الجيش الصيني... من حرب العصابات لثالث قوة عسكرية بالعالم

25 مايو 2025   |  آخر تحديث: 04:06 (توقيت القدس)
عرض عسكري للجيش الصيني في بكين، 1 أكتوبر 2019 (غريغ بيكر/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- منذ عام 2013، أطلق الرئيس شي جين بينغ حملة تحديث شاملة للجيش الصيني، تضمنت تقليص عدد القوات، وزيادة موازنة الدفاع، والاعتماد على التكنولوجيا الحديثة، بهدف بناء جيش بقدرات عالمية بحلول 2050.

- تحول الجيش الصيني إلى قوة عسكرية حديثة، مع أكبر قوة بحرية وترسانة نووية متنامية، وتقدم في مجال الصواريخ الأسرع من الصوت، مما يعزز قدرتها على المنافسة العالمية.

- تركز الصين على إعادة هيكلة التعليم العسكري، وإنشاء أكاديميات جديدة، واستخدام الذكاء الاصطناعي في التدريب والعمليات، لتعزيز قدرات الجيش في مواجهة التحديات.

لم يعد الجيش الصيني بعيداً عن التحوّلات التي يشهدها العالم، منذ تفشي وباء كورونا في عام 2020 والغزو الروسي لأوكرانيا الذي بدأ في عام 2022، وذلك بعدما تكثفت عملية تطوير الجيش بنشاط منذ تولّي الرئيس شي جين بينغ منصبه في عام 2013. وبرز التطور العسكري في عاملين أساسيين: الجيش الصيني بحدّ ذاته، والصناعة العسكرية الصينية التي استخدمتها باكستان أخيراً في اشتباكاتها مع الهند وبرزت بين السابع من مايو/أيار الحالي والعاشر منه. ومرّ الجيش الصيني بمراحل زمنية عدة، بدءاً من انتفاضة نان تشانغ في الأول من أغسطس/آب 1927، التي بدأت مع استيلاء الحزب الشيوعي الصيني على فرقتين من قوات الحزب القومي، وقيادة تمرد عسكري ضمن مخطط لاحتلال مدينة كوانغ جو، في مقاطعة غوانع دونغ الجنوبية، في سياق سعيه لتشكيل قاعدة عسكرية تنطلق منها شرارة ثورية لتحرير البلاد من هيمنة القوميين آنذاك. وفي عام 1928 نظم الزعيم الصيني ماو تسي تونغ، جيشاً من المتمردين بلغ قوامه حوالي ستة آلاف مقاتل، كان جلهم من الفلاحين، وأطلق عليه اسم (الجيش الأحمر)، وكان النواة الأولى لما سيعرف لاحقاً باسم جيش التحرير الشعبي الصيني (اسم الجيش الصيني الرسمي). غير أن هذه القوات الشيوعية كانت تفتقر آنذاك إلى الموارد، واعتمدت على تكتيكات حرب العصابات مثل عمليات الكر والفر للتعويض عن نقص الإمكانات.


يوان تشو: يُحسب للرئيس شي جين بينغ، أنه أول زعيم صيني يطلق حملة تحديث شاملة

بدايات الجيش الصيني

في مطلع عام 1930، كثّف ماو عمليات الاستقطاب والتدريب، وبلغ عدد قواته مائة ألف جندي، وأنشأ عدداً كبيراً من القواعد العسكرية في جنوب وشمال جيانغ شي، وغرب خوبي، وشرق خونان، وتمكن من السيطرة على مساحات كبيرة من الأراضي الصينية في الجنوب. ولكن في عام 1934، اشترت القوات القومية أسلحة ألمانية جديدة، وشنت هجوماً واسعاً على الجيش الأحمر، مما اضطر ماو إلى الانسحاب باتجاه وسط البلاد، في حملة عرفت باسم المسيرة الطويلة، والتي شهدت تحرك مائة ألف جندي من قواعد الجنوب إلى مقر جديد في يانان، بمقاطعة شنشي، حيث قطعت القوات آنذاك حوالي عشرة آلاف كيلومتر، ونجا منهم ثمانية آلاف جندي فقط. الجيش الأحمر، المعروف رسمياً باسم جيش العمال والفلاحين، كان الجناح العسكري للحزب الشيوعي الصيني بين عامي 1928 و1937. وقد تم تشكيله عندما انشقّت العناصر الشيوعية في الجيش الثوري الوطني وتمردت في انتفاضة نان تشانغ. وأُعيد دمج الجيش الأحمر في الجيش الثوري الوطني كجزء من الجبهة المتحدة الثانية مع الكومينتانغ (القوميين) للقتال ضد إمبراطورية اليابان خلال الحرب الصينية اليابانية الثانية (1937 ـ 1945).

في المراحل اللاحقة من الحرب الأهلية الصينية، انشق الجيش الأحمر مرة أخرى وأُعيدت تسميته بجيش التحرير الشعبي. وفي عام 1947، أعيد تنظيم الجيش الأحمر ليصبح جيش التحرير الشعبي. واستمر في العمل كجيش حرب عصابات معتمداً على دعم الفلاحين. وبحلول الوقت الذي تأسست فيه جمهورية الصين الشعبية في الأول من أكتوبر/تشرين الأول 1949، كان جيش التحرير الشعبي يضم 5.5 ملايين فرد، معظمهم من قوات المشاة. في عام 1954، تم تعزيز العلاقة بين الجيش الصيني والحزب الشيوعي، من خلال إنشاء اللجنة العسكرية المركزية، التي تشرف بشكل مباشر على عمل القوات المسلحة. وحسب التقليد، فإن الجيش الصيني ليس جيشاً تقليدياً للدولة القومية، بل جزء من الحزب الشيوعي وجناحه المسلح، ويسيطر عليه الحزب وليس الدولة، ومهمته الأساسية هي الدفاع عن الحزب ومصالحه، وهو الضامن لبقاء الحزب في الحكم.

أيضاً يسيطر الحزب الشيوعي على قيادة القوات المسلحة، مع تسلّم اللجنة العسكرية المركزية القيادة العسكرية العليا، فالحزب والدولة هما عملياً هيئة واحدة لجهة عضوية أعضائهما. ومنذ عام 1989، كان الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني هو أيضاً رئيس اللجنة العسكرية المركزية، مما يمنحه سلطة سياسية كبيرة، باعتباره العضو الوحيد في اللجنة الدائمة للمكتب السياسي الذي يتحمل مسؤوليات مباشرة عن القوات المسلحة. أيضاً لا تمتلك وزارة الدفاع الصينية أي سلطة قيادية على الجيش، فهي مجرد واجهة له تجاه الأطراف الخارجية. ظل الجيش الصيني لعقود طويلة مكتفياً بكونه واحداً من أكبر جيوش العالم من حيث عدد القوات (2.3 مليون جندي)، إلى جانب اعتماده على الأسلحة السوفييتية القديمة، وحتى مطلع الألفية الثانية لم يكن مؤهلاً لا بالعتاد ولا بالقدرات القتالية، فضلاً عن أن آخر حرب خاضها الجيش الصيني كانت ضد فيتنام في عام 1979.

دور شي جين بينغ

غير أن هذه الصورة انعكست تماماً مع وصول الرئيس الحالي شي جين بينغ إلى السلطة في عام 2013، حين أطلق عملية تحديث الترسانة العسكرية الصينية بصورة شاملة. وشهدت العملية خطط بناء وإصلاحات كبيرة كان أبرزها: خفض قوات الجيش الصيني في مقابل الاعتماد على التكنولوجيا العسكرية، وزيادة موازنة الدفاع، وتعزيز القدرات القتالية، وكذلك إصدار قواعد جديدة للتجنيد في الجيش الشعبي، منها: استقطاب خريجي الجامعات الذين لديهم خلفيات علمية وهندسية، وذلك من أجل تحقيق هدف شي المتمثل في بناء جيش بقدرات عالمية بحلول عام 2050.

في تعليقه على ذلك، قال الباحث في الشؤون العسكرية في معهد نان جينغ للبحوث والدراسات الاستراتيجية، يوان تشو، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه يُحسب للرئيس شي جين بينغ، أنه أول زعيم صيني يطلق حملة تحديث شاملة تواكب التطورات العصرية التي طرأت على القدرات القتالية للجيوش النظامية خلال العقد الأخير، آخذاً بعين الاعتبار النجاحات التي حققتها الصين في مجال الذكاء الاصطناعي، ومدى القدرة على الاستفادة من هذه التقنيات في تحديث الجيش الصيني وتأهيله بصورة علمية بما يتناسب مع مكانة الصين ودورها والتحديات التي تواجهها إقليمياً ودولياً.


تحتوي الترسانة النووية الصينية على أكثر من 600 رأس نووي وفق البنتاغون

كانت المواجهة المسلحة التي اندلعت بين الهند وباكستان في مايو الحالي، التي شهدت تمكن القوات الباكستانية بالاعتماد على المقاتلات الصينية من إسقاط خمس طائرات هندية من طراز رافال الفرنسية الصنع، أول اختبار حقيقي للتحديث الصيني، إذ أعلنت إسلام أباد أنها استخدمت طائرات مقاتلة صينية الصنع من طراز "جيه 10 سي"، ضد القوات الجوية الهندية. وأفادت وسائل إعلام صينية، في حينه، بأن نجاح طائرة "جيه 10 سي" في المواجهة بين الهند وباكستان يشهد على تفوق القوة الجوية الصينية، كما أن أداء الطائرة المقاتلة صينية الصنع في القتال كشف عن تحول عقائدي في التطور العسكري الصيني.

ولفتت تلك الوسائل إلى أن القوة الجوية الصينية تتقدم بفضل مقاتلاتها الشبحية من الجيل الخامس وتصاميمها من الجيل السادس، مع انتقال الصين من التقليد إلى الابتكار، ومن الطموح الإقليمي إلى المنافسة العالمية. واعتبرت أن تطور أداء طائرة "جيه 10 سي" لم يُظهر نضجاً تكنولوجياً فحسب، بل أظهر تحولاً عقائدياً، فقد تبنت الصين نهجاً حربياً يعطي الأولوية للهيمنة المعلوماتية، وهو تطور يُحاكي الاستراتيجيات التي أطلقتها الولايات المتحدة، لكنه مصمم خصيصاً لنقاط القوة الصينية في الإنتاج الضخم وتكامل الأنظمة.

التطور العسكري الصيني

في السياق، اعتبر أستاذ العلاقات الدولية في مركز ونشوان للدراسات الاستراتيجية جيانغ لي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الصين واحدة من أسرع الدول في العالم لجهة التطور العسكري، قياساً إلى الفترة الزمنية القصيرة التي بدأت فيها عمليات التحديث، مقارنة بدول أخرى. ولفت إلى أن بكين تمتلك الترسانة الكبرى من الصواريخ الأسرع من الصوت في العالم، مشيراً إلى أن الأسلحة الأسرع من الصوت تعادل خمسة أضعاف سرعة الصوت، ويمكنها تغيير مسارها بسهولة، مما يجعل الدفاع ضدها أكثر صعوبة من الصواريخ الباليستية التي تتقيد بمسار محدد. وأضاف جيانغ أن الصين تمتلك أيضاً أكبر قوة بحرية في العالم، استناداً إلى عدد السفن في أسطولها البحري، بواقع أكثر من 370 سفينة وغواصة، منها أكثر من 140 سفينة سطحية كبيرة. ورأى أن صناعة الدفاع الصينية قادرة على تلبية كل احتياجات بناء السفن من دون أي قيود وفي زمن قياسي، من بينها إنتاج السفن الحربية والمعدات البحرية والأنظمة الإلكترونية الحديثة.

وسبق لوزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، أن كشفت في تقرير لها في 18 ديسمبر/كانون الأول الماضي، أن الترسانة النووية الصينية تحتوي على أكثر من 600 رأس نووي يمكن استخدامها في القتال الفعلي، وأنه بحلول عام 2030 ستحتوي على أكثر من ألف رأس نووي. وأضاف أن النمو في الترسانة النووية الصينية يتوافق مع تقديرات العام الماضي. مع العلم أن الصين احتلت المركز الثالث في تصنيف ترتيب أقوى جيوش العالم 2025 بعد كل من أميركا وروسيا، وفقاً لتقرير صدر عن مؤشر "غلوبال فايرباور"، بميزانية عسكرية بلغت 249 مليار دولار. وخلال الأسبوع الماضي، استعرضت شركات الدفاع الصينية إمكانات الذكاء الاصطناعي في تحسين قرارات القتال في معرض عسكري سنوي بدأ في العاصمة بكين، مما أعطى لمحة عما يمكن أن يكون متاحاً للقوات المسلحة. كما أظهر البائعون في معرض الصين للتكنولوجيا العسكرية الذكية، كيف يمكن تطبيق الذكاء الاصطناعي في التدريب اليومي وجمع المعلومات الاستخباراتية وحتى التدريب البدني للجنود. ومن بين هذه الشركات، شركة إيفر ريتش للذكاء الاصطناعي، وهي شركة ناشئة ومقرها بكين، وسبق لها أن عرضت نموذجاً للتدريب العسكري بمساعدة الذكاء الاصطناعي، يتضمن خريطة طيران لمنطقة قريبة من مضيق تايوان، ويبدو أن النموذج أظهر كيفية استخدام هذه التقنية لتحسين التدريبات حول تايوان.

أيضاً عرضت الصين أنظمة الكشف والقيادة والتحكم المتقدمة في معرض الرادار العالمي الذي عقد في مقاطعة آنهوي، شرقي البلاد الأسبوع الماضي. وكشفت شركة مجموعة تكنولوجيا الإلكترونيات الصينية المملوكة للدولة (سي إي تي سي) خلال العرض عن أنواع متعددة من الرادارات المضادة للتخفي كمنتجات رئيسية لمعدات الرادار الصينية. من بينها رادار المراقبة الجوية عالي الحركة "جي واي ـ 27 جاي في"، وهو رادار مضاد للتخفي من الجيل التالي. وأوضحت وسائل إعلام صينية، أنه نظراً للاستخدام الواسع لأجهزة الاستشعار في ساحة المعركة الحديثة، فإنه يتم توليد كمية هائلة من المعلومات الاستخباراتية، مما يجعل كيفية فحصها ودمجها بفعالية ووضع خطط قتالية بسرعة، تحدياً عالمياً.


جيانغ لي: صناعة الدفاع الصينية قادرة على تلبية كل احتياجات بناء السفن

عشرة آلاف سيناريو

كما أجرت قاعدة بحرية تابعة لجيش التحرير الشعبي الصيني في العاشر من مايو الحالي، تدريباً لإزالة مغناطيسية السفن، والذي استخدم لأول مرة الذكاء الاصطناعي، مما حسّن كثيراً الكفاءة التشغيلية، وفقاً لتقرير نُشر في تلفزيون الصين المركزي. وحسب التقرير، فإن هذه الخطوة تهدف إلى تعزيز قدرات التخفي للسفينة من خلال تقليل بصمتها المغناطيسية، ومن شأن ذلك أن يُساهم في بناء قدرات قتالية عالية.

أيضاً خلال نفس الفترة، استخدم فريق بحثي في إحدى جامعات شمال غرب الصين نموذج الذكاء الاصطناعي الخاص بشركة ديبسيك (DeepSeek) لإنشاء سيناريوهات محاكاة عسكرية آلية، ما وصف بأنه تغيير "مزعزع للاستقرار" في كيفية اتخاذ القادة القرارات في المعركة. وصرح فو يان فانغ، قائد الفريق من كلية علوم وهندسة الحاسوب بجامعة شيان التكنولوجية، في بيان نشر على موقع الجامعة، بأن نظام المحاكاة القائم على الذكاء الاصطناعي يستطيع توليد عشرة آلاف سيناريو عسكري في 48 ثانية فقط. وأضاف أن نماذج اللغات الكبيرة وسيناريوهات محاكاة القتال أعادت تعريف مستقبل تصميم الحرب.

بالتزامن مع هذا التحديث المتواصل، تعمل الصين على إعادة هيكلة نظام التعليم العسكري وإنشاء أكاديميات لفروع الخدمة الجديدة، في الوقت الذي يبذل فيه جيش التحرير الشعبي جهوداً حثيثة من أجل زيادة وتيرة التحديث. وبحسب وزارة الدفاع الصينية، إن هذه الأكاديميات ستفتح باب القبول للمتقدمين من خريجي المدارس الثانوية، وإن هذه المبادرة جاءت للتكيف مع احتياجات إعادة هيكلة الخدمات العسكرية وتدريب المواهب العسكرية، وستوفر المعاهد الجديدة لفروع الخدمة الجديدة لجيش التحرير الشعبي الصيني قوة دعم المعلومات، وقوة الدعم اللوجستي المشتركة.

المساهمون