الجزائر... التعديل الضروري

16 يوليو 2025   |  آخر تحديث: 04:03 (توقيت القدس)
شارع في الأغواط، وسط الجزائر، 23 ديسمبر 2024 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- ضرورة التغيير في الحوكمة: هناك إجماع في الجزائر على الحاجة لتغيير جذري في حوكمة الشأن العام، بعيدًا عن التعديلات الحكومية الشكلية، لتحقيق مراجعة جادة وموضوعية للسياسات.

- التحديات الاقتصادية والسياسية: رغم النيات السليمة للرئيس تبون، تواجه الجزائر تحديات في تحويل هذه النيات إلى واقع ملموس بسبب الإرث الثقيل والمقاومة الداخلية، مما يتطلب مساءلة موضوعية.

- الاستحقاقات الوطنية والإقليمية: الجزائر بلد حيوي يواجه استحقاقات داخلية وإقليمية حساسة، مما يستدعي تجنب إعادة إنتاج مسببات العطب لضمان استقرار البلاد وتقدمها.

لم يعد هناك خلاف في الجزائر بين المجتمع المشتغل في الحقل السياسي، من يمينه إلى يساره، ومن إسلامييه إلى أقصى التيار التقدمي، ولدى النخب المهتمة بالشأن العام والتقدير الاقتصادي، أن هناك حاجة ضرورية لأن يحدث تغيير أكيد في حوكمة الشأن العام وتدبير السياسات في البلاد. لا يُقصد بذلك تعديل الحكومات الذي لم يعد له معنى ولا يؤدي المراد، طالما أن التصورات وأدوات تنفيذ السياسات تظل هي نفسها، بقدر ما يعني إجراء مراجعة جادة وموضوعية تقطع الارتباك الحاصل على أكثر من صعيد.

في الفترة الأخيرة التي تزامنت مع احتفالات عيد الاستقلال، أصدرت أحزاب وشخصيات مستقلة ومتزنة ومختلفة التوجهات في الجزائر، تقديرات موقف تتناول المسألة السياسية والراهن الاقتصادي الكلي والخيارات القائمة. قد يكون لكل منها غايات في ذلك، لكن بكل الأحوال، ليس من الحكمة أن تدير السلطة وجهها وتتغاضى عن هذه التقديرات، أو اعتبارها على الأقل تنبيه حليم أو نصيحة ناصح. في الغالب ترفض الحكومات الإقرار بالأخطاء، أو الاستماع إلى الرؤى النقدية الهادئة، لكن التاريخ السياسي القريب للجزائر، يوضح أن ذلك كان الخطأ بعينه الذي كانت كلفته السياسية والاقتصادية مضرة بالبلاد.

على مستوى العناوين السياسية والاقتصادية التي يرفعها الرئيس عبد المجيد تبون، ومؤسسات الحكم والسلطة، تبدو النيات سليمة بحيث لا يمكن التشكيك فيها، ومندمجة مع تطلعات أساسية وتاريخية حتى للجزائريين؛ بناء اقتصاد وطني متحرر من الريع، وإنشاء قاعدة صناعية وتطوير قطاعات حيوية مثل الزراعة والمياه، وإقحام الشباب في العمل السياسي، واستعادة مكانة الجزائر الدبلوماسية. ربما كان ذلك السبب الأساسي الذي دفع الكثير من القوى والمجموعات السياسية إلى الانكفاء في المرحلة الأولى التي تسلم فيها تبون الحكم بعد عام 2019- إضافة إلى ظروف البلاد في تلك الفترة- لمنح تبون كل الوقت الممكن لعرض تصوراته ووضعها موضع التنفيذ واختيار رجالات حكمه.

غير أن الفترة التي تلت ذلك، تبدو كافية لأن تحدث مساءلة موضوعية بشأنها، وربما دفع ذلك أكثر من طرف في الجزائر لأن يعلن عن ملاحظات تبدو ضرورية. ثمة كوابح كثيرة لا تتيح تحويل النيات على حسنها إلى واقع. قد يرتبط الأمر فعلاً بثقل الإرث الخرب، أو بوجود مقاومة داخلية، أو رفض تكيّف دواليب الدورة الاقتصادية ومنظومتها مع التصورات المطروحة. لكن يجب قطعاً عدم إغفال أن هناك مشكلات جدية في كيفية إنفاذ هذه التصورات، والعجز الواضح في الأدوات الهيكلية (مثال ذلك تجربة هيئة التصدير التي ألغيت لاحقاً)، والتركيز على استحداث الهيئات وما يمكن وصفه بـ"الجثث الإدارية" التي تستهلك الموازنات دون أن يكون لها جدوى، إلى جانب اختيارات الكادر الوظيفي والحكومي الذي يتكئ على أسلوب بيروقراطي يفتقد الإبداعية، وغارق في المشهدية دون منجز جدي ومرضٍ.

الجزائر بلد حيوي، يتمتع بزخم ثوري وإمكانات خلاقة، ولديه استحقاقات داخلية وإقليمية حساسة، تتزامن مع وضع دولي بالغ الهشاشة، لذلك من الضروري بالنسبة للدولة الجزائرية ألا تتم إعادة إنتاج مسببات العطب، يتعين تلافيها تحت أي ظرف كان.

المساهمون