الجزائر... الرمال المتحركة أولى

الجزائر... الرمال المتحركة أولى

04 اغسطس 2021
لعمامرة كان يقود دبلوماسية بلاده في مرحلة الفراغ الإقليمي والدولي (Getty)
+ الخط -

ثمة مثل شعبي في الجزائر يقول "تركت زوجها ممدود وذهبت تعزي في محمود"، ينطبق هذا المثل بشكل كبير على الخط الذي اتجهت فيه تحركات الدبلوماسية الجزائرية، والتي أخذت على عاتقها في أول تحرك بعد عودة رمطان لعمامرة إلى منصب وزير الخارجية، حل ملف أزمة سد النهضة.
لا نقاش في ضرورات الحضور الدبلوماسي، الإقليمي والدولي، لبلد مهم عربياً وقارياً مثل الجزائر، لكن هل ثمة ضرورة صارمة أولاً، وقدرة فعلية ثانياً للجزائر، في مثل هذه الظروف المعقّدة لحل أزمة كبيرة ومتشابكة مثل أزمة سد النهضة، والتي لا تعني فقط الدول الثلاث فحسب، مصر والسودان وإثيوبيا، بقدر ما تهم أيضاً الكثير من الدول المعنية بالسد، بشكل أو بآخر، كإنجاز صفقة أو حسابات التمويل أو اعتبارات متعددة.
إذا كان الرئيس عبد المجيد تبون يبحث عن منجز دبلوماسي لولايته الرئاسية الأولى يرصع به فترة حكمه، على غرار نجاح الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة في تحقيق السلم بين إثيوبيا وإريتريا في يوليو/ تموز 1999، فالنيل ليس هو المدخل، والظرف مغاير وطبيعة الأزمات الثنائية غير الأزمات المتعددة الأطراف كأزمة السد والنيل. وإذا كانت السلطة السياسية في الجزائر تشعر بأنها قادرة على فعل شيء في أزمة كهذه، فإن هناك ما هو أولى على صعيد أزمات المنطقة القريبة التي تعني الجزائر بشكل أكبر، تتطلب صب الجهد الدبلوماسي فيها لاعتبارات سياسية وأمنية وقومية حتى، على غرار ليبيا التي يتأخر فيها الحضور الجزائري، وهناك الرمال المتحركة والانقلابات المتتالية في مالي والنيجر، وأخيراً هناك التطورات الطارئة في تونس، وما أدراك ما أهمية تونس كعمق سياسي وأمني بالنسبة للجزائر.
طبعاً من المهم أن تساهم الجزائر دبلوماسياً في إطار التزاماتها الإقليمية والقارية بالقدر الممكن في حل الأزمات وتعديل المواقف، ومن الطبيعي أن تهتم ضمن سياق العلاقات الدولية بمصالح الشعوب الصديقة، لكن لا الوقت مناسب للدبلوماسية الجزائرية لتسجيل مجرد حضور واستطلاع، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بقضايا بالغة التعقيد، ولا الظرف مناسب لفك معضلات لا تملك الجزائر في الوقت الحالي الأدوات الضرورية لفكها. فالبلاد تمر بأزمة كورونا، التي يفترض أن توجّه جهود مجموع الجهاز الدبلوماسي لتخفيف وطأتها على الجزائريين الذين يعيشون على أعصابهم منذ شهر بسبب أزمة نفاد الأكسجين، ذلك أن الدبلوماسية التي لا تساهم في فك معضلات الداخل وتؤخر الدفاع عن مصالح البلاد الطارئة، أشبه ما تكون بحافلة لا تسير.
العلاقات الدولية جزء عميق من مشمولات الدولة والسلطة السياسية، وحساباتها في الغالب تخضع لاعتبارات عديدة، لكن بعض النخب في الجزائر لم تكن راضية تماماً على ترتيب أولويات الدبلوماسية الجزائرية، خصوصاً إذا عُلم أن لعمامرة كان يقود الدبلوماسية الجزائرية في مرحلة الفراغ والغياب الدولي والإقليمي الرهيب للجزائر قبل فبراير/ شباط 2019. ثمة ما يدعو العقل الحاكم إلى تعديل البوصلة الدبلوماسية وتصحيح حدود الخريطة الاستراتيجية للجزائر، والأولويات الخارجية أيضاً.

المساهمون