الجزائر: لهذه الأسباب نتائج استفتاء الدستور "حلال"

الجزائر: لهذه الأسباب نتائج استفتاء الدستور "حلال"

04 نوفمبر 2020
اعتبر البعض أن الجزائر ستُنهي مراحل التزوير السابقة في كل انتخابات مقبلة (العربي الجديد)
+ الخط -

لم تكن نسبة المقاطعة غير المسبوقة لنتائج الاستفتاء الشعبي على الدستور الجزائري الذي جرى يوم الأحد الماضي، وحدها محور النقاش السياسي في الجزائر بعد إعلان النتائج. لكن السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات أعلنت الأرقام كما هي، عبر الإقرار بنسبة مشاركة متدنية بلغت 23.7 في المائة فقط. وهو ما مثّل بالنسبة لقوى سياسية ومحللين تحوّلاً كبيراً يؤشر على نهاية مراحل تزوير الانتخابات، ما يُسهم في استعادة ثقة الناخبين، وكشف الحجم التمثيلي لكل قوة سياسية في البلاد وإعطاء مصداقية للمؤسسات المنتخبة. مع العلم أن خطوة السلطة الوطنية المستقلة ليست الأولى من نوعها، ففي الندوة الصحافية التي عقدها للإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية في 12 ديسمبر/كانون الأول الماضي، قال رئيسها محمد شرفي، وهو وزير عدل سابق، إنه "لم يولد من يستطيع أن يضغط عليّ وعلى سلطة الانتخابات". وبدا تصريحه في حينه بمثابة تأكيد المعلومات التي كانت متداولة عن ضغوط مارسها عليه رئيس الحكومة حينها نور الدين بدوي، لتوجيه الانتخابات ضد المرشح عبد المجيد تبون. لكن أياً من المرشحين لم يطعن في شفافية الانتخابات الرئاسية.


غياب التزوير في الانتخابات يعود أيضاً للدور البارز للحراك الشعبي

هذا الإرث سمح للسلطة الوطنية المستقلة للانتخابات في ضمان نزاهة استفتاء الأحد الماضي، وهو ما دفع شرفي في مؤتمره الصحافي، أول من أمس الاثنين، إلى وصف الدستور الجديد بأنه "حلال". وقال: "في الانتخابات الرئاسية كسبنا رئيساً حلالاً، وفي الاستفتاء كسبنا دستوراً حلالاً"، مضيفاً بأن "التزوير نوع من أنواع الفساد، بل هو أمّ الفساد". وأعلن أن نسبة المشاركة بلغت 23 في المائة، مع تصويت 5.5 ملايين ناخب (من مجموع 24.5 مليون ناخب). صوّت 66.8 في المائة منهم بنعم للدستور، بمجموع 3.3 ملايين ناخب، في مقابل تصويت 33.2 في المائة، يمثلون 1.6 مليون ناخب، ضده. والتقطت الرئاسة الجزائرية اللحظة السياسية، وحاولت في بيانها الذي أعقب الإعلان عن نتائج الاستفتاء، تبشير الجزائريين بالقطيعة النهائية مع مراحل تزوير الانتخابات في السابق. وذكرت الرئاسة في البيان أن "النتائج قد أظهرت أن الاستفتاء كان متميزاً بالشفافية والنزاهة، والنتائج التي أعلنتها السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات تُعدّ تعبيراً حقيقياً وكاملاً عن إرادة الشعب". وأضاف البيان أن الاستفتاء "يبيّن أن رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون كان وفياً لالتزاماته، حتى يتم الشروع أخيراً في المسار الكفيل بالسماح بالتعبير الحر والديمقراطي للشعب الجزائري حول كل ما يخص مصيره". وأشادت الرئاسة الجزائرية بالشفافية والنزاهة التي طبعت الاستفتاء الشعبي، متعهدة بأنه "من هنا فصاعداً وامتدادا لانتخابات 12 ديسمبر 2019، فإن كل انتخابات ستكون بمثابة تعبير عن تطلعات الشعب الجزائري ولما يريده لمستقبله". وتعهّدت أيضاً بـ"منع أي تدخل للحكومة والسلطات الإدارية في تنظيم الانتخابات، بعدما تم تحويل الصلاحيات الكاملة للسلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، وقد كانت النتائج في مستوى تطلعها". وإضافة إلى الرئاسة، يؤكد إقرار الكثير من القوى السياسية، بما فيها تلك التي كانت ضحية للتزوير في الانتخابات السابقة قبل الحراك الشعبي، أو تلك التي كانت تعتبر أن التزوير معضلة حقيقية في البلاد، أن نجاح السلطة الانتخابات هذه المرة، سيكون له أبعاد إيجابية. ورأى رئيس حزب "جيل جديد" (تقدمي)، أحد أبرز معارضي الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، جيلالي سفيان، أن "الدرس الأول الذي استخلصناه هو أنه كانت للسلطة الشجاعة، حتى ولو رغماً عنها لإعطاء الأرقام الصحيحة. والآن نستطيع أن نعطي قراءة جدية في الاستفتاء، إذ إنه من النادر جداً في الجزائر أن نتعامل مع أرقام حقيقية عن الاستفتاء، تعبّر عن واقع نسبة المشاركة، وهذا يعطي للانتخابات مصداقية". وأشار في حديثٍ لـ"العربي الجديد" إلى أن "هذا نجاح كبير ومؤشر على أن النظام السياسي في الجزائر يتجاوب وبصدد تكريس التغيير التدريجي. وسيكون لذلك أثر إيجابي كبير على صعيد استعادة ثقة الناخبين في الانتخابات المقبلة". وكان من المقرر أن تجري الجزائر انتخابات برلمانية في عام 2022، إلا أن نتائج الاستفتاء على الدستور ستتيح الفرصة لإجرائها في وقتٍ أكبر، كما أعلن الرئيس الجزائري أكثر من مرة. يشير هذا التصريح أيضاً إلى أن السلطة السياسية لم تكن تملك خياراً غير كفّ يدها عن الانتخابات وعدم التدخل فيها. وكان يمكن أن تكلفها أية محاولة للتدخل في عمل سلطة الانتخابات أو التلاعب بالنتائج الكثير، في ظل الاحتقان السياسي والرفض الشعبي للاستفتاء، وهو ما تجلى بوضوح من خلال نسبة المقاطعة. كما نتائج الاستفتاء الشعبي على الدستور، يمكن أن تكون في السياق نفسه محطة فارقة، في إحداث تغيير عميق داخل النظام إزاء مسألة الانتخابات وشفافيتها في الجزائر. لكن الامتحان الأكبر للسلطة السياسية وسلطة الانتخابات معاً، سيكون عند إجراء الانتخابات النيابية والمحلية المقبلة، بحكم طبيعة التنافس وحجم الأحزاب والقوائم المشاركة فيها، والتي ستسمح بمعرفة حقيقة السلوك الانتخابي، والحجم الحقيقي لكل قوة سياسية في البلاد. لكن هذه المخرجات غير المسبوقة في الجزائر، لم تكن لتحدث لولا الدور البارز والضغط الذي شكّله الحراك الشعبي على السلطة، خصوصاً أن أي خطأ أو محاولة لتزوير الاستفتاء ونتائجه، كانت ستكلف السلطة كثيرا، وقد تنسف كامل المسار السياسي في البلاد.


النظام السياسي يتجاوب وبصدد تكريس التغيير التدريجي
 

في السياق أبدى أستاذ العلوم السياسية في جامعة سعيدة، مولود ولد الصديق، اعتقاده في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، بأن "الأرقام التي قُدّمت هي لتخفيف الضغط. والذي تغير هو سلوك السلطة بسبب الضغط الشعبي المتواصل، الذي فرض عليها تغيير سلوكها إزاء الانتخابات. لكن من حيث المبدأ، فإن تجربة هيئة الانتخابات حديثة، وتُثمَّن باتجاه الاستقلالية. ومن المهم جداً تشجيع كل ما يمكن لتحقيق الشفافية في الانتخابات المقبلة. لكن في المقابل، يجب أن تحظى بسلطاتها الدستورية كاملة في إدارة مراحل أخرى من الانتخابات، مثل الحملة الانتخابية".