استمع إلى الملخص
- أسباب الأزمة: تتضمن استبعاد اللغة الفرنسية من التعليم لصالح الإنجليزية، وتحييد الشركات الفرنسية من السوق الجزائرية، مما يضر بالمصالح الاقتصادية الفرنسية.
- العداء التاريخي: إعادة الجزائر لمقطع في نشيدها الوطني يعيد النقاش حول الإرث الاستعماري، مما يزيد التباعد بين البلدين ويكشف عن كارتل مسؤولين جزائريين مستفيدين من الامتيازات الفرنسية.
الأزمة الجزائرية الفرنسية بدأت تتجاوز الحدود المألوفة في التوترات السياسية السابقة بين البلدين. وبقدر ما تبدي الحكومة الفرنسية صرامة وحزماً في تنفيذ قرارات موجهة ضد المصالح الجزائرية، بقدر ما تتصلب الجزائر في موقفها وترفض التعاون مع باريس على النحو الذي تريده هذه الأخيرة.
في الواقع، ظلت هذه الأزمة بحاجة إلى إعادة ترتيب لفهم دوافعها ومحركاتها خارج النقاشات السياسية المشحونة والإعلامية المحمومة، لأنه ليس واضحاً ما إذا كانت فحسب قضية الكاتب بوعلام صنصال، أو قضية ترحيل عدد من المؤثرين والمهاجرين إلى الجزائر، يمكن أن تكون مبرراً كافياً لأن تغامر فرنسا بعلاقاتها الحيوية مع الجزائر إلى هذا الحد، أو العكس بالنسبة إلى الجزائر التي تغامر بمصالح ستة ملايين من مواطنيها في فرنسا.
وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو كان صريحاً بما فيه الكفاية للمساعدة على فهم القضايا الأكثر دفعاً وتأثيراً في الأزمة، وبصورة تظهر أن القضايا السالفة هامشية، أو جزء من حاجيات تسيير إداري وإعلامي للأزمة ليس أكثر. يذكر الوزير الفرنسي ثلاث قضايا رئيسية كانت السبب الرئيس للأزمة، تأتي المسألة الثقافية المرتبطة باستبعاد الجزائر التدريجي للغة الفرنسية من التعليم لصالح اللغة الإنكليزية على رأس أسباب الأزمة، وهذا يعطي في السياق السياسي مؤشراً مهماً إلى إحدى أبرز نقاط الارتكاز التي ظلت فرنسا تعتمد عليها في الحفاظ على مصالحها الثقافية والسياسية والاقتصادية لعقود في الجزائر. يأتي بعد ذلك الدافع الاقتصادي المرتبط بتحييد الجزائر للشركات الفرنسية من السوق الجزائرية ضمن خياراتها الاقتصادية الجديدة، وتوجهاتها نحو شراكات مع دول غير فرنسا. وسواء كان هذا التحييد بدافع سياسي أو بمنطق النجاعة، فإن باريس التي ظلت تعتبر الجزائر سوقها الرئيس، وتعد نفسها مفتاح السوق الجزائرية ومغلاقها، تشعر بأن هذه الخسارة مكلفة ومؤلمة اقتصادياً ومالياً (بعض المشاريع الجزائرية كانت قد أنقذت شركات فرنسية من الإفلاس، مثل شركة الستوم لتوليد الكهرباء للقطارات)، وخاصة أنه سيعيد الجزائر إلى خط تحرر اقتصادي كانت قد بدأته في سبعينيات القرن الماضي قبل أن يتعطل بعد وفاة الرئيس هواري بومدين.
في المقام الثالث يتحدث الوزير الفرنسي عن عودة العداء التاريخي والقومي في الجزائر تجاه فرنسا، عبر عنه بإعادة الجزائر مقطعاً في النشيد الوطني (يا فرنسا قد مضى وقت العتاب)، وهذا مدخل ترى فيه باريس بالضرورة أنه سيعيد إحياء النقاشات حول الإرث الاستعماري على نحو غير مسبوق، وسيساهم في مزيد من التباعد مع مصالحها في الجزائر.
غالباً ما تكون واجهة الأزمات السياسية غير تلك التي في خلفيتها الحقيقية. وفهم ما في الخلفية يساعد ليس فحسب في فهم الأزمة وأبعادها، ولكن أيضاً بإيجاد تفسيرات أعمق للمواقف والخيارات، وإذا كانت هذه الأزمة قد سمحت للجزائريين بإعادة اكتشاف السلطة في علاقتها بالقضايا السيادية وتأهيل موقفهم الداعم لها في ذلك، فإنها كشفت في المقابل عن كارتل من المسؤولين الجزائريين الذين كانوا يستفيدون من الامتيازات الفرنسية في السابق، والتي لا تمنح دون مقابل. وهذه الأزمة بكل الأحوال فرصة لتفكيك هذا الكارتل ومراجعة وضعه في علاقة بالقضية الوطنية.