الجزائر: الاقتصاد أولوية السلطة بعد ترتيب مؤسسات الحكم

الجزائر: الاقتصاد أولوية السلطة بعد ترتيب مؤسسات الحكم

10 يوليو 2021
تعتمد الحكومة على نجاحها في تشكيل برلمان جديد أخيراً (الأناضول)
+ الخط -

تمكنت السلطة السياسية في الجزائر من إنجاز خطوات سريعة نحو استعادة زمام المبادرة، وإعادة ترتيب بيت الحكم وتفاصيله، مع إجراء الانتخابات النيابية في 12 يونيو/ حزيران الماضي، وتشكيل الحكومة والتئام البرلمان. وتهدف السلطة بذلك إلى تسليم الأولويات الاقتصادية والاجتماعية للحكومة الجديدة، بغضّ النظر عمّا إذا كانت تملك القدرة على ذلك، في المقابل، ستتفرغ السلطة من أجل استكمال بعض الترتيبات الباقية، كإجراء انتخابات مؤسسات الحكم المحلي (المجالس البلدية والولائية)، وهو سياق يرى البعض أنه يغيّب الأولويات والمطالب السياسية التي رفعها الجزائريون في تظاهرات الحراك الشعبي منذ فبراير/ شباط 2019.

وتعطي تركيبة الحكومة وتشكيلتها التي غلبت عليها كتلة التكنوقراط والخلفية المالية والاقتصادية لرئيس الحكومة المعيَّن أيمن بن عبد الرحمن، وإمساكه في الوقت نفسه بوزارة المالية، الانطباع عن توجه الحكومة بشكل خاص للعمل على خطة تضع في صدارة اهتماماتها الأولويات الاقتصادية وحلحلة الأزمات الاجتماعية. كذلك تسعى الحكومة إلى مواجهة تداعيات أزمة وباء كورونا، والحفاظ قدر الإمكان على ما بقي من احتياطي الصرف في الخزينة العامة، خصوصاً أن المتوافر للبلاد يكفيها لمدة عام واحد. وتعمل الحكومة على خفض عجز الموازنة والتضخم، وتطوير السياسات النقدية والمالية.

تنوي الحكومة زيادة الامتيازات الممنوحة للمستثمرين

ويعتقد مراقبون أن تشكيل الحكومة، التي غلب عليها في التشكيل إغفال نتائج الانتخابات النيابية والاعتماد على تعديل حكومة عبد العزيز جراد وتطعيمها بعدد محدود من اللفيف الحزبي، الذي يسوّق نفسه كمساند لبرنامج الرئيس عبد المجيد تبون، يستهدف توجيه رسالة تفيد بأنها "حكومة أزمة". وحول ذلك، يقول المحلل المتخصص في قانون الأعمال عبد الحميد منصوري، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "حالة الإنكار التي يعيشها النظام بشأن وجود أزمة سياسية أو حتى اجتماعية، تجعله يسوّق أن للحكومة هدفاً اقتصادياً بالأساس. ويظهر ذلك من خلال استحواذ الوزير الأول على حقيبة المالية، ويبدو أن الهاجس هو الاقتصاد والوضع الاجتماعي المقبل في ظل صعوبات مزمنة، تواجه تمويل الميزانية والعجز عن إيجاد حلول مجدية للبطالة وتحريك الاقتصاد خارج المحروقات، وهو أمر متزامن مع أزمة مالية بسبب فيروس كورونا".

ويعتبر منصوري أن "الأولوية الأولى للحكومة هي الاقتصاد من خلال تشجيع الاستثمار، عبر زيادة الامتيازات الممنوحة للمستثمرين المحليين، وحتى الأجانب. ولعل أول القوانين التي ستقدم للبرلمان الجديد، تعديل قانون الاستثمار 09/16 المتعلق بالاستثمار وترقيته. والهاجس الآخر شبح الاضطرار إلى الاستدانة الذي سيعجّل باستحداث أساليب للتمويل، أهمها توسيع اللجوء للتمويل الإسلامي، من خلال تشجيع الادّخار فيه والدفع بمنتجات مصرفية إسلامية تلقى قبولاً من المواطنين". ويضيف: "كذلك في المجال الجبائي، تراهن الحكومة الجديدة على استحداث إصلاحات جبائية متزامنة مع رقمنة القطاع، فضلاً عن محاولة تسهيل تسديد الضرائب المتأخرة، التي ستساهم في تمويل الميزانية العامة التي تعاني عجزاً".

وبغضّ النظر عمّا إذا كانت الحكومة الجديدة التي يدعمها تكتل سياسي ونيابي، ستنجح في تحقيق هذه الأهداف ذات المراس الصعب وسط ظروف معقّدة، فإن إعطاء انطباع عام بضرورة أن تكون الأولوية للقضايا الاقتصادية والاجتماعية، سيكون بالأساس على حساب غيرها من الأولويات المرتبطة بالإصلاحات السياسية التي خرج من أجلها الجزائريون إلى الشارع في فبراير 2019.

عملياً، لم تكن تلك الانتفاضة ثورة جوع، ولم تكن المشاكل والمطالب الاجتماعية محل مطالب الحراك، بقدر ما كانت المطالب متصلة أساساً بصبّ جرعة كافية على صعيد تحرير العمل السياسي والنقابي، ورفع الإكراهات المسلطة على الشارع والإعلام وتعزيز استقلالية القضاء، وتوسيع هامش الحريات الفردية والجماعية وتكريس حرية التعبير والصحافة وحقوق التظاهر ومحاربة الفساد السياسي والإداري وتفعيل هيئات الرقابة، وتعديل سلوك الأجهزة الأمنية وإنهاء سياسات الإفلات من العقاب. وهي كلها صلب المطالب التي أخرجت الجزائربين إلى الشارع في فبراير 2019، وشكلت الشعارات الرئيسة لتظاهرات الحراك الشعبي، والعناوين الأساسية التي عملت الطبقة السياسية المعارضة والقوى المدنية خلال تلك الفترة على تحقيقها، بما يعني ذلك تأجيلاً جديداً للأحلام والتطلعات السياسية للجزائريين نحو ديمقراطية فاعلة وذات قيمة مضافة.

وتضع هيمنة قوى الموالاة على المؤسسة البرلمانية، وخطاب افتتاح العهدة النيابية الجديدة، لرئيس البرلمان الجديد إبراهيم بوغالي، أول من أمس الخميس، الذي أعلن بوضوح ولاء السلطة التشريعية لمؤسسة الرئاسة، تضع السلطة في راحة من أمرها، بشأن استبعاد الأولويات السياسية من أجندتها من جهة، ونقل الاهتمام الأول للجزائريين إلى المعضلات المعيشية الاجتماعية والاقتصادية، من جهة ثانية.

ستحاول السلطة الاستفادة من ارتفاع أسعار النفط

ويبرز في السياق الجزائري الراهن، فارق بين أولويات الحكومة المتصلة بتدبير الشأن العام ويوميات الجزائريين، وأولويات السلطة السياسية الحاكمة وترتيباتها، المرتبطة باستكمال إعادة ترتيب البيت الداخلي بعد الهزة التي أحدثها الحراك الشعبي منذ فبراير 2019، وتركيز مؤسسات الحكم وواجهاته.

وفي السياق، يعتقد الكاتب المتخصص في الشؤون السياسية، فاروق طيفور، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن مقاربة السلطة تتجه نحو الاستمرار في تشكيل ما بقي من مستويات المؤسسات التي تصنع بها الشرعية القانونية، بينها الانتخابات المحلية المقبلة (من المرجح إجراؤها في نهاية شهر أكتوبر/ تشرين الأول أو بداية نوفمبر/ تشرين الثاني المقبلين)، والتي ستؤسس لمكونات مجلس الأمة (الغرفة العليا للبرلمان الجزائري، الذي سيتجدد نصفه في ديسمبر/ كانون الأول المقبل). ويضيف أن السلطة "ستحاول الاستفادة من ارتفاع أسعار البترول لموازنة المؤشرات المالية، وعلى رأسها احتياطي الصرف والميزان التجاري، على اعتبار أن تحديات رئيسية ستواجهها على المستويات السياسية والمالية والإقليمية، وتنظيم انتخابات محلية في مثل هذه الظروف التي يؤججها العزوف الانتخابي، في ظلّ حالة احتقان اجتماعي لم تكن تشكيلة الحكومة في مستواها، بل قد تعصف بما بقي من الحد الأدنى السياسي الذي ما زال يشارك في العملية السياسية".

المساهمون