الجزائر... زهو سياسي

الجزائر... زهو سياسي

29 سبتمبر 2021
أثار تصريح تبون بأن "الجزائر قوة ضاربة" جدلاً (Getty)
+ الخط -

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون رد بحدة، في خطابه الأخير، على انتقادات القوى والنخب المعارضة التي ترفض الواقع السياسي والاقتصادي للبلاد، وتنتقد السياسات الاجتماعية الفاشلة للسلطة، قائلاً إن "العالم يعترف بأن الجزائر قوة ضاربة".
الجزائريون، بخلاف الكثير من الشعوب، لا يستسلمون للخطاب الرسمي بسهولة، وهذه حسنة مجتمعية مهمة. والروح النقدية التي يواجهون بها أنفسهم جزء من المكاشفة الضرورية لإصلاح الأوضاع وتصحيح المسارات، ولذلك كان تصريح الرئيس محل جدل في الفضاءات السياسية والشعبية.
فعلاً، كل العالم يعترف للجزائر بعمق إعجاز ثورتها التحريرية ضد الاستعمار (1954-1962)، وبدورها البارز في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي في إسناد حركات التحرر ومناهضة الكولونيالية في أفريقيا وتشيلي والأرجنتين، وبدورها الدبلوماسي الحيوي الذي أسهم في حل أزمات مستعصية، كأزمة الرهائن الأميركيين في طهران، وأزمة اختطاف كارلوس لوزراء "أوبك"، واتفاقية الجزائر بين العراق وإيران، وفي إنهاء الحرب اللبنانية وغيرها. كل ذلك رصيد سياسي يعطي للجزائر عمقاً تاريخياً، لكنه لا يكفي لصناعة المستقبل.
الرصيد الثوري والأهمية السياسية والاقتصادية للجزائر ليست كافية، ولا الموقع الجغرافي الاستراتيجي لتكون "قوة ضاربة"، مع أن الجزائريين يتطلعون لأن تكون بلادهم كذلك، وهي تستحق أولاً وتستطيع ثانياً. لا أحد ينكر أن مكامن القوة متوفرة بكثافة في بلد مثل الجزائر: 2.4 مليون كيلومتر مربع، وسهول وأراضٍ زراعية واسعة، ومخزون من المياه الجوفية يعد من بين الأكبر في العالم، وحقول من النفط والغاز، ومناجم من الذهب والمعادن، ومليون طالب جامعي، وسبعة ملايين تلميذ، وكتلة سكانية غير كثيفة (44 مليون نسمة)، 75 في المائة منها من الشباب، وجيش قوي، وانسجام مجتمعي متوازن.
كان يجب وضع كل هذه العوامل محل توظيف بتدبير ناجح، وفي قلب سياسات ناجحة وحكم رشيد، لأن الميكانيزمات (آليات) التي يقيس بها العالم قوة الدول "الضاربة" لا ترتبط بما تملك من مقدرات. ففي كثير من الأحيان تصبح تلك المقدرات عوامل لصناعة الدولة الفاشلة بدلاً من القوية، وتخلق من الثرية دولة جائعة، والكونغو مثال على ذلك، وهي دولة تحوز على ثلث إنتاج العالم من الألماس لكنها بلد الجوع والحروب، ومثلها مالي التي تنتج اليورانيوم والذهب، لكنها ترفل في الحروب والانقلابات والصراعات الإثنية، فيما حول النفط نيجيريا والجزائر إلى دولتي ريع وفساد.
قوة الدول مرتبطة أساساً بسجلها في مستويات التعليم والبحث العلمي ورفاهية العيش والتنمية المحلية، والصناعة الذاتية للغذاء والدواء والسلاح، ومن ثم القدرة على التأثير في الاقتصاد العالمي، والمنافسة على صناعة المستقبل، والتوازنات في الجوار. وهذه الغايات المركزية والاستحقاقات التاريخية لم تنجزها الجزائر بعد، بل إن تلك المقدرات لا تتناسب مطلقاً مع ترتيبها على لائحة المؤشرات العالمية في مستويات العيش والصحة والبحث العلمي والبطالة والديمقراطية وغيرها. وطالما أن الجزائر ليست بين الاقتصاديات العشرة أو العشرين أو الخمسين الأكبر في العالم، فإن اعتبارها "قوة ضاربة" زهو سياسي و"عنفوان ثوري" بينه وبين الواقع نصف مسافة.

المساهمون