الجزائر... فرز مسبق وحيرة كبرى

الجزائر... فرز مسبق وحيرة كبرى

12 مايو 2021
المشاركة بالحراك تهمة لرفض ترشح الناشطين للانتخابات (مصعب رويبي/الأناضول)
+ الخط -

من الصعوبة بمكان فهم المنطق السياسي وتطبيقاته والقواعد التي تحكم سلوك السلطة في الجزائر. فثمة تناقضات كثيرة تجعل المتابع لتطور سلوك المؤسسة الرسمية، سواء كان فاعلاً في المشهد أو مجرد مراقب، في حيرة كبيرة. 

منذ أكثر من سنتين، ظلت السلطة، والمدافعين عن خياراتها من أحزاب الموالاة وشخصيات وإعلاميين، تدعو شباب الحراك إلى الانتظام في أحزاب سياسية أو تنظيمات مدنية، بهدف تجديد الساحة السياسية، بدلاً من الاستمرار في التظاهر في الشارع. قد تبدو الفكرة جيدة نظرياً، والرئيس الجزائري عبد المجيد تبون نفسه قال، في حوار تلفزيوني، إن إنشاء الأحزاب السياسية في الجزائر ممكن بمجرد إيداع تصريح، بناء على نص الدستور الجديد. مجموعات كبيرة من شباب الحراك اقتنعت بهذا الخيار، وأنشأت أحزاباً (14 حتى الآن) أو تنظيمات كشكل من أشكال التنظم لدخول المعترك السياسي. لكن الصدمة الأولى أن السلطة نفسها التي تدعوهم إلى التنظم، رفضت الترخيص لهم جميعاً، من دون تفسيرات.

لا تقف المعضلة هنا، فقد ظلت السلطة تدعو الشباب للانخراط في المسار الانتخابي. جزء من شباب الحراك والناشطين والجامعيين الذين تبنّوا مطالب الحراك، اقتنعوا بإمكانية نقل الحراك من الشارع إلى المؤسسات لتحقيق المطالب والتغيير السياسي. بل إن بعضهم تحول تماماً في الموقف دفاعاً عن خيار تغيير النظام من الداخل. لكن الصدمة كانت بانتظارهم، إذ رُفضت ملفات ترشحهم، استناداً إلى التقارير الأمنية. ليس الرفض هو المعضلة بل ما كُتب في مقررات الرفض: تهمة المشاركة في الحراك وانتقاد سياسات الدولة. نعم، المشاركة في الحراك الشعبي الذي تقول عنه السلطة إنه "مبارك"، أصبحت تهمة كافية لرفض ترشح الناشطين للانتخابات البرلمانية. واستناداً لذلك يمكن رفض ملفات ترشحهم للعمل في مجالات خدمية أو قطاعية ذات صلة بالحكومة، مع أن رئيس الجمهورية يقول إن الحراك الأصيل مبارك، وقائد الجيش والحكومة يقولان إن الحراك مبارك، والدستور ضمّن في ديباجته دسترة للحراك وإشادة بإنقاذه للدولة والجمهورية من الانهيار.

بغض النظر عن نقاش مدى استقلالية لجنة الانتخابات عن تأثير الأجهزة الأمنية في قبول أو رفض ملفات المرشحين، فإنه من الواضح أن السلطة لا تريد حراكاً وحراكيين في البرلمان، ولا تريد برلماناً متحركاً قد يتمرد على خياراتها السياسية في أي لحظة. بمعنى أن السلطة وأجهزة الظل مارست الفرز المسبق، وقامت أيضاً بعملية تطهير سياسي، وانتقائية، على قاعدة الانتماء إلى الحراك الشعبي. والحقيقة أنها كانت تقوم بذلك دائماً، بالتفتيش في النوايا والسرائر والمواقف.

لا يُعرف إلى أين تريد السلطة من شباب الحراك أن يتوجه، عندما تمنعه من حق التنظم، والترشح، والتظاهر. ومن الصعب أن تمارس السياسة في الجزائر مع سلطة تُغيّر قواعد اللعبة كل حين، ولا تثبت على موقف وخيار وتتلاعب بتفسير القوانين. يشبه ذلك تماماً الدخول إلى ملعب كرة قدم على أساس لعب مباراة في كرة القدم، وفي لحظة ما يقرر صاحب الملعب تحويلها إلى مباراة كرة يد. تماماً هذا ما يحدث في الجزائر بعد حراك شعبي تطلع فيه الجزائريون إلى القطيعة مع ممارسات لا تنتج سوى اليأس والاحتقان، ولذلك ما زالت فجوة الثقة كبيرة بين السلطة والشارع، وما زال القطاع الغالب من الجزائريين مقتنعا بأن التغيير يبتعد أكثر من كونه يقترب.

المساهمون