الجزائر... سنوات ما بعد الحراك

26 فبراير 2025
من التظاهرات في الجزائر، 12 ديسمبر 2019 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- شهدت الجزائر حراكًا شعبيًا في 2019 أدى إلى إيقاف ترشح بوتفليقة وكشف فساد الحكم، واستمرت المطالب السياسية رغم توقف التظاهرات في 2020، مما انعكس في العزوف الانتخابي.
- تسعى الجزائر لتعزيز الاقتصاد الوطني عبر التصنيع والإنتاج المحلي وإعادة ترتيب العلاقات الخارجية، لكن غياب النقاش الحر يثير عدم الرضا بين القوى الوطنية.
- تعاني الجزائر من تراجع في الحريات السياسية والنقابية، مع تضييق على التعبير وإغلاق منابر إعلامية، مما يُعتبر إخفاقًا سياسيًا يجب معالجته.

مرّت ست سنوات على الحراك الشعبي الهادر في الجزائر في 22 فبراير/ شباط 2019. ذلك الحراك الذي لم تشهد له الجزائر مثيلاً منذ الاستقلال، سواء في حجم المشاركة التي أظهرت حيوية الشارع، أو السلمية التي رافقته، وفي طبيعة الاستحقاقات والتبعات التي رافقته داخل السلطة والتحولات التي حدثت في الخيارات الداخلية للبلاد. ليس جديداً في الجزائر طرح أسئلة ونقاشات بحكم الظروف والسياقات التي جاء فيها الحراك، عما إذا كانت تلك الانتفاضة حركة شعبية فعلاً، بفعل رفض دفع البلاد إلى متاهات غامضة، (بعد ترشح الرئيس المريض وقتها عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة)، أم أنه مظهر من مظاهر الصراع بين العُصب في الحكم. والحقيقة أن مثل هذه الأسئلة لا تخص الحراك الشعبي وحده، لكنها تشمل عدداً من المحطات السياسية الهامة في التاريخ السياسي للجزائر المستقلة.

غير مهمة الإجابة عن هذا السؤال أو الانشغال به، فانتفاضة أكتوبر/ تشرين الأول 1988 نفسها لا تزال قيد السؤال نفسه، وهو لا يقدم ولا يؤخر ولا يقلل من أهمية الحدث مهما كانت الدوافع والمحركات. ما يهم أن الحراك حقق في لحظته الأولى إنجازاً كبيراً بتوقيف مهزلة الولاية الخامسة للرئيس الراحل، ونقل جزء من منظومة الحكم ورموزها إلى السجن بفعل الفساد ونهب الأموال العامة، وساعد في إحداث رجة كبيرة داخل السلطة وفي العلاقة مع عديد الأطراف. صحيح أن التظاهرات في الشارع توقفت منذ منتصف العام 2020، سواء لظروف التشديد الأمني أو لاعتبارات سياسية، بانحياز قطاع سياسي مهم إلى الخيار الانتخابي، لكن الحراك والمطلبية السياسية بالمسألة الديمقراطية مستمرة. وفي الواقع فإن العزوف الانتخابي اللافت في انتخابات الرئاسة في السابع من سبتمبر/ أيلول الماضي، كانت رسالة شعبية ومظهراً حراكياً يدل على استمرار الرفض الشعبي للواقع الجزائري، هذا الواقع الذي يتناقض بالنسبة لأبسط مواطن مع مقدرات البلاد التي يفترض أن تتيح وضعاً معيشياً مختلفاً عن الراهن الاجتماعي والاقتصادي.

بعد ست سنوات من الحراك، برزت مؤشرات مهمة تخص التوجه نحو تحريك عجلة اقتصاد وطني وتشجيع التصنيع والإنتاج الداخلي، والاعتماد على المقدرات المحلية ووقف التوريد الفوضوي، وإعادة ترتيب علاقات الجزائر على نحو يخدم مصالحها. لكن ذلك ليس مقنعاً بالنسبة للقوى الوطنية طالما يتم في المقابل تحييد النقاش الحر والقراءات النقدية التي يمكن أن تعزز هذا الخيار أو تصحح أدواته، وليس هناك رضى على الواقع السياسي والممارسة النقدية. وعدم الرضى هذا يبرز في كل البيانات والتقديرات السياسية التي تصدرها الأحزاب والشخصيات المستقلة.

ثمة حالة من الانزعاج الظاهر من التضييق على الممارسة السياسية والنقابية وتأميم الشارع والساحات تجاه أي تعبيرات سياسية، حتى ولو كانت تخص دعم القضية الفلسطينية، وإغلاق المنابر الإعلامية التي لم تعد تُعبر عن التنوع السياسي والفكري الحيوي في الجزائر. هذا التراجع اللافت في مسألة الحريات في البلاد، والضغط على كل روح نقدية، سواء كانت منتظمة أو مستقلة، ورهن كل ذلك بالاستحقاقات الأمنية والإقليمية ومتطلبات الأمن القومي، واستبدالها بحالة من الصنمية السياسية والإعلامية للسلطة، أو بداعي أن الأولوية للتنمية وتصحيح الخيارات الاقتصادية، إخفاق سياسي يجب أن يتم تصحيحه وتلافيه بالضرورة، منعاً لتكرار الأخطاء والنتائج والمآلات.

المساهمون