الجزائر... أولويات خارج النسق

الجزائر... أولويات خارج النسق

14 يوليو 2021
المطالب المركزية للحراك لم تكن اقتصادية واجتماعية (بلال بن سالم/Getty)
+ الخط -

صحيح أن الجزائر تعيش أزمة اقتصادية دائمة لم تنفك عقدتها أبداً، وأنتجت مشكلات اجتماعية متعددة ومزمنة لم تتخلص منها البلاد على مر عقود، وعلى امتداد مسارات من التجريب المستمر للأفكار الوافدة والحلول الركيكة، على الرغم من توفر الإمكانات المالية وجلاء الظروف المناسبة في بعض الفترات، إلا أنه في الأساس، الأزمة هي أزمة تدبير وحكامة وأخلاق، تجد أصلها في الفساد السياسي قبل كل شيء، وكل تكييف لهذه الأزمات خارج نسق الفساد السياسي هو هروب إلى التضليل.
يترأس التشكيل الحكومي الجديد في الجزائر رجل اقتصاد ومالية، هو أيمن بن عبد الرحمن. أمسك الرجل، للمرة الأولى في التاريخ السياسي للجزائر، بين رئاسة الوزراء ووزارة المالية، ومن المؤكد أن ذلك يعطي عنواناً واحداً للحكومة، بأنها حكومة أزمة تضع الأولويات الاقتصادية وتعديل السياسات النقدية والمالية في أول السطر. أمر جيّد أن يضع أي حاكم أو حكومة تحقيق العيش الكريم وتحسين البنى التحتية لمعيشة المواطن، وحل المعضلات- وهو الدور الأساس والمفترض للحاكم الذي يحترم عقده السياسي- كأولوية الأهداف الرئيسة لخطط العمل وبرامج التنمية. لكن في الحالة الجزائرية، ماذا سيغيّر ذلك في النهاية إذا كانت البيئة السياسية التي شلت قدرات البلد عن تحقيق أي منجز، وأعاقته عن الإقلاع الاقتصادي والسياسي، وأخفقت في خلق البدائل التنموية، هي نفسها.
من الجدير إنعاش الذاكرة سريعاً، بأن المطالب المركزية وعمق الشعارات التي رفعت على مدار عشرات الجُمعات في انتفاضة الحراك الشعبي منذ فبراير/شباط 2019، لم تكن ذات معنى اقتصادي واجتماعي مطلقاً، ولم تكن الانتفاضة انتفاضة جوع أو مطالبة بمناصب الشغل والسكن والصحة وتحسين ظروف العيش، كان ذلك سيسعد السلطة ويسهّل عليها إنفاق ما لديها لشراء السلم الاجتماعي بأشكال مختلفة. لكن الجزائريين كانوا يدركون بكل وعي، أن أزمة التعليم والصحة والدواء أصلها الفساد السياسي، وأن أزمة السكن والشغل والنقل نتاج فساد سياسي، وأنّ خراب البنى التحتية وعطب الزراعة والصناعة جزء أصيل من تحالف لوبيات الفساد مع الفاعل السياسي، وأنّ البيروقراطية والمحسوبية والجهويات فساد سياسي، وأن القضاء غير المستقل، ومعضلة تزوير الانتخابات، ومأزق الحريات، وغياب الصحافة المستقلة، هو الفساد السياسي بعينه.
تكرار التجارب الفاشلة نفسها في كل مرة من دون التعلم منها، يسيء إلى سمعة الشعوب وتاريخها، خصوصاً إذا تمت نفس التجارب في نفس الظروف وبنفس الأدوات والأدبيات والشخوص حتى، لأنه لن يكون هناك أي معنى للأولويات الاقتصادية والاجتماعية، طالما أنه لم يتم تعديل النسق، وإنهاء مجموع مظاهر الفساد السياسي وتغيير طريقة إدارة الحكم. في المرحلة الماضية، حَمَلت السلطة على عدد من رجال الكارتل المالي وحلفائهم السياسيين ومن العسكر أيضاً، وأطلقت (نسبياً) يد القضاء لمحاسبتهم. وفي لحظة ما، تصوّر الجزائريون أن هؤلاء هم كل إناء الفساد الذي في البلاد، بينما كان الفساد الحقيقي ما زال يسكن الجيب السياسي ويتركز في عمق صناعة القرار وتدبيره، ولعل الانتخابات النيابية المبكرة، مساراً ومخرجات، أكدت ذلك بما لا يدع مجالاً للشك.

المساهمون