الجزائر: الرئيس والمخيال الانقلابي

الجزائر: الرئيس والمخيال الانقلابي

16 ديسمبر 2020
أطل تبون لقطع الطريق على شائعات طاولته (رياض كرامدي/فرانس برس)
+ الخط -

لأول مرة يخاطب رئيس جزائري الجزائريين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بدلاً من التلفزيون ووسائل الإعلام التقليدية، إذ اختار عبد المجيد تبون "تويتر" منصة لبث فيديو يثبت من خلاله حضوره كرئيس للبلاد، ويعلن عودته إلى النشاط السياسي، ويُسقط الكثير من الأقاويل والسيناريوهات.
مهما يكن من أمر، فإن هذا تحوّل اتصالي لافت في السياق الجزائري المعروف بمستوى متشدد من الانضباط الشديد في ممارسة الحكم، والحسابات الدقيقة في التعبيرات السياسية والاتصالية. هو متأخر بالتأكيد مقارنة مع طرق تواصل القادة السياسيين في العالم، لكنه يبقى سابقة جزائرية تطرح أسئلة كثيرة عن توقيت ذلك، وعلاقته بمعطيات داخلية ملتبسة ومثيرة للقلق، وأسباب اختيار الرئيس "تويتر" بدلاً من التلفزيون العمومي والإعلام التقليدي عموماً.

ولأن لا صدفة في السياسة، ربما كان تبون بحاجة إلى القيام بذلك فعلاً، لنسف "المخيال الانقلابي" الذي انتعش في الفترة الأخيرة نتيجة طول رحلته العلاجية (قرابة شهرين من الغياب)، وقطع الطريق على الشائعات التي أزعجت الجزائريين، وتحدثت عن بدء تفكير المؤسسة العسكرية وتقاطعاتها الحيوية في مقاليد الحكم، في السيناريوهات المحتملة، في حال تطور الوضع الصحي للرئيس أو استقر عند حالة عجز، كإعلان الشغور والذهاب إلى انتخابات مبكرة، أو خيارات أخرى ممكنة، مع أن الظروف الضاغطة داخلياً وخارجياً تجعل إحداث تغيير في أعلى هرم السلطة آخر ما يمكن أن يفكر فيه الجيش في الوقت الراهن.

اختار تبون منصة تواصل اجتماعي مثل "تويتر"، في لحظة مفاجئة للجميع لمخاطبة الجزائريين مباشرة (والعالم المهتم) وليثبت حضوره كرئيس، من دون أي مراجعة للمضمون أو تدخلات محتملة على الشريط المصور فيما لو بُث على التلفزيون مثلاً، وتفادياً لأي نوع من أنواع الرقابة "المرنة" في مثل هذه الحالات من الشركاء في الحكم. صحيح أن تبون قضى أربعة عقود داخل الحكومة في مستوياتها المختلفة، وشغل مناصب متفاوتة من رئيس دائرة (مقاطعة)، إلى حاكم ولاية، ومن وزير إلى رئيس حكومة، لكنه ما زال يفتقد للكاريزما التي تتيح له السيطرة على كل مؤسسات الحكم وضمان ولائها، وما زال بحاجة إلى وقت ليثبت قدميه في المواقع التي تساعده على ضمان التحكّم في غرفة العمليات السياسية.
الثابت في كل القصة هذه أن عاملاً جديداً قد دخل السياق السياسي الجزائري، ومن أعلى مستوى في هرم السلطة، سيفقد ذلك "دوائر هندسة الحكم" مقوداً آخر، فالمنصات الاتصالية الجديدة أظهرت أنها قادرة دائماً على قلب المعادلات.