الجزائر... البوليس السياسي والتضليل

الجزائر... البوليس السياسي والتضليل

03 فبراير 2021
الأجهزة الأمنية تملك القدرة على التلاعب بالقصص السياسية (رياض كرامدي/فرانس برس)
+ الخط -

مع انكشاف مزيد من قصص التضليل السياسي والمغالطات الناتجة عن توظيف البوليس السياسي في الجزائر والتلاعب بالقصص والوقائع ذات البُعد السياسي، سيفقد الجزائريون الثقة (المشوشة أصلاً) بمؤسسات الدولة وناتجها الوظيفي، وبالأجهزة الأمنية ومخرجاتها من القضايا. في بداية شهر ديسمبر/ كانون الأول 2019، نشرت السلطات بياناً تحدثت فيه عن إحباط مخطط لتخريب الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في ذلك الشهر، والقبض على عناصر "مندسة" على صلة بحركة انفصالية.

حمل ذلك البيان الكثير من الإثارة في ظروف ملتبسة، قبل أن يكشف قضاة أحرار أخيراً، أن هذا المستوى من "الفبركة" لم يكن سوى "قصة أمنية" من خيال بوليسي سعى للتصرف في الظرف السياسي حينها وتوجيه الرأي العام، وأن هذا "المندس" الذي أحيطت به كل هذه المزاعم الخطيرة، ليس سوى طالب أعزل لم تكن قصته بحاجة إلى اختلاق، ناهيك عما رافق ذلك من أدوات ضغط وتعنيف تحتاج هي الأخرى إلى المساءلة.

بهذا الشكل تكون الكثير من القصص السياسية بحاجة إلى مراجعة وتدقيق. في الكثير من الدول يجري الحديث عن التوظيف السياسي للأجهزة الأمنية وللقضاء، أما في الجزائر فيحدث الأمر على نطاق مغاير تماماً، فالأجهزة الأمنية (المخابرات) هي التي تملك القدرة والإمكانية على التلاعب بالقصص السياسية والتبعات القضائية، ولديها القدرة على اختلاق أي وضعية سياسية، بحكم ظروف تاريخية ومراحل تشكُّل النظام السياسي القائم، والتي تراكم فيها إمساك الجهاز الأمني بكل أطراف المشهد وتوسع فيها دور هذه الأجهزة، إلى درجة التضخم الوظيفي الحاد.

يُطرح في الجزائر منذ فترة نقاش محدود، لم يأخذ مداه السياسي للاعتبارات السالفة الذكر، حول "البوليس السياسي". في الحقيقة تنطوي هذه التسمية في جانب من الأمر على فهم الدور الأمني ومقتضيات وجود جهاز المخابرات في حماية البلاد، من جهة، ومن جهة ثانية تتضمّن هذه التسمية إدانة واضحة لتمدد وأدوار غير طبيعية يؤديها الجهاز الأمني في الجزائر داخل المشهد السياسي، إذ يتمركز في قلب الأحزاب والنقابات والإدارات والمؤسسات الحكومية. وبرزت هيمنة البوليس السياسي في الجزائر بشكل أكثر وضوحاً في العقود الأخيرة، لا سيما في جهاز القضاء وفي قطاع الإعلام والصحافة.

دور أجهزة الأمن السيادية في أي من دول العالم، لا يحتاج إلى شرح وتفصيل في أي مقام كان، لكن ليس بينها اختلاق القصص والوقائع وارتكاب التجاوزات وتضليل الرأي العام بحسب الظروف، وتزوير الانتخابات وإحداث الانقلاب في المنظمات وشق الأحزاب وتشكيل الكيانات الوهمية لدعم سياسات رئيس أو مرحلة، وهذه كلها وقائع باتت من صلب مهام الجهاز الأمني. والإقرارات التي أعلنها مسؤولون وشخصيات وازنة وقيادات بارزة في أحزاب الموالاة تؤكد ذلك، وتكشف جزءاً يسيراً من هذه الحقائق المرّة، وتفسر المآلات الكارثية للبلاد.

الوضع برمته مرتبط بحالة اللاديمقراطية في الجزائر، فلا تكفي القوانين الجافة لوضع الأمور في نصابها لضبط أدوار الجهاز الأمني، في ظل غياب قضاء مستقل يمكنه حماية المواطنين من التعسف ومساءلة أي مسؤول أمني عن أي تجاوز، وإعلام مهني حر، ومؤسسات نيابية مسؤولة وهيئات حاكمة تضع كامل الأجهزة تحت قيد السلطة المدنية، حماية للأجهزة نفسها من كل استغلال وردعاً لها عن أي تلاعب.