الجزائر ترد على قرار فرنسي وتهدد بالعواقب.. مزيد من التوتر السياسي بين البلدين
استمع إلى الملخص
- أعلنت فرنسا نيتها مراجعة الاتفاقيات الثنائية مع الجزائر بسبب عدم تعاون الجزائر في ملف الهجرة غير النظامية، مع منح مهلة لمراجعة الاتفاقيات وإمكانية إلغائها في حال عدم التوصل إلى حل.
- تأثرت العلاقات الاقتصادية والثقافية بين البلدين، حيث قلصت الجزائر استخدام اللغة الفرنسية وحصص الشركات الفرنسية، وسحبت سفيرها من باريس، مما يعكس تعمق الخلافات.
تتسارع التطورات على صعيد العلاقات الجزائرية الفرنسية، باتجاه مزيد من التصعيد المتبادل في المواقف والقرارات، ونحو قطيعة سياسية ودبلوماسية، على ضوء قرار فرنسي ردت عليه الجزائر باتخاذ قرار يقضي بقطع العلاقات البرلمانية مع باريس، فيما أقرت الحكومة الفرنسية اليوم قراراً جديداً يقضي بتدقيق وزاري بشأن سياسة إصدار التأشيرات من قبل فرنسا للرعايا الجزائريين.
وأعلن مجلس الأمة، الغرفة العليا للبرلمان الجزائري، عن وقف كل أشكال التعامل مع مجلس الشيوخ الفرنسي، وقرر "التعليق الفوري لعلاقاته مع مجلس الشيوخ للجمهورية الفرنسية، بما في ذلك برتوكول التعاون البرلماني الموقع بين المجلسين، في 08 سبتمبر 2015"، في أعقاب زيارة رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي إلى مدينة العيون في منطقة الصحراء المتنازع عليها، والتي وصفها المجلس الجزائري بأنها "انزلاق متواتر وانحراف غاية في الخطورة، يعكس تصاعد اليمين المتطرف الفرنسي وهيمنته على المشهد والقرار السياسي الفرنسي.
واعتبر البرلمان الجزائري أن هذا "تصرف مرفوض وغير مستغرب، يزدري الشرعية الدولية، ويتعارض بشدّة مع قرارات مجلس الأمن الأممي - الذي تشكل بلاده أحد أعضائه الدائمين - المفترض بهم مهام الدفاع عن حقوق الإنسان وحقّ الشعوب المستعمرة في تقرير مصيرها، لا محاولة نسفها وإمحائها وإلغائها والتنكّر لها"، وندّد "بقوة بهذه الزيارة وبمبرراتها وغاياتها، وإذ رفضها رفضاً مطلقاً، فإنه يعتبرها تحدياً سافراً وانحيازاً فاضحاً، بل وتناغماً مع السياسات الاستعمارية ".
من جهتها، أعربت الخارجية الجزائرية عن استغرابها لقرار السلطات الفرنسية تقييد دخول الشخصيات والمسؤولين الجزائريين الحاملين لوثائق سفر خاصة (جوازات سفر دبلوماسية) يفترض أن تسمح لهم بالدخول دون تأشيرة، وفقا للاتفاقات المبرمة بين البلدين. ويأتي ذلك في سياق أزمة سياسية ودبلوماسية حادة بين البلدين تتفاقم منذ يوليو/ تموز الماضي، وهددت الجزائر في أعقاب القرار الجديد بأنه "سيكون له عواقب غير محسوبة على جميع جوانب وأبعاد العلاقات الجزائرية الفرنسية".
وأكدت الخارجية الجزائرية في بيان استغرابها ودهشتها إزاء ما وصفتها بتدابير تقييدية على التنقل والدخول إلى الأراضي الفرنسية، والتي تم اتخاذها في حق الرعايا الجزائريين الحاملين لوثائق سفر خاصة (دبلوماسية) تُعفيهم من إجراءات الحصول على التأشيرة، وفقا "لما تنص عليه أحكام المادة الثامنة من الاتفاق الجزائري الفرنسي المتعلق بالإعفاء المتبادل من التأشيرة لحاملي جوازات السفر الدبلوماسية أو المهمة".
وكانت الخارجية الجزائرية تعلق على تصريحات أدلى بها وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بار، الثلاثاء، وأعلن فيها أن باريس قد تتخذ تدابير عقابية بحق الجزائر، في حال استمرار رفض الجزائر استقبال رعاياها المقيمين بطريقة غير قانونية في فرنسا، وعدم الإفراج عن الكاتب الجزائري الفرنسي بوعلام صنصال، تشمل تقييدات على التنقل والدخول إلى الأراضي الفرنسية قد تم اتخاذها في حق الرعايا الجزائريين الحاملين لوثائق سفر خاصة (يقصد بها جوازات سفر دبلوماسية) تُعفيهم من إجراءات الحصول على التأشيرة. وهو قرار كانت قد دعت إليه شخصيات من اليمين الفرنسي، طالبت حينها بإلغاء اتفاقية تسمح بتنقل الدبلوماسيين وحاملي الجوازات الدبلوماسية منذ عام 2007.
وأكدت الخارجية الجزائرية أن الجانب الفرنسي لم يبلغ السلطات الجزائرية بأي شكل من أشكال القرار وليست على علم بأي تدابير تقييدية من هذا القبيل، باستثناء حالتين تم تسجيلهما في الآونة الأخيرة، حيث كشفت الخارجية أن الجانب الفرنسي رفض قبل أيام تطبيق هذا القرار بحق جزائريين (أحدهما مسؤول سابق في الديوان السابق للرئيس عبد المجيد تبون)، و"قد تأسفت السلطات الفرنسية عن الحالة الأولى، رداً على استفسار الجزائر، ووصفتها بأنها حادث عارض يعود إلى اختلال وظيفي في التسلسل القيادي. كما أن الحالة الثانية التي وقعت مؤخراً لا تزال محل طلب تفسيرات مُماثلة وُجهت إلى السلطات الفرنسية".
ووصفت الخارجية الجزائرية إعلان باريس بأن "هذه الإجراءات التي لم يتم إبلاغ الدولة الجزائرية بها، تمثل حلقة أخرى في سلسلة طويلة من الاستفزازات والتهديدات والمضايقات الموجهة ضد الجزائر". وشددت على أن "هذه التدابير لن يكون لها أي تأثير على بلادنا التي لن ترضخ لها بأي شكل من الأشكال، بل على العكس سترد الجزائر على أي إجراء يضر بمصالحها بتدابير مماثلة وصارمة وفورية".
وحمّلت الجزائر الحكومة الفرنسية مسؤولية التداعيات المباشرة على العلاقات بين البلدين، والانسياق إلى طروحات اليمين الفرنسي، واعتبرت أن "الجزائر صارت على ما يبدو محطّ مشاحنات سياسية فرنسية-فرنسية يُسمح فيها بكل أنواع المناكفات السياسوية القذرة في إطار منافسة يحرض عليها ويوجهها ويأمر بها اليمين المتطرف". وهددت بأن "هذه الحركية التي تستدرج في سياقها، ليس فقط القوى السياسية الفرنسية، بل أيضًا أعضاء الحكومة الفرنسية، سيكون لها عواقب غير محسوبة على جميع جوانب وأبعاد العلاقات الجزائرية الفرنسية".
باريس تعتزم "مراجعة جميع الاتفاقيات" الموقعة مع الجزائر
وفي سياق تطورات الأزمة بين البلدين، أكد رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا بايرو الأربعاء أن "فرنسا ستطلب من الحكومة الجزائرية مراجعة جميع الاتفاقيات الموقعة وطريقة تنفيذها"، وقال بايرو، للصحافيين بعد اجتماع للجنة الوزارية المشتركة المخصصة لمراقبة الهجرة، إنه سيجرى إمهال الجزائر "بين شهر إلى ستة أسابيع" بشأن ذلك، وحذّر من أنه "إذا لم يكن هناك جواب في نهاية المطاف، فلا شك في أنّ إلغاء الاتفاقيات سيكون النتيجة الوحيدة الممكنة"، مؤكداً أن "هذا ليس ما نريده".
وشدد رئيس الحكومة الفرنسية على أنّ باريس لا ترغب في التصعيد مع الجزائر، مضيفاً: "أقول هذا من دون أي رغبة في التصعيد، ومن دون أي رغبة في المزايدة، لكن من مسؤولية الحكومة الفرنسية أن تقول إن رفض إعادة واستقبال (المواطنين الجزائريين) هو انتهاك مباشر لاتفاقياتنا مع السلطات الجزائرية ولن نقبله"، مشيراً إلى أن باريس "ستقدم في الأثناء للحكومة الجزائرية قائمة عاجلة للأشخاص الذين يجب أن يتمكنوا من العودة إلى بلادهم"، على أمل أن تقبل الجزائر استقبالهم.
وترفض الجزائر منذ فترة التعاون مع باريس في ملف الهجرة غير النظامية وقبول ترحيل الرعايا الجزائريين الذين قررت باريس إبعادهم من أراضيها، بما فيهم عدد من المؤثرين والنشطاء الذين تتهمهم باريس بالتحريض على العنف والكراهية، إذا كانت الجزائر قد رفضت استقبال المؤثر بوعلام ديلامين قبل شهر، وأجبرت السلطات الفرنسية على إعادته إلى فرنسا.
وأكد بايرو أن الاتفاقيات المبرمة عام 1968 بين فرنسا والجزائر، المتعلقة بالهجرة وتنقل الرعايا بين البلدين، "لم يتم احترامها، والحكومة الفرنسية لا يمكنها أن تقبل استمرار هذا الوضع"، في إشارة منه إلى رغبة باريس في تعديلها كونها تتضمن بنوداً كانت تمنح امتيازات للرعايا الجزائريين فيما يخص الهجرة والعمل والإقامة والتجميع العائلي، وهي الخطوة التي كان قد وصفها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في حوار لصحيفة فرنسية نشر قبل أسبوعين بأنها عبارة عن "قوقعة فارغة"، بعدما تمت مراجعتها في 1985، 1994 و2001، بحيث أصبحت هذه الاتفاقيات لعام 1968 غير فعالة، وقال إنها "اتفاقيات كانت في الأساس لصالح فرنسا التي كانت بحاجة إلى العمالة. منذ عام 1986، أصبح الجزائريون بحاجة إلى تأشيرات، مما يلغي فعلياً حرية التنقل التي كانت مضمونة في اتفاقيات إيفيان. وبالتالي، تخضع هذه التنقلات إلى قواعد منطقة شنغن".
وأعلن فرانسوا بايرو أنه وقّع، مساء أمس الثلاثاء، طلباً موجهاً إلى المفتشين العامين في الشرطة والشؤون الخارجية، لإجراء "تدقيق وزاري" بشأن سياسة إصدار التأشيرات من قبل القنصليات الفرنسية، (يقصد للرعايا الجزائريين)، بزعم خفضها كوسيلة ضغط على الجزائر، وهو إجراء كانت قد هددت به باريس قبل فترة، وحاولت استخدامه ضد الجزائر في أزمة أكتوبر/ تشرين الأول 2021.
وتفاقم هذه التطورات الأزمة السياسية والدبلوماسية الحادة بين البلدين، والتي كانت قد اندلعت بداية من يناير/كانون الثاني 2023، بعد رفض الرئيس الجزائري زيارة باريس دون تحقيق حزمة مطالب سياسية وتاريخية بالنسبة للجزائر. وتطورت الأزمة لاحقاً مع تقييد استخدام اللغة الفرنسية ودحرجة تعليمها في الجزائر، والتضييق على حصص الشركات والسلع الفرنسية في السوق الجزائرية، وصولا إلى نقطة انعطاف في يوليو/ تموز 2024، بعد إعلان باريس دعم مبادرة المغرب للحكم الذاتي في الصحراء، ما دفع الجزائر إلى سحب سفيرها من باريس وخفض التمثيل الدبلوماسي، قبل أن تطرأ قضية توقيف الجزائر الكاتب بوعلام صنصال الموقوف منذ منتصف شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي في الجزائر، بسبب تصريحات اعتبرت مساسا بالوحدة الوطنية.