استمع إلى الملخص
- العرب يواجهون ضغوطاً أميركية لتصفية القضية الفلسطينية، مع تهديدات بقطع المعونات، مما يتطلب موقفاً حازماً للحفاظ على الحقوق والكرامة.
- الرسائل الفلسطينية تدعو للتمسك بالأرض ورفض "الوطن البديل"، وعلى العرب دعم حقوق الفلسطينيين وكسر الحصار على غزة بدلاً من التسويات التطبيعية.
من الواضح أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب ودائرته يتصرفون بعجرفة واستعلاء الجهل التاريخي فيما يخص عموم دول عالم الجنوب، بل وحتى مع حلفاء غربيين. مع ذلك هم ليسوا قدراً محتوماً، ولا كليي القدرة، ليواصلوا الاندفاع غير مبالين بالخسائر والتكاليف التي من الممكن أن تنسف الكثير من مصالح بلدهم.
بالطبع لا سبيل، وفق المعطيات الحالية، لمقارنة تصرف الأوروبيين والعالم العربي الرسمي في مواجهة تطابق رؤية رئيس أميركي وأعضاء حركة "كهانا حي" الإرهابية وعموم رموز الفاشية الصهيونية-الاستيطانية. مثلاً يساند الأوروبيون الدنمارك منطلقين من فهم عميق لمصالح القارة الأوروبية. وداخلياً لا يسيّر الحزب الحاكم مسيرات "عفوية" تفتدي "الزعيمة" (رئيسة الحكومة) ميتا فريدركسن بـ"الروح والدم"، لرفضها انتزاع ترامب جزيرة غرينلاند عنوة من بلدها. ولم يُخوّن شعب غرينلاند الصغير لأن قواه السياسية منقسمة، أو اتهامه لسنوات بأنه يريد "بيع أرضه"، وأن "مقاومته عبثية".
ورغم غياب بديهيات المقارنة، أمام العرب الرسميين، واستناداً إلى ميزان الربح والخسارة، فرصة كي لا يردد بعض "العالم العربي" مقولة: "أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض". فالرضوخ لـ"الصدمة والترويع" الأميركيين، بتهديد قطع "معونات" (عسكرية) يعني مستقبلاً الكثير من بكائيات "أمراء الطوائف". رجالات ترامب يطرحون التطهير العرقي في غزة، ومن ثم الضفة الغربية والقدس وحتى عرب الداخل، على أساس أنها تطبيق لـ"رؤية توراتية" لتصفية الشعب الفلسطيني وحقوقه.
وبالتأكيد يدرك صنّاع السياسة العربية، بعيداً عن الشعبوية الدعائية ضد الفلسطينيين وكأنهم هم من يطالبون بتهجيرهم، مخاطر أن تتوجه لشعوب المنطقة، وتقول لهم: "وفقاً لرؤية توراتية عليكم الرضوخ والاستسلام التام لتوسيع إسرائيل الكبرى". فتحويل قضية تحرر واستقلال وطني والحقوق التاريخية لشعب فلسطين إلى "منطق" توراتي متغطرس، وفق نظريات الإنجيليين الصهاينة في أميركا والمسيحانية في المعسكر الصهيوني-الديني، يعني ببساطة أن أحداً لن يستطيع منع نشوء منطق مقابل يستند إلى "رؤى قرآنية"، بكل ما يعنيه ذلك من تعدد التفسيرات وغياب الإنصات إلى "التعقل".
بقيت رسائل الفلسطينيين لعمقهم العربي والإسلامي طيلة العقود الماضية تؤشر إلى التمسك بالأرض ورفض مشاريع "الوطن البديل". ولا حاجة هنا لاستعادة جردة أخطاء كارثية، أقلها القبول وراء الكواليس بتصنيف مقاومة الاحتلال بـ"إرهاب"، والعجز أمام التلاعب العلني بوضع القدس، وإفلات الإرهاب الاستيطاني المحمي رسمياً وسط حمى التطبيع. ما يحتاجه الرسميون العرب، لأجل مصالحهم وشعوبهم واحترام دولي لمكانتهم وقيمتهم، اتخاذ موقف غير خاضع للتأويل، بقول وتطبيق "لا"، مرة وإلى الأبد.
ومن المؤسف والخطير إذا واصلت السياسات الرسمية لعالم عربي مترامي الانقسام من ناحية والاكتفاء في الأخرى بتسويات وتنازلات لإنتاج "لا" لفظية. فإذا كان العالم العربي والإسلامي يتهم الغرب بالنفاق وازدواجية المعايير فعليهما إظهار العكس، أقله في تطبيق قرارات اتُخذت منذ زمن طويل لكسر الحصار على غزة وتجذير صمود شعبها، وشعب فلسطين عموماً على أرضه التاريخية. فطرح "رؤية توراتية" ومشاريع "أوطان بديلة"، حتى وصل الأمر بغطرسة مجرم حرب مطلوب للجنائية الدولية بمستوى بنيامين نتنياهو إلى الطلب من السعودية "تخصيص أرض لإقامة دولة للفلسطينيين فيها"، هذا عداك عن الأردن ومصر، وربما غيرها في تلك الرؤية الكارثية على شعوب المنطقة وليس الفلسطيني وحده. ببساطة، أمام النظام الرسمي العربي وقت مستقطع من شعوبه ليؤكد البديهي مجدداً: لا حل ولا سلام إلا بتحقيق الحقوق الفلسطينية وفقاً للقوانين والمواثيق والقرارات الدولية. أما بقاء الأمر في إطار تنفيس لاحتقان متراكم عند عشرات الملايين، وعدم استخدام مكانة وقوة وهيبة دول شعوب المنطقة، يعني تمكين الصهيونية من إشغال السياسات العربية بإطفاء حرائق هنا وهناك. الأمر لا يحتاج لعظيم جرأة بل نفض لغبار خدعة "التطبيع" و"السلام مقابل السلام".