الجزائر... استباقية ضد "الاستعمار الشفاف"

26 مارس 2025   |  آخر تحديث: 04:03 (توقيت القدس)
جزائريون خلال تظاهرة في باريس، 17 أكتوبر 2021 (سام تارلينغ/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يعتقد بعض النخب أن "قانون تجريم الاستعمار" لن يحل مشكلات الجزائر مع فرنسا، بل سيعقد العلاقة، خاصة مع صعود اليمين المتطرف في فرنسا الذي يعتبر القانون استفزازًا.
- هناك ضرورة أخلاقية وسياسية لصياغة القانون لمنع تحريف الحقائق التاريخية وحماية الأجيال من "الاستعمار الناعم" الذي يسعى لتزييف الوعي.
- يجب الحفاظ على التاريخ كمرجع للأجيال الجزائرية، رغم محاولات تصوير الاستعمار بشكل إيجابي عبر النوستالجيا، مع التأكيد على أهمية مساءلة فرنسا عن إرثها الاستعماري.

تعتقد كتلة من نخب "التطبيع وجهة نظر" أن "قانون تجريم الاستعمار" لن يحل مشكلات في الجزائر، لا الداخلية ولا في علاقتها مع المستعمر السابق فرنسا، بل بالعكس سيضيف عقدة جديدة إلى حزمة العقد التي تحكم هذه العلاقة، خاصة مع استحكام اليمين المتطرف في دواليب الحكم والمؤسسات في فرنسا، والذي لن يستقبل سن البرلمان الجزائري لهذا القانون بعين الرضا، إذ كان قد اعتبر إعادة تثبيت مقطع "يا فرنسا قد مضى وقت العتاب" في النشيد الرسمي الجزائري بأنه استفزاز لباريس.

هذا وصف واقعي، لكن ثمة فرقاً وتمايزاً كبيراً بين الواقعية والسياسة، وفي مثل هذه القضايا ينتصر الموقف السياسي والتاريخي على الخيار الواقعي، الذي يفتح الباب لحسابات تتماهى مع سؤال المنافع البراغماتية والحاجة الاقتصادية، على حساب الحقوق الوطنية. ثمة أكثر من ضرورة أخلاقية وسياسية وتاريخية لصياغة قانون تجريم الاستعمار في الجزائر، ليس رداً على القانون الفرنسي لتمجيد الاستعمار (صدر في 2005)، فحسب، ولكن لضرورات منع الانحراف أو تحريف الحقائق، أو إسقاط حقوق تاريخية ثابتة تحت أي عنوان كان.

هناك أكثر من ضرورة أيضاً لمنع الأجيال المقبلة من الانجرار والوقوع ضحية فلسفة جديدة وناعمة للاستعمار، تستخدم التكنولوجيا لتزييف الوعي وتكريس "الاحتلال الشفاف"، بحيث يقدم الاستعمار تاريخه بصورة مختلفة، في مخاطبته للأجيال الجديدة في الجزائر، والسعي لاستدراجها نحو فكرة مشوشة، "الذاكرة المشتركة"، ويوظف الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في الجزائر وغيرها من المستعمرات السابقة لإعادة تأهيل نفسه وسحب الدوافع التاريخية لإدانته. لذلك فان "تجريم الاستعمار" بنص، وبقدر ما يستند إلى الماضي ونضالات الكتلة الوطنية، بقدر ما يمثل خطوة استباقية للمستقبل ضد "الاستعمار الناعم".

ضرورة ثالثة، بعدما برزت كتلة منحرفة، على قلتها، من النخب الجزائرية حتى، تردد خطاب اليمين الفرنسي نفسه، وتزعم أن الاستعمار لم يكن كله جريمة، ووجدت فيها الماكينة الثقافية والإعلامية في فرنسا ريعاً ثقافياً جاهزاً يتم توظيفه لتزييف الوعي والتاريخ، بالقدر نفسه الذي ظهرت فيه كتلة نخب عربية تزعم أن "التطبيع وجهة نظر". لا يعني ذلك العيش في الماضي، أو استخدام التاريخ والذاكرة كريع سياسي، لكن هذا التاريخ يجب أن يبقى محدداً أساسياً لكل الأجيال الجزائرية للحفاظ على الدولة والاستقلال، واستذكار عذابات الاستعمار واستحضار التضحيات الجزائرية.

بين الحين والآخر، تبرز على مواقع التواصل الاجتماعي وبكثافة صور أو فيديوهات قديمة تعرض جمال العمارات والشوارع في مدينة ما في الجزائر خلال الاستعمار، تحت عنوان "الزمن الجميل". وهذا النوع من النوستالجيا الخبيثة، محاولة ترسم - عن وعي أو غير وعي - صورة بهية للاستعمار، بينما تكمن خلف تلك الصور والمشاهد بشاعة التمييز والظلم والطغيان الاستعماري والجهل وقهر الجزائريين. هناك فرق بين العلاقة مع الدولة الفرنسية، وبين المصالحة مع التاريخ، لذلك يتعين إبقاء عقدة التاريخ الدامي والمساءلة حول الإرث الاستعماري لدى باريس، وليس في الجزائر.

المساهمون