الجيش السوداني يُخضع القوات المساندة: منع تكرار تجرية "الدعم السريع"

19 اغسطس 2025   |  آخر تحديث: 04:12 (توقيت القدس)
جنود من الجيش في القضارف شرقي السودان، 14 أغسطس 2025 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تسعى الحكومة السودانية بقيادة الجيش لتعزيز السيطرة الأمنية في المناطق المستعادة مثل الخرطوم، من خلال إخلائها من القوات المساندة ونشر الشرطة لتهيئة الأوضاع لعودة المواطنين والسيطرة على انتشار السلاح.
- أصدر البرهان قرارات بإعادة تشكيل رئاسة هيئة أركان الجيش وترقية ضباط لتعزيز وحدة القرار العسكري، مع تشكيل لجنة لإفراغ العاصمة من القوات المقاتلة ونشر الشرطة لتأمينها.
- تهدف هذه الإجراءات لتوحيد القرار العسكري ومنع الانتهاكات، حيث أكد الخبراء أهمية إخضاع القوات المساندة للجيش لتعزيز وحدة القرار واحتكار الدولة للعنف.

مع استمرار المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، كثّفت الحكومة التي يقودها الجيش تحركاتها للسيطرة على الأوضاع الأمنية والعسكرية في الولايات والمناطق التي استعادتها من قبضة "الدعم السريع"، وعلى رأسها ولاية الخرطوم، التي قرّر الجيش إخلاءها من جميع القوات العسكرية المقاتلة المساندة له، ونشر الشرطة من أجل تهيئة الوضع لعودة المواطنين الفارين من الولاية، والسيطرة على انتشار السّلاح والعصابات المسلحة التي تتحرك وتؤرق السكان، كما تقرر إخضاع كل القوات المساندة للجيش لقانون القوات المسلّحة السودانية. وتأتي القرارات الجديدة وسط تواصل المعارك في إقليم كردفان وسط البلاد، ومدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور التي تحاصرها "الدعم السريع" غرباً.

بالتوازي مع ذلك، أعاد البرهان في قرار أصدره أمس الاثنين تشكيل رئاسة هيئة أركان الجيش، كما قرّر ترقية عدد من الضباط وتعيين آخرين في مواقع جديدة. وفي أبرز ما جاء في القرار تعيين الفريق أول محمد عثمان الحسين رئيساً لهيئة الأركان، والفريق مجدي إبراهيم عثمان نائباً لرئيس هيئة الأركان للإمداد، والفريق خالد عابدين محمد نائباً لرئيس هيئة الأركان للتدريب، والفريق محمد علي أحمد رئيساً لهيئة الاستخبارات العسكرية. كذلك قرّر البرهان تعيين الفريق معتصم عباس مفتشاً عاماً للقوات المسلحة، والفريق علي عجبنا قائداً للقوات الجوية.

استباق تكرار تجربة "الدعم السريع"

وتؤكد هذه القرارات التي تأتي بعد نحو سنتين وأربعة أشهر على بدء الحرب في السودان، سعيَ الجيش لمنع تكرار تجربة "الدعم السريع" التي تمرّدت على القوات المسلّحة السودانية، بعدما بدأت بصفتها مجموعة قبلية مسلّحة خاضت الحروب إلى جانب الجيش ونيابة عنه، قبل أن تتسع أدوارها ويجري تقنين وجودها، وصولاً إلى إخراجها من تبعية الجيش وجعلها قوات مستقلة، وهو ما ظهرت خطورته عقب سقوط نظام عمر البشير، خصوصاً بعدما تحولت إلى منافس للجيش، قبل أن ينفجر في 15 إبريل/نيسان 2023 الصراع بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع التي كانت تمثل إحدى وحداته البرية، ويقودها محمد حمدان دقلو (حميدتي). حينها أعلن البرهان فتح باب التطوّع مع الجيش لقتال "الدعم"، ووجّه الولاة بفتح معسكرات تدريب المتطوعين في الولايات، وانضم عدد من الحركات المسلحة والمجموعات الشعبية. وردّت "الدعم السريع" على الخطوة بالقول إنّ كلّ من يحمل السلاح سيكون هدفاً مشروعاً لقواتها، لكنها ظلّت في الوقت ذاته تدعو من يشاء من سكان المناطق التي تسيطر عليها إلى التطوع لديها لتسليحهم، مبرّرة ذلك بأن الهدف هو أن يحمي هؤلاء مناطقهم.

تقاتل إلى جانب الجيش في حرب السودان اليوم، كيانات متعدّدة، من بينها القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح

وتقاتل إلى جانب الجيش في حرب السودان اليوم، كيانات متعدّدة، من بينها القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح (حركات مسلّحة موقّعة على سلام مع الحكومة في 2020)، ومجموعات أهلية مسلحة مثل القوة الشعبية للدفاع عن النفس (قشن)، وقوات "أرت أرت"، التي تدافع بصورة أساسية عن مدينة الفاشر المحاصرة في ولاية شمال دارفور. إضافة إلى كيانات أخرى مثل مجموعة "غاضبون بلا حدود" (تنظيم ثوري شبابي)، وكتيبة البراء بن مالك (مجموعة عسكرية محسوبة على نظام الرئيس المخلوع عمر البشير)، والمقاومة الشعبية (مواطنون متطوعون)، ولجان المقاومة (تنظيمات شبابية قادت الثورة ضد البشير)، ومجلس الصحوة الثوري (تنظيم أهلي). وفي شرق السودان توجد قوات الأورطة الشرقية، وتحالف أحزاب وحركات شرق السودان، وهي تنظيمات سياسية مسلحة مساندة للجيش، إلى جانب قوات درع السودان التي يقودها اللواء المنشق عن "الدعم السريع" أبو عاقلة كيكل.

وأصدر البرهان، في 17 يوليو/تموز الماضي، قراراً بتشكيل لجنة لتهيئة البيئة لعودة المواطنين إلى الخرطوم، ووجّه اللجنة بإفراغ العاصمة الخرطوم من كل القوات المقاتلة والكيانات المسلّحة بواسطة رئاسة هيئة أركان الجيش خلال أسبوعين من تاريخ القرار، لكن التنفيذ استغرق وقتاً أطول، إذ ما زالت اللجنة تواصل أعمالها لإكمال إخراج التشكيلات العسكرية. وعقدت اللجنة التي يرأسها عضو مجلس السيادة، مساعد قائد الجيش، إبراهيم جابر، عدداً من الاجتماعات حول إفراغ العاصمة من القوات المقاتلة، وشدّد جابر عقب اجتماع عُقد أمس الأول الأحد على ضرورة تنفيذ القرار الصادر بإخراج القوات المقاتلة خارج ولاية الخرطوم لتتولى قوات الشرطة مهمة التأمين وحفظ الأمن، وقال إنّ اللجنة ماضية في تنفيذ مهامها الأمنية المتصلة بنشر الارتكازات وتأمين المعابر، لافتاً إلى أن العاصمة تشهد الآن تقدماً ملحوظاً في ما يخصّ اختفاء الظواهر العسكرية والتفلتات الأمنية.

وأصدر البرهان قراراً، أمس الأول الأحد، بإخضاع جميع القوات الحاملة للسلاح المساندة للجيش في حربه مع "الدعم السريع" لقانون القوات المسلّحة، وقال المتحدث باسم الجيش نبيل عبد الله، في تصريح صحافي، إن القرار يأتي بموجب المادتَين 14 و2/5 من قانون القوات المسلّحة، ومن أجل تأكيد سيادة حكم القانون وإحكاماً للقيادة والسيطرة، وأضاف أن قرار البرهان نصّ على إخضاع جميع القوات المساندة العاملة مع القوات المسلحة وتحمل السلاح لأحكام قانون القوات المسلّحة لسنة 2007 وتعديلاته، ويطبّق على منسوبيها، وأشار إلى أنه بموجب ذلك تكون كل هذه القوات تحت إمرة قادة القوات المسلّحة بمختلف المناطق. وأعلن البرهان أيضاً في قرار منفصل ترقية عدد من ضباطه من دفعات مختلفة للرتبة الأعلى، وإحالة آخرين للتقاعد، لافتاً، حسب القرار، إلى أن هذه الإجراءات تأتي طبقاً لقانون القوات المسلّحة واللوائح المنظمة. وتتعلق المادة 14 من قانون القوات المسلّحة السودانية لعام 2007 بضوابط الاختيار والتأهيل والتعيين والتجنيد، فيما تتعلق المادة 2/5 بتفسير القانون وتعريف قوات الاحتياط والقوات الأخرى المساندة التي يجري تكوينها بموجب القوانين واللوائح العسكرية.

وعقب اندلاع الحرب وتزايد عدد المجموعات شبه العسكرية التي تقاتل إلى جانب الجيش، أثيرت مخاوف من تكرار تجربة مليشيا الدعم السريع، التي بدأت مجموعةً قبلية مسلّحة كانت تعرف باسم "الجنجويد" استخدمها نظام الرئيس المخلوع عمر البشير لمواجهة الحركات المسلّحة التي كانت تقاتل الحكومة في دارفور، قبل أن يجري تقنين وجودها وتحويلها إلى قوات الدعم السريع، رغم سمعتها السيئة وارتكابها المستمر للانتهاكات. وتأسست "الدعم السريع" في العام 2013 ووضع لها البرلمان خلال عهد نظام البشير قانوناً في العام 2017، كما جرى اعتبارها في الوثيقة الدستورية التي حكمت البلاد في العام 2019 قوات نظامية شأنها شأن القوات المسلّحة وقوات الشرطة. وعُدّل في 2019 قانون قوات الدعم السريع وحذفت منه مادة تلغي خضوعها لأحكام القوات المسلّحة، ما جعلها قوات مستقلة عن الجيش لها أحكامها الخاصة، وقد صارت ذات نفوذ سياسي وعسكري واقتصادي، وتضخمت حتى اندلاع الصراع العسكري نتيجة خلافات محورُها دمج هذه القوات في الجيش السوداني.

توحيد القرار العسكري

وتعليقاً على قرارات البرهان، قال الأمين العام للتحالف الوطني الديمقراطي لقوى الثورة (صمود) صديق المهدي، إنّ القرار القاضي بإخضاع القوات المساندة لقيادة القوات المسلحة يمثل خطوة محورية لتعزيز وحدة القرار العسكري وضبط المسؤولية ومنع الانتهاكات، وتوازيها في الأهمية ضرورة تجريد هذه القوات من السلاح في مناطق الأمان، صوناً لأرواح المدنيين، ومنعاً لتحوّل السلاح إلى أداة لتصفية الخصومات الشخصية تحت ذريعة الانتماء إلى مجموعات مساندة. واعتبر المهدي، في تصريح نشره على صفحته في "فيسبوك"، أن استمرار هذه الظاهرة (انتشار السلاح) يمثل خطراً جسيماً على النسيج الاجتماعي ويقوّض فرص استعادة الأمن، لافتاً إلى أن هذه الضوابط والتدابير تظل إجراءات مرحلية مؤقتة، إلى أن يُستكمل مسار الوصول إلى سلام شامل. ورأى أن دلالات هذه الإجراءات تتجاوز حسابات المكسب والخسارة الآنية، إذ تستمد أهميتها من انعكاسها المباشر على المصلحة الوطنية العليا، وما تحمله من أمل للسودانيين الذين أنهكتهم الأزمات المتطاولة وأثقلتهم المعاناة اليومية، لتفتح أمامهم أفقاً أوسع نحو الاستقرار والسلام.

صديق المهدي: قرار إخضاع القوات المساندة لقيادة القوات المسلحة يمثل خطوة محورية لتعزيز وحدة القرار العسكري وضبط المسؤولية ومنع الانتهاكات

من جهته، رأى المحلل السياسي السوداني مجدي عبد القيوم، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن هذا قرار كان ينبغي أن يُتّخذ من وقت باكر، وهو مطلوب وهام، إذ إنه يُوحّد اتّخاذ القرار العسكري في ما يتصل بالمعارك في الحرب التي يشنّها ما أسماه "الاستعمار ووكلاءه المحليين"، لافتاً إلى أن الأهم هو "تمكين القرار للدولة من احتكار العنف كواحدة من أهم اشتراطات الدولة في المفهوم العام"، وأضاف أنه على الجانب الآخر من المهم أن يخضع الفرد بصفته عسكرياً لقانون القوات المسلّحة في حالة أي تجاوز، و"هذا يجعل المواطن أكثر ارتياحاً من حيث الإحساس بالأمان لشعوره أن هناك حكومة حقيقية تبسط هيبتها".

وفي السياق، قال الخبير العسكري اللواء معتصم عبد القادر، لـ"العربي الجديد"، إنّ قرار البرهان بإخضاع القوات المساندة لقانون القوات المسلحة من الناحية العملية كان مطبقاً، ولكن هناك قوات جاءت تحت اتفاقية جوبا للسلام (اتفاقية مع حركات مسلحة في 2020)، وهناك قوات جرى استنفارها خلال الحرب ضمن قانون الاحتياط، مضيفاً أن كل هذه القوات عملياً تتبع للمناطق العسكرية التي تعمل بها حسب الفرق الموجودة في كل منطقة، وعندما تكون هناك عمليات عسكرية فهي تتبع لتعليمات وتحركات القوات المسلّحة. ولفت إلى أنه على الرغم من ذلك برزت الآن الحاجة لأنْ تتموضع هذه القوات بصورة جديدة، خصوصاً بعد التقدّم الكبير للجيش في الجبهات كافّة، الأمر الذي اقتضى أن تكون هناك صيغة قانونية واضحة لمثل هذه الاستنفارات، مشيراً إلى أن بعضاً من القوات الموجودة حسب اتفاقية جوبا لم تستكمل إجراءات دمجها أو تسريحها لهذا جاء القرار ليوفر التغطية القانونية المطلوبة، موضحاً أنه خلال الفترة السابقة كانت كل هذه القوات تعمل وفق قانون الاحتياط ولا توجد إشكالية قانونية والقرار جاء لتأكيد هذه المسألة. من ناحية أخرى، أوضح عبد القادر أنه كان من الضروري إصدار القرار حتى تجري السيطرة على الظواهر الأمنية، خصوصاً بعد انتهاء الحرب في الخرطوم في 26 مارس/آذار الماضي، وأصبح هناك من يحملون السلاح خارج العمليات العسكرية، وبهذا القرار، حسب قوله، تصبح من السهولة ملاحقتهم، لأنه لم يعد هناك مبرّر لأي شخص يحمل سلاحاً خارج الأطر القانونية والأجهزة النظامية.

المساهمون