الجيش الجزائري والانتخابات... ترقب من بعيد للنتائج

الجيش الجزائري والانتخابات... ترقب من بعيد للنتائج

12 يونيو 2021
باتت مشاركة الجيش في عمليات خارجية دستورية (العربي الجديد)
+ الخط -

على الرغم من التأكيدات المستمرة للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ولقيادة المؤسسة العسكرية بانسحاب الجيش الكامل من المشهد السياسي وانشغاله أساساً بمهامه الدستورية في حماية البلاد وتطوير قدراته، إلا أن مثل هذه التأكيدات تحتاج لمزيد من الوقت لتعزيزها كقناعة لدى قطاعات سياسية واسعة. وأبرز تلك المحطات التي يُمكن لها المساهمة في تطبيق تأكيدات تبون، هي الانتخابات النيابية المقررة اليوم، السبت، والتي ينتظر أن تفرز برلماناً جديداً في ظروف مغايرة تماماً، قد تسمح بفتح النقاش حول قضايا تتصل بالجيش وسياسات الدفاع والتسلح مستقبلاً.

بالنسبة للمؤسسة العسكرية التي كان لجهاز المخابرات التابع لها دور بارز في تحديد نتائج الانتخابات سابقاً، إلا أنها لا تبدي تركيزاً كبيراً على مآلات الانتخابات النيابية، مقارنة باهتمامها البالغ بالانتخابات الرئاسية. ويعود ذلك إلى طبيعة النظام السياسي الذي يضع السياسات الدفاعية وقضايا الجيش والأمن بيد رئيس الجمهورية، لكن تحولاً طفيفاً في النص الدستوري، الذي يمنح للأغلبية النيابية حق تشكيل الحكومة وتطبيق برنامجها في حال لم تكن الأغلبية الرئاسية هي الفائزة في الانتخابات، قد يدفع الجيش إلى ترقب النتائج والمآلات، وإمكانية أن تسفر الانتخابات عن خريطة سياسية جديدة وموازين قوى مغايرة لما سبق.


قضايا الفساد التي طاولت الجيش قد تفتح الباب أمام مناقشة موازنته

في السياق، يضع الجيش في حساباته إمكانية كبيرة لأن يشهد البرلمان المقبل طرح عدد من القضايا والملفات المرتبطة به وبموازنته، تحديداً احتمالات أي مشاركة عسكرية في عمليات خارجية، بعد تضمين الدستور الجديد بنداً يسمح بذلك لاعتبارات الأمن القومي. ويعد هذا الموضوع بالغ الحساسية بحسب النقاشات الجارية في البلاد، على خلفية تصريحات أخيرة لتبون كشف فيها أن الجزائر كانت بصدد التدخل في ليبيا لمنع سقوط طرابلس بيد "المرتزقة" (مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر)، وأيضاً على خلفية إعلان فرنسا أخيراً إنهاء عملية "برخان" في شمال مالي، وسحب جزء من قواتها من هناك. وهو ما يطرح تساؤلات حول إمكانية أن تملأ الجزائر الفراغ العسكري الذي يخلفه الانسحاب الفرنسي، خصوصاً أنها طالبت منذ فترة بسحب القوات الأجنبية من هناك. وهنا تبرز أهمية البرلمان الجديد في الجزائر، لأن موافقته بثلثي الأعضاء تُعتبر إجبارية، في حال قرر رئيس الجمهورية إرسال قوات إلى الخارج، وفقاً للدستور الجزائري الجديد. مع العلم أن بعض القوى السياسية البارزة المشاركة في الانتخابات، تعارض بشدة أي مشاركة للجيش الجزائري في عمليات خارج البلاد.

وفي سياق التحولات السياسية الجديدة، تبرز مسألة أخرى بالغة الأهمية في علاقة الجيش بالبرلمان على الصعيد التشريعي، وهي موازنة الجيش، التي لا تطرح في الغالب للنقاش في البرلمان خلال المناقشة السنوية لقانون الموازنة، بسبب حساسية الملف ورغبة الجيش في عدم كشف هذه التفاصيل. وعلى الرغم من وجود إجماع سياسي نسبي في الجزائر بشأن احترام الجيش وإسناد سياسات الدفاع وتعزيز القدرات العسكرية، إلا أن قضايا الفساد التي تورط فيها عدد من كبار العسكريين في الفترة السابقة، دفعت أكثر من مرة للنقاش حول الرقابة على القوات المسلحة وموازناتها في إطار الشفافية في صرف المال العام.


يعتبر مراقبون أن خطابات المرشحين تضمنت غزلاً لقادة الجيش

لكن المحلل السياسي حكيم مسعودي يقلّل من إمكانية أن تشكل نتائج الانتخابات والبرلمان المقبل أي ازعاج للجيش في القضايا المتصلة. ويعتبر في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الجيش مهتم بطبيعة الحال بهذه الانتخابات البرلمانية، من الناحية الشكلية فقط، بحكم أنه واضع خريطة طريق ما تصفه السلطة بالإصلاحات السياسية أو الجزائر الجديدة التي تهدف إلى ترميم واجهة النظام السياسي بالجزائر. وفي المضمون، فإن الجيش غير قلق لكونه يدرك أن الأحزاب والأفراد الذين انخرطوا في خريطة الطريق التي وضعها، لن يحيدوا عن أي توجه يرسمه في السياسات العامة، بما فيها ميزانية الدفاع". وبرأيه، فإن "هذا الوضع يعني أن التجاذبات الحقيقية والتوازنات موجودة خارج اللعبة الانتخابية، لأن التطمينات بهذا الخصوص وردت صراحة في مضمون الخطابات والغزل لقادة الجيش خلال الحملة الانتخابية، سواء من قبل الأحزاب أو القوائم المستقلة".

وبغض النظر عن هذه التحليلات، يؤدي الجيش دوره اللوجستي المواكب للانتخابات، سواء لمساعدة اللجنة المستقلة للانتخابات على نقل المواد الانتخابية والمطبوعات وأوراق التصويت إلى المناطق البعيدة، تحديداً في الجنوب، أو في مسألة تأمين الاقتراع. وتبدي قيادة الجيش اهتماماً لافتاً بهذه الانتخابات على هذا الصعيد، وتعتبرها رهاناً خاصاً بها. وهو ما تفسره المداخلات الأخيرة لقائد أركان الجيش، الفريق السعيد شنقريحة، الذي أعلن خلال لقائه قيادات المنطقة العسكرية الأولى، يوم الإثنين الماضي، عن إسداء القيادة تعليمات مشددة للقيادات الميدانية "بغرض التأمين الكامل للانتخابات والسهر على إفشال أي مخطط أو عمل قد يستهدف التشويش عليها أو التأثير على مجرياتها".