الجزائر... كمين أم تطبيع؟

الجزائر... كمين أم تطبيع؟

03 اغسطس 2022
لا تبدو المؤسسة الجزائرية مقتنعة بالضمانات المغربية بشأن أمنها القومي (فضل سنا/فرانس برس)
+ الخط -

لا بد أن يثير رفض الجزائر التجاوب والتعليق الرسمي حتى، على العرض المغربي لتطبيع العلاقات بين البلدين، والذي حمله الخطاب الأخير للملك محمد الخامس، نقاشاً جدياً حول دواعي هذا الصد الذي تبديه الجزائر. هل لأن العرض المغربي لا يستجيب للحد الأدنى من الاشتراطات الجزائرية الضرورية لبدء عملية تقارب جديدة؟ أم أن القراءة الجزائرية وضعت الخطاب ضمن سياق "كمين دبلوماسي" يستهدف إحراجها سياسياً قبيل انعقاد القمة العربية؟

في خطاب الملك ما يشير إلى أنه يرغب في العمل مع "الرئاسة الجزائرية" حصراً على ملف الأزمة والعلاقات، وحصر الملف بين القصر والرئاسة، ما يعني استبعاد المؤسسات الدبلوماسية والأمنية من الملف. وهذا مؤشر على أن الرباط مقتنعة أن الأجهزة الدبلوماسية والمؤسسات المتدخلة ووسائل الإعلام، زادت من تعقيدات الأزمة.

غير أن هذه القناعة المغربية لا تُترجم في الواقع بالخطوات التي تقتضيها استحقاقات تحويل مجرى الأزمة إلى التقارب، ومن ذلك الحد من مسارات التطبيع مع دولة الاحتلال، والتراجع عن هذا المسار المدمر للمنطقة.

لا تبدو المؤسسة الرسمية في الجزائر مقتنعة بالضمانات المغربية بشأن أمنها القومي، لأن الاتفاقات الأمنية والعسكرية بين الرباط وتل أبيب، تجعل هذه الضمانات هشة بقدر كبير. لذلك ليس من الوارد أن تقبل الجزائر بتطبيع علاقاتها مع المغرب، في ظل التطبيع القائم مع الكيان الصهيوني في الوقت الحالي، لأن أي توافقات جزائرية مغربية لا تتضمن الالتزام بالتراجع عن التطبيع، يضع الجزائر في حالة تطبيع مع التطبيع، بمعنى تطبيع علاقاتها مع المغرب في ظل التطبيع مع الكيان الصهيوني، الذي يمثل عاملاً مركزياً من عوامل الأزمة. وينطوي هذا على قبول الجزائر بالأمر الواقع، بينما الأخيرة على صعيد الموقف والوضع وفي ظروف تعفيها تماماً من ذلك.

صحيح أن التطبيع ليس السبب الأول للأزمة، لكنه تقدّم الآن إلى صدارة الأسباب، إضافة إلى باقي الملفات العالقة. وفي علاقة بملف الهرولة العربية نحو التطبيع، يُطرح السؤال دائماً عن سبب حدة الموقف الجزائري من تطبيع المغرب مع الاحتلال الإسرائيلي، مقارنة بدول عربية أخرى هرولت هي الأخرى نحو التطبيع.

والحقيقة أن حدة الموقف الجزائري مع المغرب في هذا السياق، ترتبط بعامل الجغرافية ضمن محددات الأمن القومي الجزائري، وهي محددات تتأثر بكل ما يحدث في دول الجوار. والموقف الجزائري من تطبيع المغرب، سيكون هو نفسه في حال اختارت أي من دول الجوار هذا الخيار، لأن إيجاد موطئ قدم للكيان الصهيوني قريب من المجال الحيوي للجزائر، يمثل تهديداً صريحاً لأمنها القومي.

في خضم ذلك كله، لا يجب أن يغيب عن الأذهان، أن الجزائر بصدد احتضان قمة عربية بعد ثلاثة أشهر، وأنها تضع العنوان الأبرز لهذه القمة "لمّ الشمل العربي"، بل إن الرئيس عبد المجيد تبون عرض في حواره التلفزيوني الأخير إمكانية قيام الجزائر بكل الوساطات الممكنة لحل الأزمات التي تعيق لمّ الشمل العربي.

هذا الأمر يفرض على الجزائر إيجاد مسلك سياسي يضمن مشاركة المغرب في القمة، وطرح التفسيرات المقنعة للأوساط العربية بشأن رفضها وساطات حل الأزمة، ومبررات صدها لعروض التقارب، وإعلان اشتراطاتها بكل صراحة ووضوح.