الجزائر... النظام وتميمة حظ

الجزائر... النظام وتميمة حظ

07 ابريل 2021
واصل الحراك سلميته خلال عامين من التظاهر(رياض كرامضي/فرانس برس)
+ الخط -

السلطة في الجزائر خسرت معركة الصوت والصورة، بحيث لم تعد السردية الرسمية تقنع أحداً. أزمة الثقة بين السلطة والمواطن أعمق مما يتصوره صانع القرار، ولذلك فإن كلّ الروايات التي تقدمها السلطة إزاء وقائع وأحداث خاصة في علاقة بممارسات المؤسسة الشرطية والأجهزة الأمنية، لا تحظى بالقبول. ولكثرة الوقائع التي خالفت فيها الحقيقة روايات السلطة، باعتراف المسؤولين أنفسهم، باتت السلطة في موقع العاجز عن الإقناع، حتى في اللحظة التي تقول فيها الحقيقة، على غرار الحوادث الأخيرة المتعلقة بالتعذيب والاعتداءات على الناشطين في مراكز الأمن.
على الرغم من ذلك، لم تخسر السلطة الجزائرية رهاناتها السياسية في كثير من المحطات. يدعو ذلك للتساؤل كيف تنجح هذه السلطة في كلّ مرة، بالإفلات من صدمة الثورة ومفكّ التغيير. ليست هناك تفسيرات سياسية كثيرة لذلك، عدا عن أن النظام الجزائري ممسك بشدة بكلّ خيوط اللعبة. لكن ذلك لا يكفي في الحقيقة، إذ يلعب الحظ لصالحه أيضاً في علاقة ببعض المتغيرات الإقليمية، كما تلعب بعض التفاصيل السياسية المحلية لصالحه.
في الواقع الجزائري، يدخل الحظ أكثر من المنطق. محظوظٌ هذا النظام، والساحر الذي كتب التميمة (الحرز) لهذا النظام مات، وكلّ "الرقاة" السياسيين ما أفلحوا في فكّ طلاسم التميمة، ولا عرفوا مكانها. والنظام الجزائري محظوظ في بلد لا تنفد ثرواته، تدر على البلد من المال ما يبقي النظام حيّاً وقادراً على المناورة، وبما يقيه صدمات الإفلاس كلّياً.
النظام الجزائري محظوظ بشعب مستمسك بالعقيدة الوطنية وصابر على النكبات والخيبات المختلفة، لا ينضب مخزونه من الصبر والأمل، لديه قدرة مصنوعة من صخر، ومستوحاة من تاريخ من المحن، على مسايرة خيارات السلطة. وأكثر من ذلك، محظوظ النظام بمعارضة عاقلة راشدة، أعطت المثال في أكثر من محطة، لأنها أكثر حرصاً على مصلحة البلد من النظام نفسه، تسبقه في استشراف الأزمات وجاهزة دائماً للحوار، وحاضرة لتقديم التنازلات التي تقتضيها مصلحة البلد.
النظام الجزائري محظوظ أيضاً بوجود نخب معارضة تتمتع بثقافة الدولة، وتضع بكل مسؤولية، فارقاً بين الدولة التي يجب أن تستمر وبين السلطة التي يجب تغييرها. ومحظوظ بحراك سلمي لم يخرب عموداً، ولم يحرق عجلة، ولم يكسر نصف زجاجة واحدة خلال مسار عامين من التظاهر والاحتجاج، رافع عن الوحدة ودافع عن التاريخ.
يعيش النظام الجزائري على هذه الحظوظ كلّها، لكنه لم يقدرها حقّ تقدير أبداً، غير أنه في لحظة ما، وفي زمن سياسي لما بعد الحراك الشعبي، بات يواجه الآن مأزقاً لم يحسب له حسابا. خسر معركة الصوت والصورة قبالة جيل ثوري تفوق عليه في الصوت والصورة، ولذلك لم يعد التغيير مطلباً، بل ضرورة للنظام نفسه أيضاً.