الجزائر ... تدور كلبنان

الجزائر ... تدور كلبنان

30 ديسمبر 2020
تعبت الأجيال الجزائرية من الانتظار (مصعب رويبي/الأناضول)
+ الخط -

الفنانة ماجدة الرومي طرحت في حفل تأبين جبران تويني سؤالاً له مغزى سياسي: لماذا يتعين على اللبنانيين أن يدفعوا ثمن كل خلاف أو مأزق يحدث بين اثنين في الصين؟ هي لم تكن تقصد الصين كبلد، ولكنها تقصده كبعد. فكان صدى كل حدث، أو خلاف، أو تقارب حتى، يحدث بين السعودية وسورية، أو بين الولايات المتحدة وإيران، يصب بتأثيراته في لبنان.

في لحظة ما يشعر الجزائريون أنهم والحالة اللبنانية سواء، تقودهم البروباغندا السياسية وكثافتها إلى الشعور في كل لحظة أنهم معنيون بكل ما يحدث في نصف الكرة الأرضية. كل حركة وسكون قريبين من الجغرافية السياسية هما من ضمن الاستهدافات الموجهة إلى الجزائر. طبيعة التنشئة السياسية، وتكثيف التحليل التآمري للأحداث والتصريحات في العالم والجوار، مهما كانت قيمتها ومصدرها، عززا بشكل بالغ هذا الشعور في الجزائر، وتولدت عنه حساسية مفرطة، وفي أحيان كثيرة تدفع إلى تحليل سطحي وساذج للأحداث، يعمي عن حقائق أخرى أكثر أهمية ودقة.

في ظل التطبيع المغربي، والتوترات القائمة في مالي وليبيا، ورصد القنوات الأجنبية لتنامي القوة العسكرية الجزائرية، قال رئيس مجلس الأمة الجزائري صالح قوجيل، والذي كان وزيراً للنقل قبل 40 سنة، إنه يتعيّن على الجزائريين الصبر لسنوات أخرى لبناء الجزائر الجديدة، وإن حدود البلاد ملغمة وتواجه تهديدات محتملة. هذا المضمون السياسي نفسه يسمعه الجزائريون من المسؤولين على مر الأجيال، فيما تغير نصف الكرة الأرضية، إذ نشأت دول وألغيت أخرى من الخريطة، لكن الأجيال الجزائرية تعبت من الانتظار الطويل.

لا غنى عن القول إن الإخفاقات السياسية والاقتصادية لمنظومة الحكم المتعاقبة في الجزائر، وعجزها عن إيجاد الحلول للأزمات الاجتماعية، وتمسكها بالسلطة منعاً لأي تأسيس ديمقراطي، لا يبقي لها (منظومة الحكم) خياراً سوى تكثيف هذا النوع من الخطاب التآمري، وتأثيث المشهد بشكل مستمر بكيانات لتسويقه والاستفادة منه لكبح كل رغبة في التغيير. وهي بالتأكيد تملك الأدوات المساعدة على تكريسه دائماً، تماماً مثل النظام السوري، الذي ظل لعقود يهيئ السوريين للمعركة مع العدو المحتل، لكنه لم يطلق رصاصة واحدة.

المشكلة الأساس أن تكثيف هذا السياق السياسي إلى حد التطرف، قاد إلى تطرف مقابل، بحيث صار قطاع من الجزائريين لا يؤمن مطلقاً بوجود مخاطر خارجية (البعض يفهم الاستهداف الخارجي في التدخل العسكري فقط). هنا يمكن طرح سؤال: إذا كان من الظلم دفع الجزائريين إلى الاعتقاد بأن البلد مركز الكون، وأنه يتعرض إلى مؤامرة خارجية، هل من العدل نفي وجود استهداف أو خطط لتحجيم البلد، وتحطيم مقدراته وتقاسمها مع الرأسمالية الدولية؟
في الحقيقة لا يمكن ذلك. كل بلد في هذا العالم، وفقاً لجغرافيته السياسية ومقدراته ودوره التاريخي وحيويته، من الطبيعي أن يدخل في تصورات القوى التي تتقاسم التأثير الدولي، في كيفية السيطرة على تحولاته الداخلية وتوظيفه ورسم حدود ودور له. لكن المهندس الدولي يكون بحاجة دائماً إلى سلطة فاشلة تدور في حلقة مفرغة، ليسهل عليه تحييد القوة أو رسم الدور.