أثارت فعالية سياسية حملت عنوان "المؤتمر الثوري لأهالي حلب الشهباء" عُقدت في ريف إدلب، أمس السبت، جدلاً واسعاً في الشارع السوري المعارض، كونها حملت بصمات "هيئة تحرير الشام" الساعية، كما يبدو، لاستقطاب فعاليات ثورية، لتوسيع نفوذها في ريف حلب الشمالي.
وأكد المؤتمر، الذي عُقد في منطقة "باب الهوى" في ريف إدلب الشمالي، أن "السلاح خيار الثورة الأول لإسقاط النظام"، داعياً إلى مواجهة عمليات "التغيير الديمغرافي الذي تمارسه إيران ومليشياتها في مدينة حلب".
وفوجئ الحضور، المقدر عددهم بالمئات، بحضور أبو محمد الجولاني، زعيم "هيئة تحرير الشام"، حيث قام بعض القائمين على المؤتمر بتقديم "درع تكريمي" له، الأمر الذي أثار موجة انتقاد من رافضي محاولات الجولاني التغلغل في مناطق سيطرة فصائل المعارضة السورية.
وبيّن محمد زلخة، الأمين العام للهيئة العامة الثورية لمدينة حلب، في حديث مع "العربي الجديد"، أن من دعا للمؤتمر هم "شباب من ثوار حلب وإدلب بهدف لمّ شمل جميع ثوار حلب على كلمة واحدة من إدلب حتى جرابلس (شمال شرقي حلب)"، وأكد أنه لم يكن يعلم بحضور الجولاني للمؤتمر، أو أنه تحت رعاية "هيئة تحرير الشام"، مشدداً: "لو كنت أعلم لما حضرت المؤتمر"، وأشار إلى أن "أجندة المؤتمر لم تكن واضحة (..) كان مؤتمراً خطابياً لا أكثر".
من جانبها، أصدرت "الهيئة العامة الثورية لمدينة حلب" بياناً انتقدت فيه حضور أمينها العام للمؤتمر، واعتبرته "خطأً شخصياً يتحمل نتيجته فردياً"، مؤكدة أنها "لا تحضر أي مؤتمر مشبوه تحت وصاية الجولاني".
يساند اتحاد ثوار حلب بيان الهيئة العامة الثورية لمدينة حلب pic.twitter.com/K1A5kG8cP0
— اتحاد ثوار حلب (@UJWVFqrOLteK4TK) May 28, 2023
وفي السياق ذاته، أكد محمد أبو النصر، أحد الناشطين السياسيين الذين حضروا المؤتمر، أن "من دعا للمؤتمر ثوار حلب الأوائل"، مضيفاً "حضره عدد كبير من مختلف الأطياف السياسية في حلب". ودعا في حديث مع "العربي الجديد" إلى "نبذ الخلافات البينية بين السوريين"، مضيفاً "الخطر القادم لن يستثني أحداً".
"استعطاف الحاضنة الشعبية"
ويوضح المؤتمر أن "هيئة تحرير الشام" لا تزال تحاول فرض وصاية كاملة على الشمال السوري الواقع تحت سيطرة فصائل المعارضة السورية، مستغلة تجذّر الشقاق والنزعة الفصائلية التي تحكم ريف حلب الشمالي.
وكانت هذه الخلافات هي الثغرة التي نفذت من خلالها الهيئة أواخر العام الفائت، فسيطرت على منطقة عفرين شمال غربي حلب، وكادت أن تطيح بكل الفصائل في ريف حلب الشمالي لولا التدخل التركي الذي أجبر الهيئة على الخروج من عفرين، إلا أنها، وفق مصادر محلية مطلعة، فرضت نفوذها على المنطقة من خلال فصائل مرتبطة بها، أبرزها فصيلا "فرقة الحمزة" و"سليمان شاه".
وتعليقاً على انعقاد المؤتمر، قال الفاروق أبو بكر، قيادي في فصائل المعارضة السورية في ريف حلب، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "الجولاني بعد فشله في السيطرة على ريف حلب بالقوة حاول شراء بعض الفصائل بالمال والسلاح"، مستدركاً: "لكن هذه الخطوة لم تحقق هدفه".
وتابع أبو بكر: "الجولاني يحاول استعطاف الحاضنة الشعبية والثورية من خلال الدعوة لتوحيد الفصائل، وهو ما يعني -وفق رؤيته- سيطرة هيئته على كل الشمال السوري، وضرب كل فصائل المعارضة السورية".
من جانبه، بيّن الناشط السياسي معتز ناصر، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه لم يكن على دراية بحضور الجولاني للمؤتمر، مستدركاً: "حضوره كان متوقعاً لإظهار حرص الهيئة على فتح صفحة جديدة مع قوى الثورة، ولإرسال رسائل من المؤتمر لحلفاء الهيئة وخصومها".
ويرى الباحث السياسي في مركز "جسور" للدراسات، بسام أبو عدنان، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "هيئة تحرير الشام" تهدف من خلال عقد مؤتمر لأهالي وثوار حلب إلى "استقطاب أكبر عدد منهم بما يساعدها في السيطرة المستقبلية على ريف حلب".
وتابع أبو عدنان: "تريد الهيئة توجيه رسائل للجانب التركي (صاحب النفوذ في شمال سورية) بأن نسبة واسعة من ثوار وأهالي حلب تؤيد الهيئة". ويرى أن "هيئة تحرير الشام" ترى في السيطرة على ريف حلب الشمالي أمراً مصيرياً يجعلها طرفاً في أي تفاوض مستقبلي حول مصير المنطقة".
وتسيطر "هيئة تحرير الشام" على جانب من محافظة إدلب وبعض ريف حلب الغربي، وأجزاء من ريف اللاذقية الشمالي الشرقي، وتفرض قوانينها المتشددة على السكان. ولكن الهيئة تحاول في الآونة الأخيرة نفي صفة التطرف عنها، وتصدير صورة جديدة عن مسلكها، لتكون جزءاً من أي حل في محافظة إدلب.