الحراك الإيراني بين دمشق وأنقرة: طهران تخشى توسع النفوذ التركي

الحراك الإيراني بين دمشق وأنقرة: طهران تخشى توسع النفوذ التركي

04 يوليو 2022
زار عبد اللهيان أنقرة قبل توجهه إلى دمشق (Getty)
+ الخط -

أكد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، من العاصمة السورية دمشق، أول من أمس السبت، أن بلاده تعمل على إيجاد حلّ سياسي لثني تركيا عن شنّ العملية العسكرية التي تهدد بها، في شمالي سورية. وأشار الوزير الإيراني، خلال مؤتمر صحافي عقده مع وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد، في العاصمة السورية التي وصل إليها السبت، إلى أن بلاده أعلنت استعدادها لتقديم حلّ سياسي للأزمة، "واستعدادنا للمساعدة في هذا الصدد". وقال عبد اللهيان: "سنبذل قصارى جهدنا لمنع شنّ عملية عسكرية"، مضيفاً أنه تحدث أيضاً إلى المسؤولين الأتراك حول حل دبلوماسي.

غير أن المسؤول الإيراني قال إن بلاده "تتفهم قلق ومخاوف الحكومة التركية بشأن القضايا الحدودية الخاصة بها، لكننا نعتبر أن أي إجراء عسكري في سورية هو عامل مزعزع للأمن في المنطقة"، وذلك بعدما أكد الإثنين الماضي، من أنقرة، أنه "يتفهم" الحاجة التركية لعملية جديدة ضد حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردية، في شمال سورية.

أحمد القربي: بعد انفتاح تركيا على بلدان عربية، تحاول إيران تقديم تنازلات في بعض الملفات بسورية

وتطرق اللقاء الذي جمع أيضاً عبد اللهيان برئيس النظام السوري بشار الأسد، السبت، إلى العملية العسكرية التي تلوّح بها أنقرة. وكتب عبد اللهيان، أمس الأحد، في منشور على تطبيق "إنستغرام"، أنه أبلغ الأسد "المخاوف الأمنية التركية التي طرحها معي رئيس جمهورية ووزير خارجية هذا البلد (الرئيس رجب طيب أردوغان ووزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو) خلال زيارتي الأخيرة إلى أنقرة".

وأضاف: "قلت صراحة أن موقف الجمهورية الإسلامية الإيرانية هو حلّ القضايا عبر الحوار والتعاون ونعارض استخدام القوة وأي عملية عسكرية ضد سورية". ونقل عن الأسد دعمه لـ"أي حل يعتمد الحوار وبمساعدة الجمهورية الإسلامية". 

وكانت وكالة الأنباء التابعة للنظام "سانا" قد نقلت عن الأسد قوله خلال لقائه عبد اللهيان إن "الادعاءات التركية لتبرير عدوانها على الأراضي السورية هي ادعاءات باطلة ومضللة ولا علاقة لها بالواقع، وتنتهك أحكام ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي وروابط حسن الجوار التي يُفترض أن تجمع بين البلدَين الجارَين"، بحسب ما نقلت عنه وكالة الأنباء التابعة للنظام "سانا".

وتلوّح أنقرة منذ أكثر من شهر بتنفيذ عملية عسكرية واسعة النطاق ضد "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) التي تشكل الوحدات الكردية ثقلها الرئيسي، وذلك في ريف حلب الشمالي، وخصوصاً في اتجاه بلدة تل رفعت ومحيطها. ويبدو أن أنقرة قطعت شوطاً في طريق البدء بهذه العملية، حيث نقلت خلال الأيام القليلة الماضية وحدات قتالية تابعة لفصائل المعارضة السورية المرتبطة بها إلى خطوط التماس في ريف حلب مع قوات النظام و"قسد". ومن المتوقع أن تبدأ العملية في أي وقت، حيث تعمل أنقرة حالياً على الحصول على ضوء أخضر، خصوصاً من الجانب الروسي الذي تقع بلدة تل رفعت ضمن نطاق نفوذه في سورية. 

توجس إيراني من العملية التركية في شمال سورية

ويشي التحرك الدبلوماسي الإيراني إلى ثني أنقرة عن شنّ عملية عسكرية واسعة النطاق في الشمال السوري، بتوجس طهران من هذه العملية التي من شأنها تعزيز الحضور التركي في الملف السوري في ظل انشغال الروس بغزوهم أوكرانيا.

وفي السياق، قال مصدر دبلوماسي تركي لـ"العربي الجديد" إن الحراك الإيراني الدبلوماسي هو محاولة لثني تركيا عن القيام بأي عملية عسكرية جديدة في سورية تؤدي إلى مزيد من تقوية نفوذها، وذلك بعد تهديدات أنقرة باستهداف جميع القوى الموجودة في مناطق تل رفعت ومنبج ومناطق العمليات الجديدة، وهو ما يعني استهداف المليشيات الشيعية المرتبطة بإيران الموجودة في المنطقة ما لم تنسحب.

وأشار المصدر إلى أن إيران تخشى من انتزاع تركيا موافقة روسية أيضاً حول العملية العسكرية الجديدة، ومن هنا يبدو واضحاً أن هدف الزيارة هو تنسيق المواقف مع النظام السوري ضد أي عمل عسكري تركي جديد، وذلك تحت غطاء نقل المخاوف التركية للنظام.

من جهتها، قالت مصادر أخرى مطلعة على حيثيات الحراك الإيراني على خط أنقرة ودمشق، إن زيارة وزير الخارجية الإيراني قبل أيام إلى تركيا كانت مدفوعة بـ"توتر خفي" بين البلدين، انعكس في تأجيل زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى طهران إلى أجل غير مسمى، فضلاً عن تأجيل زيارة الوزير الإيراني إلى تركيا مرتين. وعن هذا التوتر قالت المصادر إنه مرتبط بـ"انزعاج تركي" من تعرض مصالح تركيا في العراق لمخاطر من قبل حلفاء طهران، فضلاً عن "متطلبات سياسية جديدة تتبعها أنقرة أخيراً في المنطقة للمصالحة مع السعودية وإسرائيل".

اقترح عبد اللهيان على الأتراك التعاون الأمني المكثف مع النظام لإضعاف الإدارة الذاتية

وأضافت المصادر التي رفضت الكشف عن هويتها أن زيارة عبد اللهيان كانت محاولة إيرانية لـ"إزالة سوء فهم قد يكون حصل خلال الفترة الأخيرة، وترطيب الأجواء مع تركيا".

مبادرة إيرانية جديدة للوساطة بين تركيا والنظام

وأشارت المصادر إلى أن الملف السوري كان عنواناً بارزاً في زيارة الوزير الإيراني إلى تركيا، وهو حمل "مبادرة إيرانية إلى أنقرة لثنيها عن شن عملية عسكرية ضد سورية". ولفتت إلى أن المبادرة الإيرانية "تعتمد على ركنين: الأول مشاطرة تركيا في مخاوفها من الواقع الآخذ في التشكل بشمال سورية نحو تأسيس كيان كردي مستقل مدعوم من الولايات المتحدة والغرب، والركن الثاني هو استعداد إيراني للوساطة بين أنقرة ودمشق لبحث حل بديل عن العملية العسكرية".

وأوضحت المصادر أن عبد اللهيان اقترح على الأتراك "تبني حل مشترك مع النظام السوري بدعم إيراني لمعالجة المخاوف المشتركة في الشمال السوري"، مشيرة إلى أن "الحل المقترح هو التعاون الأمني المكثف لإضعاف الإدارة الذاتية (الكردية) وإنهاء الوجود الأجنبي في الشمال السوري".

وكشفت المصادر أنه "حالياً هناك مستوى محدد من التعامل الأمني بين سورية وتركيا، لكنه لا يرتقي إلى المستوى المطلوب"، مضيفة أن تركيا "تشترط قبل أي شيء تحركاً ميدانياً عسكرياً سورياً ضد الإدارة الذاتية".

وفيما أشارت المصادر إلى أن الوزير الإيراني اقترح خلال زيارته إلى تركيا عقد اجتماع ثلاثي بين طهران ودمشق وأنقرة لبحث الوضع، لكن المصادر قالت إنها لا علم لها بالرد التركي على المقترح.

وأكدت المصادر أن دمشق "مستعدة لتعاون أمني مع أنقرة لمعالجة المخاوف الأمنية المشتركة"، قائلة إنها "في الوقت ذاته تربط أي تغيير أساسي في سياستها تجاه الشمال برفع تركيا دعمها عن مجموعات إدلب والمساعدة في إعادة سورية (النظام) سيادتها على هذه المناطق". ولفتت المصادر إلى أن "المبادرة الإيرانية تتضمن أيضاً تحذيرات مبطنة للجانب التركي من عواقب العملية العسكرية المحتملة إقليمياً وسورياً".

وكان النظام والإيرانيون قد عززوا مواقعهم العسكرية خلال شهر يونيو/ حزيران الماضي في ريف حلب الشمالي، لصد فصائل المعارضة السورية في حال تحركها باتجاه بلدة تل رفعت التي تسيطر عليها الوحدات الكردية منذ مطلع عام 2016 وتضم حالياً نازحين أكراداً من منطقة عفرين القريبة منها.

ولكن من المتوقع ألا تصمد قوات النظام والمليشيات الإيرانية والوحدات الكردية طويلاً، في ظل التفوق العسكري لفصائل المعارضة السورية المدعومة برّاً وجواً من الجيش التركي. ويبدو أن الجيش التركي يضع في خططه إنهاء أي وجود للوحدات الكردية في غربي الفرات ومن ثم فإن مدينة منبج هي الهدف الثاني له.

طهران تتوجس من اقتراب تركيا أكثر من تخوم مدينة حلب الشمالية وبلدتي نبّل والزهراء

ومن الواضح أن طهران تتوجس من تعزيز تركيا لحضورها في الملف السوري في حال شنّت هذه العملية التي تُقرّب أنقرة أكثر من تخوم مدينة حلب الشمالية، وتضع بلدتي نبّل والزهراء الشيعيتين اللتين تضمان مليشيات إيرانية في مرمى نيران فصائل المعارضة السورية. 

وعن حراك عبد اللهيان، رأى الباحث في "مركز الحوار السوري"، أحمد القربي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن المحاولة الإيرانية للتوسط بين النظام السوري وتركيا لتجنّب عملية عسكرية تركية في شمالي سورية "جاءت على ضوء أمرين مهمين". وأضاف أن "هناك انشغالاً روسياً بالحرب في أوكرانيا، لذا تحاول طهران ملء الفراغ الذي تركته موسكو في سورية، عسكرياً وسياسياً". ولفت إلى أنه "بعد الانفتاح التركي على بلدان عربية، تحاول إيران تقديم تنازلات في بعض الملفات في سورية، لتحييد تركيا عن الانخراط في أي تحالف إقليمي ضد طهران".

وعن مضمون الوساطة، توقع القربي أنها "لن تخرج عن المحددات التي وضعتها روسيا مع النظام وهي تخلي قوات قسد عن سلاحها وعن مشروعها بالحكم الذاتي". وأضاف: "هناك دافع إيراني مهم للوساطة، وهو وجود بلدتي نبّل والزهراء اللتين يشكل الشيعة غالبية سكانهما في ريف حلب الشمالي ليس بعيداً عن تل رفعت، مسرح العملية المتوقعة. تريد طهران دوراً ما في أي ترتيبات أمنية في المنطقة لحماية البلدتين". 

وحول إمكانية نجاح الوساطة الإيرانية، رأى القربي أن التحرك الإيراني بين أنقرة ودمشق "محاولة لإظهار الحضور الإيراني في الملف السوري أكثر من كونها وساطة حقيقية"، مشيراً إلى أن "هناك اتصالات أمنية بين النظام السوري وتركيا، وربما تحاول طهران من خلال ملف الشمال السوري فتح قنوات سياسية بين نظام الأسد وتركيا". 

وأعرب الباحث عن اعتقاده بأن تركيا "ليست مستعجلة للانفتاح السياسي على نظام الأسد"، مذكّراً بأن الروس "حاولوا سابقاً الجمع بين تركيا والنظام، ولكن الأمر لم ينجح". وأضاف أنه "في ظل التوجه الغربي لمناكفة الروس، فليس من المناسب أن تعطي أنقرة مكسباً سياسياً للنظام السوري الحليف الرئيسي لموسكو". وأشار القربي رغم ذلك إلى أنه "من الممكن أن يحقق الإيرانيون اختراقاً في شمال شرقي سورية في حال أقنعوا قوات قسد بالانسحاب 30 كيلومتراً بعيداً عن الحدود التركية السورية"، مضيفاً أنه "إذا كانت الوساطة الإيرانية تتحرك ضمن المحددات الروسية السابقة، فلن تحقق أي نجاح".