الجزائر: طلب الترخيص المسبق للتظاهرات مقدمة لفضّها؟

الجزائر: طلب الترخيص المسبق للتظاهرات مقدمة لفضّها؟

11 مايو 2021
يرفض الحراك انتخابات يونيو (رياض كرامدي/فرانس برس)
+ الخط -

بعد أسبوعين من إجهاضها تظاهرات الحراك الطالبي، ومنع خروجها، للأسبوع الثاني على التوالي، تبدو السلطات الجزائرية متجهةً نحو منع تظاهرات الحراك الشعبي بكافة أنواعه، بدءاً من يوم الجمعة المقبل، بعدما نشرت بياناً تحذيرياً لمكوّنات الحراك بتحمّل مسؤولية تنظيم أي تظاهرة غير مصرح بها لديها. من جهتها، ردّت مكونات الحراك بإعلانها تحدّي السلطة في الشارع يوم الجمعة المقبل، ورفضها تقديم أي تصريح، معتبرة أن المسألة سياسية ولا تخضع للترتيبات القانونية، لكونها حالة ثورية لا تنتظر ترخيصاً رسمياً، تماماً كما حدث خلال تظاهرات الجزائريين الأولى في 22 فبراير/شباط 2019.

فرضت السلطة ترخيص التظاهر ولائحة بمنظّميه وشعاراتهم

وخطَت وزارة الداخلية الجزائرية خطوة جديدة باتجاه إنهاء كلّ مظاهر الاحتجاج والتظاهر المستمرة منذ 22 فبراير الماضي، تاريخ إعلان مكونات الحراك استئناف التظاهر بعد تعليقه 11 شهراً إثر تفشي وباء كورونا، خصوصاً عشية انطلاق الحملة الدعائية (في 17 مايو/أيار الحالي) للانتخابات البرلمانية المبكرة المقررة في 12 يونيو/حزيران المقبل، وهي الانتخابات التي يرفضها الحراك.

وأعلنت وزارة الداخلية، في بيان، أنه بات "من الضروري طلب الترخيص للمسيرات الأسبوعية، وبضرورة التصريح المسبق لدى المصالح المختصة من طرف المنظمين، بأسماء المسؤولين عن تنظيم المسيرة وساعة بدايتها ونهايتها، وكذا المسار والشعارات المرفوعة وفق ما يتطلبه القانون"، مشيرة إلى أن "عدم الالتزام بهذه الإجراءات يعتبر مخالفة للقانون والدستور، ما ينفي صفة الشرعية عن المسيرة ويوجب التعامل معها على هذا الأساس"، استناداً إلى دستور نوفمبر/تشرين الثاني 2020، الذي كرّس نظرياً حقّ المسيرات بمجرد تصريح لدى السلطات.

ولفتت الداخلية إلى أن "المسيرات الأسبوعية أصبحت تعرف انزلاقات وانحرافات خطيرة، ولا تبالي بما يعانيه المواطن من انزعاج وتهويل ومساس بحريته"، مشيرة إلى أن "تغيير اتجاه المسيرات في كل وقت، بدعوى الحرية في السير في أي اتجاه وعبر أي شارع، يتنافى مع النظام العام وقوانين الجمهورية"، على خلفية تغيير المتظاهرين لخط سير مسيرات يوم الجمعة الماضي، من شارع باستور وساحة أودان والبريد المركزي في العاصمة، إلى اتجاه آخر هو ساحة أول مايو، وشارع محمد بلوزداد الذي تصله التظاهرات للمرة الأولى، ما شكّل ارتباكاً كبيراً لدى قوات الشرطة التي كانت قد انتشرت وفقاً للمسارات السابقة.

ويحمل بيان الداخلية الجزائرية تهديداً واضحاً بفضّ كل تظاهرة غير مصرح بها، عبر استخدام الوسائل الأمنية والشرطة، ما يتيح التعامل الأمني مع التظاهرات على أساس أنها غير شرعية، وكذلك اعتقال المشاركين فيها والداعين إليها وملاحقتهم قضائياً بتهم التجمهر غير المرخص. ويحمل ذلك مخاوف جدية في الأوساط السياسية والمدنية، من احتمال أن يؤدي ذلك إلى تصعيد وتشنج في المواقف، يدفع إلى عزوف أكبر عن المشاركة في الانتخابات البرلمانية، وإلى مزيد من الاحتقان في الشارع، خصوصاً في ظلّ توترات اجتماعية وسلسلة إضرابات عمّالية، بسبب تردي الأوضاع المعيشية والأزمة المالية الخانقة التي تعيشها البلاد، بسبب تراجع عائدات النفط.

وفيما تدعم أحزاب وتنظيمات موالية خيارات السلطة للتعامل مع الحراك المستمر، آخرها طرح رئيس حركة "البناء الوطني" عبد القادر بن قرينة في مؤتمر صحافي عقده في العاصمة الجزائرية شكوكاً حول "التنظيمات التي تقف وراء استمرار التظاهرات، والسعي لاختراقها واستغلالها لتمرير مشاريع سياسية وتعطيل الانتخابات، وفرض مقاربة المرحلة الانتقالية وفكرة المجلس التأسيسي"، فإن مكونات الحراك الشعبي السياسية والائتلافات المدنية، أبدت رفضاً كلياً لتهديدات الداخلية واشتراطاتها.

وقال الناشط البارز في الحراك، نور الدين هدير، لـ"العربي الجديد"، إن "مسألة الحصول على ترخيص أو تصريح أمر لا يتماثل مع الراهن. يمكننا ملاحظة أن تظاهرات فبراير 2019، لم تطلب ترخيصاً من سلطة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، ولو بقيت التظاهرات تنتظر ترخيصاً حينها، لكان بوتفليقة ما زال في الحكم". ورأى أنه "لا يمكن أن تطلب ترخيصاً من سلطة لتتظاهر ضدّها، الحراك يعتبر أن كلّ مخرجات المسار الانتخابي لا تحظى بالشرعية اللازمة، ولذلك يصبح الشعب مصدر الشرعية، خصوصاً إذا كانت التظاهرات بالغة السلمية". واعتبر أنه "من الواضح أن السلطة تبحث عن ذرائع لإنهاء التظاهرات".

ومع صدور البيان الوزاري، تُطرح أسئلة وهواجس حول احتمالات تصعيد السلطات للنهج الأمني، إلى حدّ المنع الكلّي لأي تجمع أو تظاهر، واحتمال أن يفتح ذلك باباً للصدام بين القوى الأمنية والمتظاهرين. ويأتي ذلك على الرغم من أن المتظاهرين، وخلال 116 جمعة من التظاهر منذ 22 فبراير 2019، لم يلجؤوا إلى أي من أشكال العنف أو إثارة الشغب.

رفضت مكونات الحراك والائتلافات المدنية مطالب الداخلية

في ظلّ هذه التطورات، رأى الباحث والأستاذ المحاضر في علم الاجتماع بجامعة سطيف، شرقي الجزائر، نوري إدريس، أن "كل الاحتمالات تبقى مفتوحة، ومحاولة المواجهة حاضرة في كل جمعة، وبيان وزارة الداخلية صدر أصلاً بعدما تحاشى المتظاهرون المرور بالشارع الذي أغلقته وسائل الأمن لتفادي الاحتكاك والمواجهة"، معتبراً أن "الشارع هو من شلّ قدرة السلطة على استخدام القمع". وأضاف إدريس، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "السلطة وجدت نفسها اليوم أسيرة تناقضاتها: فمن جهة هي تقدّم نفسها كاستجابة لمطالب الحراك، ومن جهة أخرى تريد إيقاف هذا الحراك الذي لا يعترف بها بكل الطرق، والتناقض هو أنها لا تستطيع أن تستخدم العنف ضد من تقول إنها جاءت بفضلهم (بحسب الرئيس عبد المجيد تبون)، ولذلك تحاول خلق ذرائع بأن من يسير اليوم ليسوا هم من ساروا في 22 فبراير".

واستغرب إدريس طلب الداخلية من المتظاهرين في الحراك تقديم تصريح وذكر أسماء المسؤولين عن التظاهرات، لافتاً إلى أن "السلطة تعرف جيداً أن مسيرات الحراك ليست حزبية وليس لها قادة أو منظمون". واعتبر أن البيان يضع السلطة في "حالة من الإنكار الذي يدفعها إلى حشد المزيد من الموارد لتسيير هذا الإنكار، وهي موارد تستنزف البلد وتدفعه إلى وضع يصبح فيه الإصلاح أو الإنقاذ مستحيلاً". ومع كل هذه التوقعات، ستتجه الأنظار إلى الشارع الجزائري يوم الجمعة المقبل، لمعرفة ما إذا كانت السلطات ستتوجه لتنفيذ تهديداتها، خصوصاً في العاصمة، أم أنها ستتراجع في ظلّ موجة انتقادات محلية ودولية توجه إليها بممارسة القمع والتضييق على الحرّيات والاعتقالات.