التيار المشيخي–المتدين: ورقة الأسد الجديدة لإعادة تعويمه

التيار المشيخي–المتدين: ورقة الأسد الجديدة لإعادة تعويمه

11 ديسمبر 2020
لعب الأسد على مخاوف الشارع المتدين من طرح العلمانية (تويتر)
+ الخط -

يبدو أن رئيس النظام السوري بشار الأسد بدأ مرحلة جديدة من اللعب بالورقة الإسلامية السنية في سورية، استعداداً لدخول استحقاق الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها منتصف العام المقبل، مع إعلانه التحالف مع القوى الإسلامية الموالية له، والتي يعرفها بـ"الإسلام الشامي أو المعتدل"، واعتبار هذا التيار "رديفا للقوات النظامية"، معلنا الحرب على "الحرية والديمقراطية والعلمانية" تحت ذريعة أنها منتجات "الليبرالية الجديدة" التي تهدف إلى القضاء على الدين والدولة.  

وبعد أن استنزف الأسد حاضنته من الأقليات عبر ترهيبها من المشروع السني المتشدد والتكفيري، الذي استثمره الرئيس السوري السابق حافظ الأسد قبل أن يورث الحكم لابنه عام 2000، الذي لم يوفر بدوره جهدا في شيطنة المتظاهرين الذين خرجوا من الجوامع عام 2011، بالرغم من أنها كانت المكان الوحيد المتاح لتجمع السوريين، عبر اتهامهم تارة بالانتماء إلى جماعة "الإخوان المسلمين"، وتارة إلى الحركة "الوهابية"، في حين أطلق من سجونه آلاف السلفيين الجهاديين الذي سبق أن استخدمهم ورقةً في اللعبة الإقليمية والدولية، بهدف عسكرة ثورة السوريين وصبغها بالإرهاب والتشدد، مستفيدا مما يعرف بـ"الإسلاموفوبيا" لدى المجتمع الدولي، الأمر الذي تسبب بانقسام عميق في القيادات والشارع الإسلامي السني خلال السنوات العشر الأخيرة.

وظهر الأسد قبل أيام في الاجتماع الدوري الموسع لوزارة الأوقاف في دمشق، ليلقي كلمة مطولة رآها كثير من السوريين عملية مغازلة للشارع السني، وفتح الباب أمامه للعودة لأخذ تموضع جديد، لكن عبره، بعدما تعرض في السنوات الماضية للتشكيك والتخوين والأعمال الانتقامية، والكثير من الانتهاكات، مطلقا يد وزارة الأوقاف عبر استنفار من جهزتهم خلال الفترة الماضية من رجال دين موالين للنظام، لتسويق ما طرحه الأسد عبر الجوامع ووسائل الإعلام، وحتى مواقع التواصل الاجتماعي، بهدف حشد الشارع السني لمساندته خلال الاستحقاقات المقبلة، إن كان الاستفتاء على الدستور المزمع إنتاجه في جنيف عبر اللجنة الدستورية، أو الانتخابات الرئاسية المقبلة، والتي غالبا ما سيترشح لها، بحسب ما يرشح من النظام، في ظل عدم وجود حل سياسي على أساس القرارات الأممية الخاصة بالأزمة السورية.

وأبرز ما جاء في كلمة الأسد الإشادة بالمؤسسة الدينية واعتبارها رديفة للقوات النظامية، وأنها لو تخاذلت لانتصرت الفتنة، معتبرا أن ما تتعرض له من هجوم يعود لنهجها الصحيح، مدغدغا مشاعر الشارع المتدين عبر إعلان رفضه استبدال مادة التربية الإسلامية في المناهج التعليمية بالتربية الأخلاقية، التي تطالب بها شريحة من السوريين، الذين يعتبرون أن الأخلاق موجودة في جميع الأديان، وهي جامعة لكل الطوائف، معتبرا أن "الدين هو الضابط للأخلاق والرادع عن الانحراف وينظم العلاقات الأخلاقية".

كما لعب الأسد على مخاوف الشارع المتدين من طرح العلمانية وتضمنها فصل الدين عن الدولة، والتي تقدم ضمن رؤية بناء دولة المواطنة التي تقف على مسافة واحدة من جميع الأديان، ولا تقسم المناصب بها على أساس الانتماء الديني، وخاصة أن سورية تضم تنوعا واسعا دينيا وقوميا، مقدما ما أسماه "رأيا رسميا"، وهو أن "فصل الدين عن الدولة يتم عبر فصل الدولة عن المجتمع"، كما هاجم الأسد الليبرالية الحديثة معتبرا أن هدفها ضرب الأسرة عبر تقديم الفرد، معيدا سبب تفكك الأسرة السورية لهجمة الليبرالية.

لعب الأسد على مخاوف الشارع المتدين من طرح العلمانية وتضمنها فصل الدين عن الدولة، والتي تقدم ضمن رؤية بناء دولة المواطنة التي تقف على مسافة واحدة من جميع الأديان

وادعى الأسد أن "الهجوم على المؤسسة السنية وشخصياتها هو لأنهم يعملون على تكريس الدين الصحيح"، معتبرا أن "العلمانية هي حرية الأديان"، قائلا إن "مشكلة الليبرالية الحديثة هي إرادتها لدين مفرغ من مضمونه"، معتبرا أنها "العدو الحقيقي"، ومستفزا الشارع المتدين بأنها "تسوق زواج المثليين، وعدم إلزام الأطفال بدين عائلاتهم، وضرب إنسانية الإنسان"، واصفا إياها بـ"العقيدة"، وأنها "تجعل رغبات الفرد هي مرجعيته، وتحول الإنسان إلى حيوان"، معتبرا أن "الفرق بين الإنسان والحيوان ليس العقل، بل العقيدة".

ويعيد سوريون لعب النظام بشكل انتهازي بعواطف الشارع المتدين إلى استفادته من الطروحات الأولى لتأسيس حزب البعث في أربعينيات القرن الماضي، والتي تبنى بها المؤسسون فكريا الربط بين العروبة والإسلام، حيث عمل نظام الأسد، منذ نهاية الستينيات وبداية السبعينيات، مع صعود الأسد الأب وتسلمه الحكم، على الاستفادة من هذا الإرث.

وفي حين دعم قيادات دينية لقيادة الشارع المتدين وفتح الباب أمام بناء الجوامع ومعاهد تحفيظ القرآن، منع الصلاة في الجيش ومؤسسات الدولة والجامعات والمدارس، وأخضعها لرقابة أمنية صارمة، وحافظ الأسد الأب على إدارة الصراع بين الزعامات الدينية، الذين كان تقييمهم يتم على أساس الولاء له، وإدارة فساد ومكتسبات بعضهم، الأمر الذي فشل به الأسد الابن.

وضمن سياق توجهات رأس النظام الجديدة، ساهم وزير الأوقاف محمد عبد الستار السيد، الذي تسلم الوزارة منذ عام 2007 والمصنف إحدى أبرز الشخصيات المقربة من الأسد ورأس الحربة في مشروعه الديني، في إعادة هيكلة المؤسسة الدينية على أساس الولاء الأعمى له، والسيطرة على جميع التجمعات ومراكز القوى الدينية، وتمظهرت تلك السيطرة عبر قانون الأوقاف الصادر عام 2018، والذي أعطى النظام سيطرة كاملة على التجمعات والمؤسسات الدينية، والأهم أنه أطلق يده بالتصرف بأملاك الوقف الإسلامي، حيث تعتبر الوزارة من أغنى الوزارات بأملاكها الوقفية.

ضمن سياق توجهات رأس النظام الجديدة، ساهم وزير الأوقاف محمد عبد الستار السيد، ورأس الحربة في مشروعه الديني، بإعادة هيكلة المؤسسة الدينية على أساس الولاء الأعمى له

وقد أفرد السيد خطبة ألقاها في أحد مساجد محافظة طرطوس، نهاية الأسبوع الماضي، للحديث عن العروبة والإسلام، وعدم إمكانية الفصل بينهما، الأمر الذي يسوق له بذات الوقت حزب البعث، وأنهما عقيدتان أساسيتان في المنطقة، مهاجما فكرة سورية الكبرى والأمة السورية التي يتبناها الحزب "السوري القومي الاجتماعي"، عضو "الجبهة الوطنية الديمقراطية"، وهي تحالف حزبي يقوده حزب البعث العربي الاشتراكي الذي يترأسه الأسد، ما أثار موجة من الانتقادات، ودفع الحزب القومي الاجتماعي إلى إصدار بيان رفض لما طرحه السيد.

وكان نجل وزير الأوقاف ومدير أوقاف محافظة طرطوس عبد الله السيد، وهو عضو وفد النظام في اللجنة الدستورية، قد شن هجوما شرسا على شعارات الحرية والمساواة والديمقراطية والمواطنة واقتصاد السوق الحر وغيرها، الشهر الماضي، عبر خطبة في أحد جوامع مدينة طرطوس، بحجة أنها من نتاج "الليبرالية الجديدة"، وتصويرها أنها معادية للدين والقيم، في سياق تجييش الشارع الطروحات التي تتبنى جزءا كبيرا منها المعارضة السورية، معتبرا أن هذه الشعارات هي شعارات ظاهرة، لكن، بحسب زعمه، اعتبر أن الخطر الذي تمثله الليبرالية هو تهميش الدين وطرد عقيدته.