الجزائر وفرنسا... نصف تسوية للأزمة

الجزائر وفرنسا... نصف تسوية للأزمة

08 يناير 2022
خلال تظاهرة للجالية الجزائرية في باريس، أكتوبر الماضي (سام تارلينغ/Getty)
+ الخط -

في اليوم الذي كان فيه السفير الجزائري محمد عنتر داود يعود إلى منصبه في باريس، بعد قرار الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إنهاء حالة الاستدعاء للتشاور، في أعقاب الأزمة السياسية مع فرنسا، والتي اندلعت بسبب تصريحات للرئيس إيمانويل ماكرون حول التاريخ الجزائري، كان وزير المجاهدين (قدماء المحاربين)، العيد ربيقة، يوجه أول من أمس الخميس اتهامات في البرلمان الجزائري، لفرنسا بالتعنت في المفاوضات التي تخص ملفات الذاكرة، والتهرّب من المسؤولية السياسية للدولة الفرنسية.

في موازاة ذلك، لم تعلن السلطات الجزائرية عن السماح مجدداً للطائرات العسكرية الفرنسية بعبور الأجواء الجزائرية، بعد قرار منعها من ذلك، الذي اتخذ في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تزامناً مع استدعاء سفيرها من باريس.

ويأتي عدم صدور هذا القرار، على الرغم من اجتماع مجلس الأمن القومي الجزائري قبل يومين، ما يؤشر إلى قيام الجزائر بنصف خطوة فقط إزاء حل الأزمة مع فرنسا.

لم تعلن الجزائر عن السماح مجدداً للطائرات العسكرية الفرنسية بعبور أجوائها

ملفات الذاكرة بين الجزائر وفرنسا 

ويعطي تزامن عودة السفير بعد ثلاثة أشهر من استدعائه، مع اتهامات الحكومة لباريس بالتهرب من معالجة ملفات الذاكرة، صورة واضحة عن أن العنوان الأبرز للأزمة السياسية بين البلدين (ملفات الذاكرة والتاريخ) لا يزال قائماً.

ويمكن أن يعيد ذلك العلاقات مجدداً وفي أي وقت إلى نقطة الصدام السياسي، ما لم تحدث تطورات سياسية على مستوى أعلى يمكن أن تحول دون ذلك، خصوصاً أنّ الأزمة الدبلوماسية الأخيرة سبقتها بأشهر أزمة وخلافات سياسية أدت إلى إلغاء زيارة لرئيس الحكومة الفرنسية جان كاستكس إلى الجزائر في إبريل/ نيسان الماضي.

كذلك تم إلغاء اجتماع اللجنة العسكرية المشتركة والذي كان مقرراً في يونيو/ حزيران الماضي، قبل أن تُفيض تصريحات ماكرون في 30 سبتمبر/ أيلول الماضي، والتي قال فيها إن "الجزائر لم تكن أمة قبل الاستعمار، وإن تبون عالق في نظام عسكري"، كأس الأزمة، وتقرر الجزائر استدعاء سفيرها من باريس في الثاني من أكتوبر الماضي.

 

عودة السفير الجزائري إلى باريس

وثمن وزير الخارجية الفرنسي جون إيف لودريان، أمس الجمعة، قرار إعادة السفير الجزائري إلى منصبه في باريس.

وقال لورديان في تصريحات إعلامية لمحطة "بي أف أم" المحلية الفرنسية "هذا أمر جيد أن يعود السفير الجزائري إلى باريس، وهذا سيتيح استمرار العمل المشترك بين البلدين".

وأقر لودريان بأن الأزمة الأخيرة كانت "حادة ومؤثرة على البلدين"، موضحاً "لقد واجهنا في الفترة الأخيرة بعض سوء التفاهم مع الجزائريين، هناك دائماً صعوبات من وقت لآخر، لكننا تمكنا من حلها، وهذا أمر إيجابي للغاية".

وبرأي مراقبين، فإن عودة السفير الجزائري هي جزء من مشهد يتسم بعلاقات دائمة التوتر والشد والجذب بين البلدين، وهذه العودة لا يمكن أن تُفهم على أنها تسوية سياسية للأزمة، أو أن لا عودة للتوترات.

لودريان: هناك دائماً صعوبات من وقت لآخر، لكننا تمكنا من حلها وهذا أمر إيجابي للغاية

وفي السياق، قال الكاتب والمحلل السياسي حسن خلاص، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "العلاقات بين الجزائر وفرنسا في أزمة دائمة، وتحكمها جوانب موضوعية وتاريخية لا يمكن لأي جيل سياسي أن يتجاوزها، وتفرض دائماً الحفاظ على الحد الأدنى من العلاقات، مهما كانت طبيعة الحكم في البلدين".

وأضاف "غالباً ما تحدث مناوشات بين الأنظمة في البلدين، وكلما كان هناك تأزم يكون هذا عاملاً صحياً، لأنه يوفر تطوراً مفيداً للعلاقات، ويضع قواعد جديدة للتعامل بين الجزائر وفرنسا".

وبرأيه، فإنّ "مشهد التوتر سيبقى طاغياً على العلاقات بين الجزائر وفرنسا لفترة أطول للاعتبارات التاريخية والسياسية".

وفي مقابل الحديث عن خلافات مستمرة، يمكن الحديث عن تهدئة مستمرة أيضاً، وفقاً للقواعد التي تحكم العلاقات الدولية في الغالب.

إذ كان واضحاً منذ الزيارة الأخيرة التي قام بها لودريان إلى الجزائر في 5 ديسمبر/ كانون الأول الماضي أن باريس ترغب في تخفيف الخلافات في بعدها السياسي على الأقل مع الجزائر، خصوصاً أن هذه الخلافات دفعت الأخيرة لاتخاذ خطوات غير مسبوقة في العلاقة مع فرنسا.

إذ عمدت الجزائر لمنع عبور الطائرات العسكرية الفرنسية للأجواء الجزائرية أثناء مرورها إلى شمالي مالي والنيجر وأفريقيا، وإنهاء عقود عدد من الشركات الفرنسية العاملة في الجزائر. ويعني هذا الأمر أن كلفة الأزمة بالنسبة لباريس كانت أكبر بكثير مما كانت تتوقع.

ضغط الانتخابات الفرنسية على إيمانويل ماكرون

كما تذهب بعض التفسيرات السياسية الأخرى إلى أن قبول فرنسا بالاشتراطات الجزائرية (التي كان تحدث عنها تبون وربط عودة السفير بها وعلى رأسها الاحترام الكامل للدولة الجزائرية وعدم تزييف التاريخ) ظرفي فقط، ومرتبط زمنياً بالضغط الانتخابي القائم على ماكرون.

إذ يتطلع الرئيس الفرنسي الحالي إلى ولاية رئاسية ثانية في الانتخابات التي ستجرى في الثلث الأول من هذا العام.

وقد يكون هذا الضغط الانتخابي قد دفع ماكرون إلى تهدئة الأزمة مع الجزائر، خصوصاً أن الجالية الجزائرية تعدّ الكبرى في فرنسا وتمثّل ثقلاً انتخابياً مهماً، تحديداً إذا ما وُضع ماكرون في مقابل المرشح المتطرف إريك زيمور المعادي للجزائر وللمهاجرين والمسلمين في فرنسا.

حسن خلاص: مشهد التوتر سيبقى طاغياً على العلاقات لاعتبارات تاريخية وسياسية

وفي هذا الإطار، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر، محمد حسان دواجي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "الانتخابات الفرنسية تقترب، والجزائر لا بد لها من دبلوماسية فاعلة في فرنسا لتتابع مثل هذا الحدث المهم، لحفظ المصالح الجزائرية، خصوصاً في ظلّ تصاعد خطاب اليمين المتشدد في فرنسا تجاه المهاجرين، والجزائر على وجه التحديد".

تهدئة فرنسية اتجاه الجزائر

ولفت دواجي إلى أن عودة السفير الجزائري في هذا التوقيت "تعني أن هناك توافقات حدثت بين الطرفين الجزائري والفرنسي، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال التهدئة الإعلامية الفرنسية، ووقف التصريحات المستفزة تجاه الجزائر".

واعتبر أن هذا يأتي "بسبب عدم القدرة في البلدين على استمرار الحالة القائمة في العلاقات، نظراً للملفات التي تربط الدولتين، وتَعطُل الكثير من القضايا".

وأشار دواجي إلى أنه "على المستوى السياسي، هناك قضايا يرتبط الطرفين فيها، لا سيما في ما يخص الأزمات في مالي وليبيا ومنطقة الساحل، ومكافحة الإرهاب وقضايا الهجرة السرية، والتي تتطلب تعاوناً وتنسيقاً كبيراً".

ويضاف إلى ذلك، وفق دواجي "المستوى الاقتصادي، إذ تربط الجزائر وفرنسا علاقات اقتصادية وتجارية تحتاج لتتبع ومراجعة".

ويبدو أن السلطة السياسية في الجزائر قد اكتفت نسبياً بما تعتبره "تحقيق نصر سياسي"، من خلال تغيير طفيف في قواعد التعامل الفرنسي مع القضايا الجزائرية، وإجبار باريس على تقديم التزامات معلنة من قبل لودريان وماكرون نفسه، بشأن الاحترام الكامل للسيادة الجزائرية، وتجنّب التعليق على أي قضايا وأحداث تخص الجزائر، والحد من الحملات الإعلامية ضدها.

وهو ما يعني أن باريس ستكون حذرة بشكل كبير في المرحلة المقبلة عندما يتعلق الأمر بكل ما يخص الجزائر.

عودة السفير لا يمكن أن تُفهم على أنها تسوية سياسية للأزمة

كذلك، فإن زيارة لودريان إلى الجزائر قبل شهر قد تكون حملت ضمانات سياسية للسلطة الجزائرية بتعديل الموقف الفرنسي من القضايا التي تثير حساسية الجزائريين.

كما ترجح بعض الآراء أن تكون عودة السفير قراراً جزائرياً محضاً بمعزل عن الموقف الفرنسي، خصوصاً أنه لا يوجد أي عامل ضغط على الجزائر يفرض عليها إعادة السفير واستئناف الاتصالات السياسية مع باريس في الوقت الحالي.

وتقول هذه الآراء إن القرار قد يكون اتخذ لاعتبارات وضرورات إنسانية تتعلّق بالحاجة إلى وجود السفير لتسيير أمور المقيمين في فرنسا، إضافة إلى أن هذا الشكل من الاحتجاج الدبلوماسي (استدعاء السفير للتشاور) قد استنفد هدفه السياسي؛ داخلياً وخارجياً.

المساهمون