الجنوب السوري بين خطر الحرب والجوع: أي دعم للمقاومة الشعبية؟

08 ابريل 2025   |  آخر تحديث: 17:31 (توقيت القدس)
دبابات إسرائيلية في منطقة مجدل شمس بمرتفعات الجولان، 15 ديسمبر 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- شهدت بلدة كويا ومدينة نوى بريف درعا الغربي تحولاً في الصراع السوري الإسرائيلي، حيث انتقلت المواجهة إلى مقاومة شعبية غير منظمة تعتمد على السلاح الفردي، في ظل غياب الدولة وتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.

- يعبر سكان الجنوب السوري عن شعورهم بالقهر والظلم المستمر، ويصرون على مقاومة الاحتلال الإسرائيلي رغم الظروف المعيشية الصعبة، معتبرين الدفاع عن الأرض واجباً لا يمكن التخلي عنه.

- يواجه الجيل الشاب تحديات نفسية واجتماعية كبيرة، ويعاني القطاع الزراعي من انهيار، مما يزيد من صعوبة الصمود، ويطالب الأهالي بدعم المقاومة وتأمين الخدمات الأساسية.

فرضت المواجهات المسلحة للاحتلال الإسرائيلي في بلدة كويا في 25 مارس/ آذار، ومدينة نوى في 2 إبريل/ نيسان بريف درعا الغربي، جنوبي سورية، معادلة المقاومة الشعبية في مواجهة التوغل والاحتلال، وهو الجديد الذي لم يكن بحسابات أطراف النزاع في المنطقة، أو كان مستبعداً في الوقت الراهن، بعد شهور من اتباع سياسة التوغل والتمدد الناعم لجيش الاحتلال الإسرائيلي في مدن وبلدات القنيطرة المحاذية للجولان السوري المحتل، وفي بعض مناطق حوض اليرموك في ريف درعا الغربي.

ورسمت هذه المواجهات نقطة تحوّل في نقل الصراع السوري الإسرائيلي من هدنة دامت لأكثر من 50 عاماً مع جيش نظام الأسد المسلح والمنظم إلى مواجهة مع مقاومة شعبية غير منظمة ولا تمتلك سوى السلاح الفردي، في ظل حكومة ونظام ناشئ لا يمتلك من المقدرات سوى التعاطف والتنديد. في هذه الظروف، وبعد 14 عاماً من الثورة والنزاعات المسلحة والانهيار الاقتصادي، وما أسفرت عنه هذه السنوات من هجرة ونزوح ودمار في البنية التحتية والمجتمعية، ما هي استعدادات أهالي الجنوب السوري المعنوية والمادية لمقاومة إسرائيل في غياب الدولة؟ ومن يدفع أهالي الجنوب لاتخاذ موقف المقاومة الشعبية والدفاع أو النكوص؟

يقول سالم العمري، من أهالي محافظة القنيطرة لـ"العربي الجديد": "لم نشعر يوماً بأننا أحرار طوال زمن حكم آل الأسد، ولم يختلف علينا الواقع منذ سقوطه، فما زال من بقي منّا في هذه المنطقة يشعر بالقهر والظلم ويعيش القلق والخوف، ويتوقع كل يوم اعتداء جديداً بالقتل والدمار والتهجير. أما المختلف الوحيد على الأرض فهو شكل المعتدي، وآلية الاعتداء، ومن المؤسف أن نصل إلى مرحلة المقارنة بين سلطة الأسد وسلطة نتنياهو، وبين ممارسات الأجهزة الأمنية السورية سابقاً وبين ممارسات عناصر الاحتلال حالياً، وأكثر ما يُقلقنا هو الشعور بالوحدة في مواجهة عدو مُدمر". ويضيف "إن القادم ما زال مبهماً؛ شعب شبه أعزل في وجه آلة التدمير الإسرائيلية، يفصله عن مواجهات واسعة شرارة وقرار شعبي، ربما بدأت في بلدتي كويا ونوى المجاورتين، ولا يعتقد أن تنتهي قريباً". 

على الجانب الآخر من مدن وريف درعا، هناك جموع من المقاتلين الذين تمرسوا على الحرب والنزاع المسلح ولم يستكينوا أو يستسلموا طوال 14 سنة من عمر الثورة، وأتقنوا قتال الشوارع والاقتحامات والكمائن. ويبدي العديد منهم استعداده لمقارعة الاحتلال 14 سنة أخرى. ويرى محمد الخالد، من أهالي محافظة درعا، أن مقاومة الاحتلال هي شر لا بدّ منه، على الرغم من الظروف المادية والمعيشية الصعبة، ورغم أن أهالي المنطقة لم يتجاوزوا بعد آثار الاستبداد ومخلفاته، وما زال معظمهم يحاولون ترميم أنفسهم واستعادة حياتهم الطبيعية. 

ويؤكد الخالد أن محافظة درعا من المناطق المنكوبة على الصعد كافة، وخاصة في مجالات الصحة والمياه والكهرباء والزراعة، بالإضافة لتردي الوضع المعيشي إلى حدوده الدنيا، ولكن: "هذا لا يعني بأي شكل التخلي عن قطعة أرض مهما صغرت، أو القبول بدوريات وعناصر من الاحتلال في أزقتنا وبين بيوتنا وأراضينا، ولا يعتقد أحد أننا نرضى بأي تقارب مع عدونا التاريخي". 

ولا يختلف هذا عن موقف أم جميل، التي فقدت اثنين من أبنائها في سنوات الثورة، ولكنها تتساءل في حديثها لـ"العربي الجديد" عن دور الحكومة السورية، مؤكدة أنها لا تطلب منها أكثر من قدراتها، ولكنها ترى في التصدي للتوغلات والمخطط الإسرائيلي أولوية تستدعي استنفار القيادة عالمياً وليس الاستنكار والشجب فقط. وتضيف أم جميل "لقد تعودنا على التضحية، وربما هذه المرة الأولى التي نلقى فيها هذا التعاطف والتعاضد الشعبي من كافة مكونات الشعب السوري، وهذا ما يزيدنا إصراراً على التضحية والتصدي للعدوان، والأهم أن هناك شارعاً سورياً نتكئ عليه في كل الظروف". وتشير أم جميل، التي طلبت عدم ذكر اسمها، إلى واجبات الحكومة والإدارة في دمشق لدعم هذا الصمود بتأمين الخدمات الأساسية، وفي مقدمتها الخدمات الصحية والمعيشية.

في الجانب الآخر، هناك جيل من الشباب عاش وترعرع في زمن الثورة وعايش الحرب والاقتتال والنزاعات والخوف والفقد، وكان قد استبشر خيراً عند سقوط نظام الأسد، متطلعاً إلى مرحلة من السلم والأمان، بعيداً عن أصوات المدافع والرصاص. ويرى الشاب ملهم العاسمي، في حديثه لـ"العربي الجديد" أنهم لم ينتهوا بعد من آثار الحرب، وربما يحتاجون إلى زمن طويل لتجاوز مخلفات الخوف والقلق اللذين عششا داخل كل فرد. وتابع "لن أكون مخطئاً إذا قلت إن معظم شبابنا يعيش حالة من اليأس والاكتئاب ويتناول الكثير من العقاقير المهدئة، ولا يشعر بالأمان، ويسعى كل شاب للسفر والهجرة. كما أننا نشعر بالاشمئزاز من الأخبار المتداولة ومن وسائل التواصل الاجتماعي ومن كميات السُم والتحريض والعبث بالعقول التي نتلقفها وتسكن فينا دون أن ندري".

ويضيف العاسمي "نحن جيلٌ منكوب معنوياً ومادياً وتعليمياً، ونتطلع إلى وطن معافى نشعر فيه بالحرية والأمان، ويبدو أن هذا الطموح بات صعب المنال". ويقارن المزارع نبيل الغزاوي بين ظروف السنوات السابقة والظروف التي يعيشها المزارعون الآن في مناطق الجنوب السوري، مؤكداً أن انهياراً كبيراً طاول القطاع الزراعي هذا الموسم، نتيجة انحسار كميات الأمطار إلى أدنى معدلاتها وتراجع كميات المياه في الآبار والسدود بالإضافة إلى ضعف مقومات الأعمال الزراعية، من وقود للآلات وبذار وأسمدة وغيرها. وأكد الغزاوي أن الزراعة والإنتاج الزراعي هما العائد الأول والأهم لسكان الجنوب ولا يمكن الاتكاء عليهما للصمود في المقاومة إذا لم تقف الحكومة والشعب مع الأهالي في وجه العدوان. 

وأشار الغزاوي إلى محاولات الاحتلال للسيطرة على منابع المياه في الجنوب، وخاصة منطقة حوض اليرموك، معتبراً أن السيطرة على منابع المياه هي الجزء الأهم في عدوانها. وطالب الحكومة باتخاذ مواقف أكثر مسؤولية تجاه المنطقة، والاستعانة بالدول العربية والعالم من أجل الوصول إلى اتفاقات توقف العدوان وتحافظ على حياة المواطن، فيما ناشد عدد من الناشطين في المحافظتين السكان بعدم المغامرة واتباع أساليب المقاومة التقليدية، لأنها بكل بساطة بطولات معنوية خاسرة، مطالبين من يدعو إلى المقاومة بأن تكون هذه الدعوات عقلانية وبعيدة عن المزاودة، التي تودي بحياة الشباب والفقراء، وطالبوا بالعمل الجدي على تقوية أسس الدولة وإنشاء جيش قوي يحرس الحدود.

المساهمون