استمع إلى الملخص
- الجزائر تسعى للحفاظ على علاقاتها مع الولايات المتحدة من خلال تعزيز التعاون السياسي والاقتصادي وتكثيف التشاور في القضايا المشتركة، مع إظهار استعدادها للتعاون عبر لقاءات دبلوماسية وزيارات متبادلة.
- ملف اعتراف ترامب بمغربية الصحراء يبقى نقطة حساسة، لكن الجزائر تسعى لتجاوز الخلاف والتركيز على فرص التعاون الاقتصادي والاستراتيجي، مستفيدة من موقعها الجغرافي ودورها في استقرار المنطقة.
لم يكن إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب تعيين رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، ماركو روبيو، وزيراً للخارجية، خبراً سعيداً للجزائر، على خلفية مواقف سابقة للرجل حيال الجزائر، بسبب مواقفها وعلاقاتها مع موسكو، لكن تقديرات سياسية جزائرية تعتبر أن موقف روبيو في موقعه التشريعي، ليس نفسه بصفة وزير للخارجية.
في أغسطس/آب 2022، وجه روبيو رسالة إلى وزير الخارجية آنذاك أنتوني بلينكن اعتبر فيها أن "المشتريات الدفاعية الجارية بين الجزائر وروسيا تصب في صالح تدفق الأموال إلى روسيا لتمكين آلة الحرب الروسية في أوكرانيا"، وذلك على خلفية صفقات أسلحة بلغت قيمتها الإجمالية أكثر من سبعة مليارات دولار.
لكن لا يعرف ما إذا كان هذا الموقف الذي جاء في سياق مختلف، سيلعب دوراً أساسياً في صياغة توجهات وزير الخارجية الأميركي الجديد إزاء العلاقة مع الجزائر، خاصة أن الأخيرة ترتبط بعلاقات تعاون سياسي وعسكري وتنسيق أمني لافت مع الولايات المتحدة في قضايا محاربة الإرهاب، وهو ما يفسر توافد المسؤولين السياسيين الأميركيين إلى الجزائر، إذ زار بلينكن البلد مرتين، كما أوفد عدداً من مساعديه في مناسبات كثيرة، إضافة إلى زيارات لقادة عسكريين أميركيين.
وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر توفيق بوقاعدة لـ"العربي الجديد"، إن تعيين روبيو وزيراً للخارجية يثير الكثير من الجلبة حول التوجهات والآليات التي ستنتهجها إدارة ترامب في علاقاتها مع بعض الدول التي لهذا الوزير مواقف سلبية منها في السابق ومنها الجزائر، لكن في تقديري أن مواقف روبيو السابقة لا يمكن سحبها على واقع وظيفته الحالية، لأنه ملتزم بالتوجهات الكبرى للسياسة الخارجية الأميركية، وبطبيعة التحديات المفروضة على ترامب في عهدته الثانية وبشبكة المصالح واللوبيات التي لها دور في سياسات هذه القوة الكبرى اتجاه الدول".
ورجح بوقاعدة عدم حدوث تحول كبير في العلاقات الجزائرية الأميركية في الفترة القادمة "على الرغم من التحديات التي تفرضها توجهات ترامب في قضايا قد تؤثر على مصالح الجزائر ومواقفها اتجاه قضايا بعينها"، مشدداً على أنه يتعين "على صانع القرار في الجزائر تدبر آليات دبلوماسية وتحالفات إقليمية تضمن استمرار هذه المصالح وتحيد الآثار السلبية للتوجهات الأميركية في مناطق الاهتمام الاستراتيجي والأمني".
وكان من اللافت، محاولة الجزائر إرسال رسائل سياسية إيجابية إلى وزير الخارجية الأميركي الجديد، مع قرب وصول نائب المساعد السابق لوزير الخارجية المكلف بشمال أفريقيا جوشو هاريس إلى الجزائر بعد تعيينه سفيراً لواشنطن، حيث التقى رئيس الحكومة الجزائرية نذير العرباوي، الثلاثاء الماضي، السفيرة الأميركية بالجزائر إليزابيث مور أوبين، وأكد الرغبة في استمرار التعاون لتعزيز الشراكة السياسية والاقتصادية الجزائرية الأميركية في شتى المجالات، وتوسيعها بما يلبي المصالح المشتركة للبلدين، وتكثيف التشاور في مواجهة "التحديات المشتركة والدفع بأجندة السلم والتنسيق داخل مجلس الأمن".
اعتراف ترامب بمغربية الصحراء
يبقى ملف واحد حساس في ما يخص الجزائر في العلاقة مع إدارة ترامب، وهو اعتراف ترامب السابق بمغربية الصحراء في ديسمبر/كانون الأول 2020، غير أن سفير الجزائر لدى الولايات المتحدة صبري بوقادوم، (شغل منصب وزير خارجية قبل يونيو/حزيران 2021)، كان أكد قبل أزيد من أسبوع في حوار لصحيفة ناشيونال جورنال الأميركية، أن الجزائر "تتطلع لتجاوز نقطة الخلاف مع ترامب في ولايته الأولى"، وقال إن بلاده تأمل في العمل مع الإدارة الجديدة وستحاول "التأكد من أنها مهتمة بالأمور التي تحدث في الجزائر. الجزائر أكبر دولة في أفريقيا، ولدينا موقف استراتيجي في ما يتعلق بقطاع الطاقة بالنسبة لأوروبا والولايات المتحدة، وهذه فرصة، لذا آمل أن تنظر الإدارة الجديدة في هذا الاتجاه".
وفي هذا الشأن، يعتقد المحلل السياسي خليف عابد في حديث لـ"العربي الجديد" أن "هذه الرسائل الجزائرية المكثفة اتجاه واشنطن، تحاول لفت انتباه السيد الجديد للبيت الأبيض إلى فرص اقتصادية للشراكة، وإلى دور جزائري فاعل في المنطقة لصناعة الاستقرار وحل الأزمات"، مضيفاً "يمكن إدراج الفعالية الإعلامية التي بثتها مجموع قنوات التلفزيون الجزائري الرسمي (سبع قنوات) وغير الرسمي، الليلة الماضية، تزامناً مع تنصيب ترامب، والمتعلقة بوثائقي مثير يسلط الضوء على الوساطة الجزائرية لحل أزمة الرهائن في طهران في 20 يناير/كانون أول 1981، ضمن ذات السياق لتوجيه رسالة سياسية وتذكير المجتمع السياسي والدبلوماسي الأميركي بإسهام جزائري كبير في حل واحدة من أعقد الأزمات، وكذلك إعادة تأكيد ما قاله الرئيس عبد المجيد تبون الأحد الماضي أمام مجتمع صناعة السينما، من أن الجزائر بلد السلم وحل التوترات بالطرق السلمية، وليس طرفاً في خلق الأزمات أو التوترات".