الجزائر... باريس ضد روما

30 يوليو 2025   |  آخر تحديث: 04:03 (توقيت القدس)
ميلوني وتبون في روما، 23 يوليو 2025 (ماسيمو دي فيتا/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تحول استراتيجي جزائري نحو إيطاليا: زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى إيطاليا لتوقيع اتفاقات اقتصادية أثارت قلق فرنسا، حيث تشعر بالتهميش لصالح إيطاليا، التي تعتبر شريكاً مركزياً للجزائر منذ استقلالها.

- مراجعة العلاقات مع الاتحاد الأوروبي: الجزائر تسعى لمراجعة اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، بهدف استعادة التوازن في العلاقات الاقتصادية والسياسية، وإنهاء الامتيازات الممنوحة سابقاً للاتحاد.

- استقلالية القرار الجزائري: بعد التعافي من الأزمات السابقة، الجزائر تتمتع الآن باستقلالية أكبر في قراراتها السياسية والاقتصادية، مما يتيح لها رفض التدخلات الأوروبية في شؤونها الداخلية.

مذ سافر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى إيطاليا، الأربعاء الماضي، لتوقيع حزمة اتفاقات اقتصادية، لم يهدأ الإعلام والمجتمع السياسي الفرنسي عن مناقشة الزيارة ومخرجاتها. يشعر الفرنسيون أنهم خرجوا تماماً من المجال الاقتصادي في الجزائر على وجه التحديد، لصالح إيطاليا. يرسم الإعلام الفرنسي صورة كأن الرئيس الجزائري ذهب متسللاً إلى روما، ويعكس ذلك خيبة فرنسية وصدمة من تحولات الموقف الجزائري.

في الواقع لم يكتشف الجزائريون إيطاليا لتوّهم، إذ يعود الرهان الجزائري على روما إلى عشية استقلال الجزائر، إذ ساهمت إيطاليا مبكراً في تكوين الكوادر الجزائرية للصناعة النفطية، وساعدت الجزائر في فترة الأزمة الأمنية مادياً. وفي عام 2003 وقعت معاهدة الصداقة والتعاون، ومنذ عام 2021، اتخذت الجزائر قراراً استراتيجياً بالاعتماد على إيطاليا شريكاً مركزياً في الضفة الشمالية للمتوسط، بديلاً لفرنسا. كان ذلك ذكاءً سياسياً لافتاً من صانع القرار الجزائري، يضع روما في موقع متقدم للدفاع عن وضع الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والجزائر.

يفهم الآن لماذا تعرقل باريس منذ فترة اجتماع مجلس الشراكة بين الاتحاد والجزائر (قالت وزارة الخارجية الجزائرية ذلك صراحة)، والمخول له مناقشة مراجعة اتفاق الشراكة لعام 2002، لأن مزيداً من المصالح الفرنسية في الجزائر سيتم تحييدها في الأفق، ذلك أن الجزائر مصرة على مراجعة علاقاتها مع أوروبا، ليس لتوزيع نقاط ارتكاز جديدة على صعيد الشراكات الاقتصادية والسياسية فحسب، ولكن أيضاً بالأساس لاستعادة الحد الضروري من التوازن الذي يضمن مصالحها، وبما ينهي "اتفاقاً ظالماً" عقد في فترة لعبت فيها الظروف الداخلية الصعبة وهشاشة الموقف السياسي والاقتصادي للجزائر، لصالح تغول الاتحاد الأوروبي وحصوله على حزمة امتيازات اقتصادية وتجارية وسياسية. ويعني هذا سياسياً أن الجزائر طوت نهائياً صفحة الأزمة الأمنية والسياسية التي شهدتها في التسعينيات، على الصعيد الخارجي، لجهة معالجة الآثار التي ترتبت عنها في العلاقة مع الدول والمجموعات الإقليمية السياسية والاقتصادية.

وما يعزز هذا التقدير السياسي أن أحد أبرز الدوافع التي تعلنها الجزائر لمراجعة اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي إلغاء الفصل السياسي من الاتفاق، الذي كان يتيح لمؤسسات الاتحاد مناقشة قضايا داخلية تخص الجزائر كمسألة سياسية مطروحة، وإدراج مراقبة الجزائر ببعض الالتزامات السياسية ذات الصلة بالحريات وحقوق الإنسان والديمقراطية، من وجهة النظر الأوروبية.

لم تكن الجزائر تملك في خضم الآثار المدمرة للأزمة الأمنية الدامية في التسعينيات وإكراهات المديونية وصندوق النقد الدولي، والتي دمرت الاقتصاد الجزائري، هامش مناورة لرفض الشروط الأوروبية هذه، لكنها تملك في الوقت الحالي بعد التعافي السياسي والاقتصادي وترميم النسيج المجتمعي الداخلي، وضعاً أفضل واستقلالية قرارها السياسي والاقتصادي، ما يتيح لها رفض أي نقاش لمسائلها الداخلية التي تخص مجتمعها السياسي والمدني حصراً. وبينما تفعل الجزائر ذلك، وتلعب على توازنات القوة والمصالح، وتستفيد حتى من الفرص التي توفرها الخلافات بين الأطراف الأوروبية أحياناً، يتعين الانتباه إلى أن إيطاليا هي الأخرى دولة مصالح تبحث عن منافع وامتيازات، وليست جمعية خيرية توزع التكنولوجيا والاستثمارات، وهي كغيرها من المجتمع الأوروبي بحكومات تنحاز في الغالب إلى سياسات اليمين في قضايا الهجرة وإسرائيل والإسلاموفوبيا.