الجزائر... نقاش ضائع

الجزائر... نقاش ضائع

28 أكتوبر 2020
الاستفتاء على الدستور قد يُمثل مكسباً للسلطة (رياض قرامدي/فرانس برس)
+ الخط -

مرة أخرى، ضاعت فرصة ثمينة على الجزائريين لفتح أوسع نقاش سياسي حول الدستور والديمقراطية والخيارات السياسية الكبرى، وطبيعة النظام السياسي المأمول. ضاعت فرصة لوضع القضايا الكبرى في قلب نقاش سياسي حر ومفتوح ومسؤول، يُسهم أيضاً في رسملة الانخراط الشعبي الواسع في الفعل والحقل السياسي الذي أحدثه حراك فبراير/شباط 2019.
الاستفتاء على التعديل الدستوري، قد يُمثل مكسباً للسلطة، لأنه سيوفر لها الأساس الضروري لإطلاق خطة إصلاحات سياسية. لكنه كان فرصة ضائعة بالنسبة للجزائر على مستويين، الأول أنه شكل محطة لاختبار أول لمدى صدقية السلطة في القبول بتعدد الآراء، وفي توفير مساحة للرأي الآخر الذي يُعبر عن مقاربة مخالفة، وفي إشاعة جو من النقاش الديمقراطي والحوار الفكري. كما يشكل امتحاناً في مدى قدرتها على التخلص من الأساليب والممارسات السابقة، ومن الأحزاب ورموز مرحلة "النكبة الماضية"، وإنهاء توظيف المجتمع المدني. بكل المقاييس، السلطة أخفقت في هذا الاختبار، لدرجة أنها خسرت بشكل سريع كتلة من مؤيدي المسار الانتخابي، وطرحت كثيرا من عوامل الشك في جدية مسعى التغيير وصدق إنشاء "مجتمع الحريات".
المستوى الثاني لضياع الفرصة، وهو الأكثر أهمية، أن النقاش السياسي في خضم الدستور -على ضيقه- لم يتوجه إلى القضايا الأساسية المرتبطة بالمسألة الديمقراطية، وتمحور عند بعض القضايا التي أريد لها أن تحتل مساحات النقاش في غضون الحملة الانتخابية، مثل بيان أول نوفمبر/تشرين الثاني (وثيقة إطلاق الثورة)، وترسيم اللغة الأمازيغية، والبعد الديني في الدستور. ومثل هذا النقاش، ناهيك عن أنه خلق حالة من الانقسام الحاد، أخذ الجزائريين بعيداً جداً عن الطموح الديمقراطي، وأعاد بعث مسائل الهوية التي يفترض أنها محسومة بالنسبة للجزائريين.
هناك حالة من الهوس بنقاش الهوية، على الرغم من أن العوامل المحددة لهوية الأرض والإنسان في الجزائر، لا تثبت بدستور ولا تلغى بقرار. لمدة 130 سنة قاومت فرنسا الاستعمارية هوية الجزائري ولم تقتلع ضرساً واحداً منها. والتهافت على إثارة نقاط الخصومة السياسية، أكثر من الهوس بمناقشة المسألة الديمقراطية ومقتضياتها من الحريات الأساسية، مفيد بالنسبة للسلطة المركزية التي تقدم قدراً من الأمان للجميع. ولذلك تخرج وحدها المنتصرة في كل محطة سياسية، حتى في أعقد الظروف وأضعفها.
أظهرت هذه النقاشات أن مشكلة العلماني في الجزائر تتوقف عند حدود الإسلامي، أكثر منها مع السلطة. كما أن مشكلات الإسلاميين مع التيار العلماني أكثر منها مع السلطة، التي تتدبر مسارات تعيد إليها زمام المبادرة كاملة، وتمكنها من الإمساك بالكامل بكل محطات الإصلاح. وأظهرت النقاشات أيضاً أن جاهزية السلطة للتجدد أكبر بكثير من قوى المعارضة لفرض البديل الديمقراطي.