الجزائر... برلمان أم "لجنة مساندة"؟

الجزائر... برلمان أم "لجنة مساندة"؟

23 يونيو 2021
ستخضع نتائج الانتخابات لاختبارات مهمة في الفترة المقبلة (Getty)
+ الخط -

ما ظهر من نتائج الانتخابات النيابية المبكرة في الجزائر هو فقط النتائج التقنية التي تُوزع بموجبها المقاعد على الأحزاب والمستقلين، أما النتائج السياسية، وهي المخرجات الحقيقية لكل انتخابات، فستظهر في غضون أشهر أو سنة على الأكثر.
رفعت السلطة السياسية سقف انتظاراتها من هذه الانتخابات، ووصفتها بمحطة تاريخية ستسمح بتركيز مؤسسة شرعية قوية، ورفعت القوى السياسية المُشارِكة في الاستحقاق، انتخابات 12 يونيو/ حزيران الحالي إلى مستوى استحقاق المنعطف التاريخي. طبيعة الظرف السياسي الذي جاءت فيه الانتخابات، ما بعد الحراك الشعبي، تعطي لهذا الاستحقاق بشكل أو بآخر أهمية ما، لكن كل ذلك مرتبط بالأساس بما سيحصل من متغيّرات في الممارسة النيابية، وفي مستوى أداء البرلمان المقبل، وما إذا ستسمح التوازنات للبرلمان بأن يكون برلماناً بحق، أم مجرد "لجنة مساندة" للرئيس.

ثمة امتحانان في الفترة الأولى على الأقل، يمكن أن تتكشف فيهما طبيعة البرلمان المقبل، وتبرز ملامح أدائه مقارنة بالبرلمانات السابقة التي كانت تهيمن عليها الأغلبية الرئاسية، إذ إنه بعد تشكيل الحكومة خلال أسابيع قليلة، ستقدم الأخيرة برنامج عملها، وقبل نهاية السنة الحالية، ستقدم قانون الموازنة السنوية لعام 2022. الاتجاهات العامة لمناقشة الخطة الحكومية والموازنة، ستعطي للجزائريين فكرة عن البرلمان الجديد، ومستوى الروح النقدية التي يفترض أن تكون أكبر لدى نواب جدد ليس لديهم معوقات سابقة.

ستبرز النتائج السياسية للانتخابات النيابية أكثر مع مرور الوقت، بحيث يصبح الحكم ممكناً على أداء البرلمان والنواب، من حيث استرجاع الصلاحية الأساسية للبرلمان وهي التشريع، لأنه ومنذ انتخابات برلمان عام 1997، وحتى حل البرلمان الماضي، لم يحدث أن بادر البرلمان بمبادرة تشريعية أو مشروع قانون واحد، كل ترسانة القوانين النافذة طرحتها الحكومة، بحيث تحوّل البرلمان إلى علبة بريد وتصديق.

أكثر من ذلك، سيكون ممكناً فحص النتائج السياسية للانتخابات، لمعرفة ما إذا كانت فعلاً تركيزاً لقاعدة تغيير أم مجرد تحايل سياسي على مطلب التغيير الشعبي، وذلك من خلال مدى قدرة البرلمان والنواب الجدد على إعطاء حيوية وتصحيح صورة المؤسسة النيابية، وتكريس استقلاليتها عن الحكومة والسلطة السياسية. وكذلك من خلال ممارسة حق الاعتراض على الخيارات والقرارات الحكومية التي لا تتناسب مع مصلحة البلد والشعب، ومن خلال فرض سلطة الرقابة على عمل الوزراء، واستخدام أدوات الرقابة البرلمانية على الحكومة والمؤسسات التي تقع تحت طائلة المساءلة، ومن خلال المبادرة بلجان التحقيق النيابية بفعالية.

إذا لم تتحقق هذه النتائج أو نسبة منها على أرض الواقع، وإذا لم يلتمس الجزائريون أداءً مغايراً للبرلمان مقارنة بالسابق، وإذا تكررت نفس مشاهد التملّق ومسايرة السلطة في خياراتها، واستعاد النواب الجدد نفس المواقف التي ساهمت في دفع الجزائريين إلى الشارع، عندها يمكن القول بكل وضوح إنّ هذه الانتخابات فاشلة وفرصة ضائعة، وإن الجزائر دخلت مرحلة دوران أخرى في الفراغ.

من السابق لأوانه الحكم على المشهد، لكن المؤشرات الأولى في الواقع لا تطمئن، ولا تبشر بأنّ الجزائر تتوجه نحو برلمان يحوي كتلة نقدية يمكن أن تحدث الفارق السياسي. إطلاق كتل المستقلين ونواب أحزاب الموالاة مبكراً لبيانات المناشدة والولاء للرئيس عبد المجيد تبون، وإحياء نفس القصة السخيفة "دعم برنامج الرئيس"، يوحي بأنّ الأغلبية النيابية تتجه لتحويل البرلمان إلى "لجنة مساندة" كما كان الأمر مع الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.