استمع إلى الملخص
- الإعلام السياسي في الجزائر يلعب دوراً مزدوجاً؛ يمكنه أن يكون أداة دبلوماسية لنقل الرسائل أو أن يفاقم الأزمات إذا لم يُدار بحكمة، مما يؤثر على جاذبية الاستثمار الأجنبي.
- التغيرات الجيوسياسية تتطلب مراجعة جادة لدور الإعلام، والانتقال من المركزية إلى تعزيز الروح النقدية والمبادرة، لتحقيق دور وطني فعّال في بناء الدولة.
يجب أن ينتبه صانع القرار السياسي والإعلامي في الجزائر، إلى رجع الصدى الذي تخلّفه بعض السياسات المتعجّلة، خاصة عندما يتعلق الأمر بما يعني الصورة الخارجية للجزائر، وعلاقاتها مع محيطها الإقليمي والدولي. تسييج الخيارات والمواقف السياسية بمحتوى ومضمون إعلامي يحتاج إلى كفاية من التدرب والرزانة، لتبليغ الرسالة السياسية على النّحوِ الصّحيح الذي يخدم مواقف الدولة والبلد، لا أن يرتدّ الأمر إلى نقاش داخلي في الجزائر.
نظرياً، الإعلام السياسي قوة ناعمة تشبه الرصاصة، حين إطلاقها يجب الحذر من أن يرتد غلاف الرصاصة وهو مؤذٍ أيضاً، لذلك لا يجب التصويب باتجاه الجدار أو على الأرض، كما أن التصويب في العراء دون غاية وهدف مدروسَين من كل الجوانب، له تداعياته المحتملة. والإعلام بصفته مؤدياً سياسياً يمكن أن يلعب أدواراً في الاتجاهَين بالنسبة للدولة؛ إذ يمكن أن يفتح المغلق ويتحوّل بذاته إلى مسلك دبلوماسي لنقل الرسائل المعلنة، كما يمكن أن يُغلِقَ المفتوح ويفاقم الأزمات بعناوين قد تكون مندفعة أو فائضة عن الحاجة في التعبير عن المواقف، بما قد يخلف أضراراً على البلد.
في الجزائر، لم يكن ممكناً في أي مرحلة الفصل بين السياسة والإعلام ذي الحمولة السياسية خاصّة، وتحديداً بالنسبة لبلد ولد إعلامُه في قلب الحركة الوطنية، وظل وسيلةَ مقاومةٍ سياسية وإصلاحية، وأداة تعبير عن الكينونة الثقافية المناوئة للاستعمار والكولونيالية. وفي المراحل المختلفة لبناء الدولة الوطنية بعد الاستقلال، وجد الإعلام السياسي الجزائري نفسه ضمن نفس الأدوار، وانحاز وفقاً للسياقات القائمة إلى البروباغندا، سواء بمعناها الإيجابي أو السلبي.
في الظرف الحالي، المتغيرات التي طرأت على الجغرافيا السياسية، وأشكال الحروب الجديدة والمعقدة، واستحقاقات إعادة البناء الوطني وإصلاح الاقتصاد الداخلي، وحمائية البلد من التأثيرات الخطرة للأزمات الاقليمية، يستدعي فعلياً مراجعة جادة وصريحة في الجزائر للمؤدى السياسي للإعلام، والتخلي عن المركزية التي تكبح المبادرة وتقلص الروح النقدية، وتغيير الاتجاه من الإعلام الوظيفي إلى وظيفة الإعلام في علاقة بالدور الوطني، وهو الدور الذي يمكن أن يحدّده الكادر الإعلامي بنجاعة وفاعلية أفضل بكثير من أي فاعل بيروقراطي آخر يمكن أن يملي خيارات غير مناسبة.
أثبتت بعض الوقائع أن هناك بعض التعجل والاندفاع في المعالجات السياسية والإعلامية غير موفقة بالقدر الكافي، ليس لها انعكاس على صورة البلد فحسب، ولكن على المعطى الاقتصادي أيضاً في علاقة بجاذبية الاستثمار ورأس المال الأجنبي، الذي يفضل المناخات الهادئة. ذلك أن تقديم الجزائر بهذه الصورة المكرسة على أنها بلد يعيش على وقع تهديدات ومؤامرات تستدعي التعبئة، وكونها محاطة بحزام من الأزمات، قد يكون في غير صالح الرغبة والتطلّع الوطني لجذب الاستثمارات الحرة، وتدفقات رأس المال، خارج تلك التي تتقرر مع الحكومات في سياق علاقات ثنائية أو حسابات أخرى.