الجزائر... نحو دبلوماسية المواجهة

الجزائر... نحو دبلوماسية المواجهة

22 يونيو 2022
تبون في إيطاليا، مايو الماضي (ماركو كانتيلي/Getty)
+ الخط -

بينما كانت الجزائر تُمثّل مدرسة بارزة في الدبلوماسية الهادئة والأداء الصامت الناجع، بدأت تأخذ في الوقت الحالي توجهاً جديداً وغير معهود في إدارة علاقاتها الخارجية.

تصريح الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في حوار تلفزيوني قبل شهرين، الذي قال فيه إن "من يهاجمنا سنهاجمه، الند للند مهما كنت، من يمسنا نمس به، مرحلة من يضربنا على الخد الأيمن نعطيه الخد الأيسر قد انتهت"، يفسر ذلك ويمثل عنواناً محدداً جديداً للدبلوماسية الجزائرية.

في التاريخ السياسي للجزائر المستقلة، نادراً ما كانت البلاد في قلب أزمة دبلوماسية مع دولة أو تكتل، بخلاف ذلك كانت نموذجاً مثالياً في الوساطة لحل الأزمات، مستفيدة من ثقل ثوري كبير.

لم يكن في عمر دولة الاستقلال أكثر من 13 عاماً عندما نجحت الدبلوماسية الجزائرية في دفع العراق وإيران إلى توقيع اتفاقية الجزائر (1975)، وفي حل أزمة الرهائن الأميركيين في طهران، وفي إنقاذ وزراء "أوبك" من يد إيليتش راميريز سانشيز "كارلوس" (الملقّب بابن آوى) عام 1975، والإسهام في اتفاق الطائف في لبنان (1989)، وفي اتفاق السلام بين إثيوبيا وإريتريا، ووسيطاً للسلام في مالي، وغيرها من منجزات دبلوماسية كبيرة.

لا تضع الجزائر هذا التاريخ الدبلوماسي المشرف جانباً، لكن من الواضح أن الجزائر بصدد انتقال دبلوماسي لافت، وتغيير جدي في القواعد التي يتأسس عليها الاشتباك، السياسي والاقتصادي والتجاري للجزائر مع شركائها في الإقليم أو خارجه، سلباً أو إيجاباً. وتتجه الجزائر نحو انعطافة كبيرة في الخيارات والأدوات والغايات.

في الخيارات، تحقيق الانتقال من الدبلوماسية الصامتة إلى دبلوماسية المواجهة، والأدوات لجهة استخدام وسائل وأوراق ضغط لم تعتد الجزائر توظيفها في تعاملاتها في السابق، والغايات لجهة إدخال محددات الأمن الحيوي والقومي بمفهومه الواسع، صلب أية علاقة يتم بناؤها.

بغضّ النظر عن النقاش حول دوافع هذا التحول وظرفيته السياسية، وعن علاقة العقل الأمني وتأثيراته في استدعاء هذا العنفوان مع التطورات الراهنة في العالم والإقليم، وفحص مدى سلامته وتطابقه مع الغايات الكبرى والمصالح القصوى للجزائر، وعن كلفته المادية والسياسية في المديين المتوسط والطويل، فان سؤالين أساسيين جديران بالطرح والنقاش بخصوص هذه المسألة بالغة الحيوية.

يتعلق الأول بما إذا كانت الجزائر تملك القدرات المحلية والمقومات المساعدة، على التحول نحو هذا النهج الجديد، خصوصاً أن البيئة التي توجد فيها الجزائر بيئة هشة، بسبب دول الجوار كمالي والنيجر وموريتانيا، ومضطربة بسبب الظروف الداخلية كتونس وليبيا، ومتوترة على صعيد العلاقات مع المغرب، ومتقلبة على صعيد البحر المتوسط، في ظل عالم غير مستقر متضارب في المصالح ومتداخل في الحسابات.

السؤال الثاني وهو أكثر أهمية وحساسية، هو ما إذا كان هذا الانعطاف الكبير والتحول الدبلوماسي للجزائر يأتي ضمن رؤية متبصرة للجغرافيا السياسية، من دون تهور وبناء على قراءة هادئة لإمكانات الداخل ومعطيات الخارج، أخذاً بعين الاعتبار كافة العوامل والاعتبارات الذاتية والموضوعية، من دون ثورية زائدة، وما إذا كان يقع ضمن استشراف عقلاني للمستقبل، وفي حدود تصور مدروس للغايات القصوى واستحقاقات الأمن القومي.

يُطرح في السياق أيضاً مدى مساهمة النخب النقدية في صياغة هذه التصور الذي بات قيد التنفيذ كخيار استراتيجي. ففي السياسة تستدعي الحكمة نفسها في كل الظروف، فيصبح الفرق بين الذكي والحكيم كما في المثل السائر، "الذكي من يحل الأزمات، الحكيم من يمنع وجودها أصلاً".