الجزائر تراقب بحذر التطورات التونسية: مخاوف من التدخلات الخارجية

الجزائر تراقب بحذر التطورات التونسية: مخاوف من التدخلات الخارجية

06 اغسطس 2021
أجرى تبون اتصالين بسعيّد في 4 أيام (Getty)
+ الخط -

تراقب الجزائر بحذر مآلات التطورات السياسية في تونس، بعد القرارات المثيرة للجدل التي اتخذها الرئيس قيس سعيّد في 25 يوليو/تموز الماضي. وعلى الرغم من التطمينات التي تلقتها الرئاسة الجزائرية من سعيّد، فإن المخاوف السياسية لا تزال قائمة في الجزائر بشأن الوضع في تونس، خصوصاً مع وجود تدخلات إقليمية، تريد الدفع بتونس إلى مرحلة الصدام والمواجهة، بين مؤيدي قرارات 25 يوليو والرافضين لها.

لا يساور الشك السلطة وأطرافا سياسية عديدة في الجزائر، بأن التطورات الحاصلة في تونس دقيقة، وبالغة الحساسية والتأثير على الجزائر، لكون تونس تمثل عمقاً أمنياً وسياسياً بالنسبة للجزائر، إضافة إلى كونها المنفذ البري الوحيد المتبقي للجزائر، في ظل غلق الحدود البرية مع المغرب، والمشاكل الأمنية القائمة على الحدود مع كل من ليبيا والنيجر ومالي. ويفسر القلق الجزائري إجراء الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون اتصالين هاتفيين متتاليين مع سعيّد في غضون أربعة أيام، وقيام وزير الخارجية رمطان لعمامرة بزيارتين متتاليتين إلى تونس في نفس الفترة الزمنية القصيرة.

إدراك السلطة التونسية للقلق الجزائري غير كافٍ

ولا ترغب الجزائر في الإعلان عن موقف رسمي من التطورات الحاصلة في تونس، يُفهم على أنه تأييد لمؤسسة الرئاسة وسعيّد، أو يجير لصالح أطراف فاعلة في المشهد التونسي ترتبط بعلاقات جيدة مع الجزائر. فاللغة التي تعبّر بها الجزائر، سواء عبر تصريحات لعمامرة، أو بيانات الرئاسة التي تتضمن المكالمات الهاتفية بين الرئيسين، تجنّبت تماماً الحديث عن دعم لقرارات سعيّد، والإشارة إليه كطرف رئيس في التطورات الأخيرة، بينما ظلت لغة المواقف الجزائرية تتحدث عن "قدرة الشعب التونسي على اتخاذ ما يراه ضرورياً من إجراءات"، والضرورات الملحّة "للحفاظ على الاستقرار"، و"قدرة التونسيين على تجاوز الأزمة" الحالية، التي لعبت فيها أيضاً عوامل داخلية، وإخفاقات سياسية، واجتماعية، واقتصادية.

ومن اللافت أن الرئاسة التونسية أدركت عمق القلق الجزائري، ليس فقط بشأن نتاج محتمل للتطورات السياسية، ولكن أيضاً، وبأكثر دقة، المخاوف من التأثيرات الأجنبية في توجهات وخيارات القرار السياسي في تونس، وهو ما دفع بالرئيس التونسي إلى إبلاغ نظيره الجزائري، في اتصال هاتفي السبت الماضي، أن تونس تسير في الطريق الصحيح لتكريس الديمقراطية والتعددية، وأنه ستكون هناك قرارات هامة في القريب. وإذا كان سعيّد قد طمأن الرئيس الجزائري بشأن قرب اتخاذه لقرارات تكرس المسار الديمقراطي، ما يعني عدم إنتاج حالة توتر أو إقصاء سياسي، فإن صانع القرار في الجزائر، يبدو بصدد التعاطي الحذر مع التطمينات التونسية، بالنظر إلى وجود معطيات عن تدخلات خارجية، فرنسية وعربية، مؤثرة في القرار التونسي، وبوجود اختراقات لافتة قد تسعى إلى خلق حالة أزمة معقدة في الداخل التونسي يصعب حلها، وتكون لها تأثيرات على الجزائر في الأفق القريب.

ويؤكد دبلوماسيون جزائريون، تحدثت إليهم "العربي الجديد"، أن "إدراك السلطة التونسية للقلق الجزائري غير كافٍ، ولذلك فإن الرسالة التي حملها لعمامرة إلى الرئيس التونسي كانت واضحة، وتتضمن ثلاثة بنود، بأن الجزائر تحترم بشكل بالغ الشؤون الداخلية لتونس، وتثق في تفهم التونسيين للقلق الجزائري، وفي قدرتهم على تجاوز الأزمة، لكن لديها مخاوف جدية بشأن وجود أطراف تدفع نحو التأزيم من جهة، ومن جهة ثانية فإن الجزائر تعتبر نفسها معنية بما يحدث في تونس بحكم الجوار والعلاقات التاريخية والممتازة بين البلدين. وثالثاً التأكيد أنه يجب العمل على تلافي أن تكون هناك أزمة سياسية جديدة في المنطقة، في الوقت الذي تتجه فيه الأزمة الليبية إلى الحل والتسوية".

وتشير المصادر إلى أن المخاوف الجزائرية بشأن تونس، تتأسس على ملاحظة لافتة للاندفاع الكبير لبعض الدول العربية، المعروفة بسعيها للتحكم في جغرافيا المنطقة المغاربية والتأثير في أزمات المنطقة، وهي دول يتباين فيها الموقف الجزائري بفارق كبير إزاء عدد من الأزمات، بما فيها ليبيا، خصوصاً أن مواقف هذه الدول ترتبط بمشاكلها السياسية مع قوى الإسلام السياسي، بينما لا تعتبر الجزائر، وفق آخر التصريحات التي أدلى بها تبون لصحيفة "لوفيغارو" الفرنسية وقناة "الجزيرة"، أخيراً، قوى الإسلام السياسي في تونس عائقاً أمام الاستقرار السياسي.

تعتبر بعض القراءات السياسية في الجزائر أن التدخلات الإقليمية في تونس تستهدف محاصرة الجزائر

وتعليقاً على تصريحات أدلى بها المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، عقب زيارة وزير الخارجية الجزائري ولقائه الرئيس عبد الفتاح السيسي ووزير الخارجية سامح شكري، والتي قال فيها إن الجزائر ومصر اتفقتا على دعم قرارات سعيّد، تقول المصادر "إن هذا التصريح غير دقيق، ولم يأت الوزيران، خلال ندوتهما الصحافية على ذكره، وهي قراءة سياسية غير صحيحة، لكون الجزائر تعتبر أن القرارات المعلنة من قبل سعيّد شأن تونسي يهم الشعب والأطراف التونسية".

وتعتبر بعض القراءات السياسية في الجزائر، أن التدخلات الإقليمية الحاصلة في تونس، تستهدف أيضاً محاصرة الجزائر، خصوصاً مع تعطل مسارات التسوية في ليبيا والانقلابات الحاصلة في مالي والتوترات في النيجر، وهو وضع تجد فيه الجزائر نفسها محاطة بحلقة من الأزمات تلعب فيها القوى الخارجية دوراً مؤثراً.

المساهمون