الجزائر وتونس... التصريح والمعنى

01 يونيو 2022
تصريح تبون هو خلاصة استنتاجاته السياسية (أنطونيو ماسييلو/Getty)
+ الخط -

قال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، قبل أيام، خلال زيارته إلى روما، إن الجزائر مستعدة لمساعدة تونس في الخروج من "المأزق"، والعودة إلى "الطريق الديمقراطي". وبقدر ما أثار هذا التصريح نقاشاً في الجزائر حول عوامل تغيّر الموقف الجزائري من خيارات الرئيس التونسي قيس سعيّد، أثار بالقدر نفسه ردود فعل لدى الطبقة السياسية والنخب في تونس، حول ما إذا كانت الجزائر في موقع ديمقراطي ملائم، يسمح لها بمساعدة تونس على الهداية نحو الطريق الديمقراطي.

والحقيقة أنه ليس للجزائر فائض من الديمقراطية لتصدره إلى تونس، لكن الردود التي ساقتها بعض النخب التونسية سطحية إلى أبعد حد، وفيها من النرجسية السياسية التي تذهب بالموقف الجزائري المعلن بعيداً عن دوافعه ومؤداه ومعناه.

هذه التفسيرات تغفل العلاقة بالجغرافيا السياسية. والإسقاط الأهم لهذا التصريح، لا يرتبط بالخيارات الداخلية لتونس والتونسيين، لكنه يُقرأ من زاوية أخرى، وهي عمن يدير هذه الخيارات عن بُعد ويوفّر لها المناخات، وفي سياق أي هندسة إقليمية، وضمن أي اصطفافات.

لم تكن خافية على أحد محاولة محور التطبيع بأقطابه الكبرى والمعروفة، رسم هندسة جديدة في المنطقة المغاربية، بعدما استكمل رسمها في الخليج وثبت للتطبيع قدماً في المغرب. وقد حاول هذا المحور أن يجد له موطئ قدم في مالي حتى، وإلا ما الذي يدفع الرياض وأبوظبي لتمويل حملة فرنسية في مالي بخمسة ملايين يورو؟

تونس ضمن الأهداف الرئيسة لهذا المحور، عبر استغلال عوامل الهشاشة الاقتصادية وارتباك المسار السياسي فيها. وهذا المحور يشتغل على تونس منذ عشرية، وقد كانت أولى محاولاته لإسقاط التجربة عام 2013، لكن القوى التونسية بمختلف أطيافها وبدعم كبير من الجزائر، تجاوزت تلك اللحظة الحرجة بنجاح.

تستشعر الجزائر منذ فترة أن هناك خطوطا متوازية في ما يتعلق بهذا المحور، يقترب من جغرافيتها السياسية والأمنية، بما فيها تونس. ولذلك، تقرأ السلطة الجزائرية المعطى التونسي في بعده الاستراتيجي استباقياً، على قاعدة مخرجاته، ومن حيث الأطراف الإقليمية المتدخلة فيه والمستفيدة منه في المدى المتوسط والطويل، وتأثيراته على أمنها الحيوي. وتصريح الرئيس تبون هو خلاصة هذه الاستنتاجات السياسية.

ثمة عقيدة سياسية وعسكرية ثابتة في الجزائر، منذ معاهدة كامب ديفيد، ترتبط بالأمن القومي للبلاد، وهي أن "محور التطبيع يجب ألا يتجاوز بنغازي الليبية"، فما بالك أن يصل إلى طرابلس أو يتمركز في تونس؟ وعندما تتحدث الجزائر عن أن "طرابلس خط أحمر"، فإن ذلك ترجمة واضحة لمقتضيات الأمن القومي الجزائري، والأمر نفسه وبأكثر جدية بالنسبة لتونس.

يمكن ملاحظة أن تصريح الرئيس الجزائري حول تونس ضم في السطر نفسه ليبيا. ثمة قناعة في الجزائر أن منطقة المثلث؛ تونس والجزائر وليبيا، تظل مرتبطة سياسياً وأمنياً واقتصادياً بسبب عوامل كثيرة، وأي تصدع أو انكسارات داخلية في إحدى هذه الدول، ينعكس بشكل مباشر على الدولتين الأخريين. الوقائع والأحداث تؤكد ذلك بوضوح، على الأقل خلال العقد الماضي. وبسبب هذا الترابط الجغرافي، يصبح حديث بلد عن بلد، حرص أخوي يفرضه الواجب ومقتضى حيوي تمليه الجيرة، وهو أبعد بكثير عن معنى التدخل في الشأن الداخلي.

المساهمون