناصر السعيدي عن تولي وزارة التنمية الإدارية، فكان الاتفاق اليوم على اسم فادي مكي، السياسي والاقتصادي والأكاديمي.

وتشهد هذه التشكيلة الوزارية مشهدية مختلفة عن سابقاتها، خصوصاً بعد عام 2019، حيث كان لحزب الله وحلفائه استحواذ على الحكومات المتعاقبة، بحيث تأتي اليوم بغياب للتيار الوطني الحر برئاسة النائب جبران باسيل، ومشاركة غير مباشرة لحزب الله، علماً أنه هو وحليفه حركة أمل، تمكّنا من ضمان خمس وزارات لهما من الطائفة الشيعية، ولو بشخصيات غير حزبية جميعها، ما يبقي خطر العرقلة والتعطيل قائماً.

كذلك، رغم المداورة على صعيد الوزارات، والتهديدات الأميركية، وبعض الاعتراضات الداخلية التي أخّرت تشكيل الحكومة، إلا أن رئيس البرلمان نبيه بري تمكّن من تحقيق مراده بإبقاء أم الوزارات، وزارة المال بيده، مستكملاً المسار منذ عام 2014. في المقابل، تُعدّ المشاركة الوازنة من نصيب القوى المعارضة، خصوصاً حزب القوات اللبنانية برئاسة سمير جعجع، الذي استحوذ على حقائب أساسية وسيادية، بعدما كانت على مرّ السنين الماضية بيد فريق الثنائي، حزب الله وحركة أمل، إلى جانب التيار الوطني الحر، كاسراً بذلك مقاطعته الحكومية التي استمرّت منذ عام 2019، ومن أبرزها وزارة الطاقة التي بقيت لأكثر من 15 عاماً بيد "التيار"، إلى جانب الخارجية، علماً أنّه بالنسبة إلى هذه الوزارة، فقد جرى التوافق على اسم وزيرها بين القوات، والرئيسين جوزاف عون ونواف سلام.

وتزامن تشكيل الحكومة اللبنانية اليوم، مع الجولة التي تقوم بها الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس، نائبة المبعوث الرئاسي الخاص للسلام في الشرق الأوسط، في لبنان، والتي شملت اليوم الرؤساء نبيه بري ونجيب ميقاتي ونواف سلام، وردّدت خلالها رسائل أميركية صارمة بشأن عدم مشاركة حزب الله الوزارية. وقالت أورتاغوس، أمس الجمعة، بعد لقائها الرئيس جوزاف عون: "ممتنون لحليفتنا إسرائيل على هزيمة حزب الله، ولكن الشكر إلى الشعب اللبناني، وإلى الرئيس عون ورئيس الوزراء المكلّف نواف سلام، وإلى جميع أفراد هذه الحكومة الملتزمين بإنهاء الفساد، وبإجراء الإصلاحات، والتأكد من أن حزب الله ليس جزءاً من هذه الحكومة بأي شكل من الأشكال، ويظل منزوع السلاح ومهزوماً عسكرياً"، مشيرة إلى أنه "بدأ عصر نهاية إرهاب حزب الله في لبنان وحول العالم، وانتهى هذا الأمر".

وتُعتبر الإدارة الأميركية منغمسة جداً في الاستحقاقات اللبنانية الأخيرة، ولا سيما رئاسة الجمهورية والحكومة، وذلك بعدما أمسكت كذلك بالملف الأمني عقب العدوان الإسرائيلي على لبنان، ورئاستها لجنة الإشراف على تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، معوِّلة على التطورات المتسارعة ربطاً بتداعيات الحرب على حزب الله، وانعكاسات سقوط نظام الأسد في سورية عليه أيضاً.

وأمام الحكومة اللبنانية الجديدة التي يقتصر "عمرها" على الفترة التي تنتهي عند موعد الانتخابات النيابية في مايو/ أيار 2026، تحديات كبرى، أبرزها ملف وقف إطلاق النار مع إسرائيل، وترتيبات الاتفاق الذي يُفترض أن يُنهي الاحتلال الإسرائيلي الكامل للجنوب في 18 فبراير/ شباط الحالي. ومن التحديات أيضاً، ملف إعادة الإعمار، والنهوض الاقتصادي، وأموال المودعين المحتجزة في البنوك، وتحسين العلاقات اللبنانية الخارجية، وغيرها من الملفات، علماً أن التحدي الأول والأهم يبقى نيل الحكومة الثقة من الكتل البرلمانية، خصوصاً أن هناك انتقادات طاولت طريقة تشكيل سلام الحكومة، متهمة إياه بالانحياز لبعض القوى السياسية، كما والرضوخ للثنائي بمنحه وزارة المال.

وكذلك من التحديات البارزة، إعداد البيان الوزاري في ظلّ الخلاف السياسي الحادّ حول معادلة "الجيش الشعب المقاومة" التي لطالما أدرِجت في متنه، ويرفض اليوم الفريق المعارض لحزب الله أن تكون ضمنه، علماً أنّ الأخير أعاد تكريس هذه المعادلة، خصوصاً، بالتزامن مع مشهدية عودة أهالي القرى الحدودية ومواجهتهم جيش الاحتلال، والتشديد على أهمية وجودها في هذه المرحلة.

وكُلِّف سلام في 13 يناير/ كانون الثاني الماضي بتشكيل الحكومة الأولى في عهد الرئيس جوزاف عون، بحصوله على 84 صوتاً من أصل 128 نائباً، قاطعاً الطريق أمام عودة نجيب ميقاتي، الذي كان مدعوماً من حزب الله وحركة أمل، علماً أنّ الثنائي امتنع عن التصويت في الاستشارات النيابية الملزمة بعدما كانت حُسمت النتائج لصالح الأول، لكنه كان أبرز المشاركين في مشاورات سلام الوزارية، واضعاً مطالبه على الطاولة.

المساهمون