التوغل الإسرائيلي في سورية: ماذا تريد من الإدارة الجديدة؟

18 يناير 2025
جنود إسرائيليون في الجولان المحتل، 6 يناير 2025 (آفي أوهايون/رويترز)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- التوغل الإسرائيلي في سورية: تسعى إسرائيل إلى تقويض استقرار سورية عبر توغلات عسكرية في ريف درعا والقنيطرة، بهدف إبعاد التهديدات عن حدودها وتعزيز وجودها في المنطقة.

- ردود الفعل السورية والدولية: تطالب سورية باحترام سيادتها وتدعو لتدخل دولي لوقف الانتهاكات، بينما تسعى إسرائيل لجر الإدارة السورية إلى مفاوضات تطبيع، مما يشكل تحدياً للإدارة الجديدة.

- التحديات والمخاوف المستقبلية: يهدف التوغل الإسرائيلي إلى إعادة تشكيل الشرق الأوسط، مما يهدد الأمن القومي العربي، ويثير تساؤلات حول قدرة إسرائيل على تحقيق أهدافها في ظل مقاومة شعبية محتملة.

لم يتوقف التوغل الإسرائيلي في سورية منذ اليوم التالي لسقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول، مع اتخاذ الاحتلال الإسرائيلي من المخاوف الأمنية ذريعة لذلك، وسط مخاوف من أن يكون مخطط إسرائيل الحقيقي تفتيت سورية داخلياً وتقويض استقرارها، لإبعاد أي أخطار عن حدودها، مع ما يعنيه ذلك من إرباك نظام الحكم الجديد في سورية، ووضع عراقيل في طريقه. وفي سياق التوغل الإسرائيلي في سورية توغّل جيش الاحتلال، أمس الجمعة، في قرى وبلدات في ريف درعا الغربي والقنيطرة، جنوبي سورية، وذلك بعد أن نصب سواتر وحصّنها وثبّت نقاطاً في مناطق متقدمة وحيوية، وركّز نقاط مراقبة على قمم التلال المحيطة بالمناطق التي تطلّ على محافظة القنيطرة.


علي الحسين: إسرائيل تسعى جاهدة لتقويض استقرار سورية وتفكيكها

تزايد التوغل الإسرائيلي في سورية

وذكر الناشط المدني سعيد المحمد؛ من أبناء القنيطرة، لـ"العربي الجديد"، أنه في التوغل الإسرائيلي في سورية دخلت قوات عسكرية إسرائيلية صباح أمس الجمعة، سرية قوس النبعة المهجورة التي كانت تتبع لجيش النظام السوري المخلوع، وقامت بعملية تمشيط وتفتيش، ثم عادت وانسحبت باتجاه وسط مدينة البعث، إلى مبنى المحافظة. وكانت قوات الاحتلال برفقة عشرات الآليات العسكرية والجرافات، قد توغّلت الخميس الماضي في عشر بلدات وقرى، في المحافظة، منها صيدا الجولان، وكودنة، والمعلقة، وأم اللوقس، والمسيرتية، والقيد، وعين ذكر وصيصون والزانية، وعمدت إلى تجريف أحراشٍ وأراضٍ زراعية بين ريف درعا والقنيطرة، إضافة إلى القيام بعمليات تجريف طاولت مواقع عسكرية مهجورة في العشة، والحيران، وأبو غارة، وفجّرت مستودعات أسلحة ودمرت تحصينات وسحبت أسلحة من يد الأهالي، ثم انسحبت.

وفي اتصالات لـ"العربي الجديد" مع مخاتير قرى وبلدات في المنطقة، أكد محمد الجريدة مختار خان أرنبة وعضو هيئة المخاتير، أن قوات الاحتلال عزّزت تمركزها في تل أحمر الشرقي الاستراتيجي في ريف القنيطرة، معتبراً أن هذا الأمر تأكيد لنية الاحتلال المكوث في المحافظة. وطالب الإدارة الجديدة في سورية بالتصرف بسرعة حيال التوغل الإسرائيلي في سورية والتواصل مع جهات إقليمية ودولية للحصول على ضمانات بانسحاب سريع لقوات الاحتلال من القنيطرة والأراضي التي احتلتها بعد سقوط النظام. وكان وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني قد رد على هذه المزاعم، خلال مؤتمر صحافي الأربعاء الماضي في أنقرة، مؤكداً أن سورية "لن تكون مصدر تهديد لأي دولة بما فيها إسرائيل". وشدد في المقابل على ضرورة أن تحترم إسرائيل أمن وسيادة سورية، مؤكداً التزام الإدارة في دمشق باتفاقية فصل القوات لعام 1974، ووجوب الضغط الدولي على إسرائيل للانسحاب من الأراضي السورية التي احتلتها أخيراً. وأوضح الشيباني أن إسرائيل تستخدم محاربة حزب الله ذريعة لاستهداف سورية، مؤكداً أن الحزب غير موجود حالياً في سورية، وأن الإدارة السورية جاهزة لمنع أي تهديدات محتملة. كما أكد قائد الإدارة في سورية أحمد الشرع، أول من أمس الخميس، خلال استقباله في دمشق رئيس الحكومة، وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أن سورية مستعدة لاستقبال قوات من الأمم المتحدة في المنطقة العازلة، مضيفاً أن "ذريعة إسرائيل في تقدمها بالمنطقة باتت غير موجودة، وبعد تحرير دمشق فليس لها دور وعليها الانسحاب".

ولا يغيب عن سوريين كثر ملاحظة أن التغوّل الإسرائيلي في سورية قصفاً واحتلالاً لم يبدأ إلا منذ سقوط نظام الأسد، وهو ما يوحي بأن ذلك النظام كان يشكل ضمانة أمنية وسياسية لتل أبيب، بدليل أن أياً من التدمير الممنهج لقدرات سورية الدفاعية حصل أيام الأسد، كذلك أي تجاوز على الأراضي السورية بما يخالف اتفاقية الهدنة (1974) ما خلا احتفاظ إسرائيل باحتلال الجولان، لم يسجل طيلة حكم "الأسدَين" وكأن ذلك الحكم كان نموذجياً بالنسبة إلى الدولة العبرية، باستثناء ما يتعلق بتحويله سورية مسرحاً للنفوذ الإيراني ولحزب الله.

ويتفق كثير في سورية وخارجها على أن أبرز ما تريده إسرائيل من الإدارة السورية الجديدة، جرّها إلى مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة في مرحلة أولى تنتهي بعقد اتفاق لتطبيع العلاقات بين دمشق وتل أبيب، وهو ما من شأنه أن يعتبر انتصاراً دبلوماسياً كبيراً لحكام الدولة العبرية، مع أحد البلدان الحدودية والتي كانت تسمى "دول الطوق". اتفاق تطبيع علاقات وسلام بشروط إسرائيلية لا يُعيد الجولان إلى سورية ويضيف إلى لائحة بلدان الاتفاقات الإبراهيمية دولة شديدة الأهمية بالنسبة للعقل الإسرائيلي السياسي والحربي. أمر لا يُتوقع أن يكون خياراً سهلاً على الإدارة الجديدة في دمشق، هي التي تعوّل على مساعدة دول عربية وغربية للضغط على إسرائيل من أجل وقف قصف سورية والانسحاب من الأراضي التي احتلتها منذ الثامن من ديسمبر كمرحلة أولى.

وحول الأهداف الأخرى المحتملة من التوغل الإسرائيلي في سورية الحقيقية، قال الإعلامي علي الحسين، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إن إسرائيل تسعى جاهدة لتقويض استقرار سورية وتفكيكها، بهدف إضعاف أي مقاومة وإبعاد تهديدات مستقبلية عن حدودها الشمالية، مما يثير مخاوف جدية بشأن مستقبل المنطقة بأسرها. وأوضح أن سورية تعتبر ساحة صراع إقليمية ودولية، التي تسعى إسرائيل فيها إلى تحقيق أهداف استراتيجية على حساب وحدة سورية واستقرارها، مؤكداً أن مخططات إسرائيل تشكل تهديداً ليس لسورية فقط، بل للأمن القومي العربي وتزيد من حدة التوترات في المنطقة. وحول الخيارات المتاحة أمام الإدارة الجديدة للتعامل مع هذه التهديدات الإسرائيلية، رأى الحسن أن على الإدارة الجديدة طلب تدخّل دولي عاجل لوقف التصعيد ووقف الانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولي.

كذلك رأى الناشط حسين الحلبي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن التوغل الإسرائيلي في سورية مشكلة حتى لو انسحب الاحتلال من المناطق التي احتلها أخيراً. وأوضح أنه من خلال ما حصل منذ سبعة عقود في فلسطين، فإن إسرائيل تحاول من خلال توغلاتها تثبيت جواسيس واختراق المدن السورية لضمان مراقبة المنطقة ومنع أي نشاط عسكري مستقبلي بها. وأردف: وبذلك يتضح أيضاً أن من أهداف إسرائيل غير المعلنة، إرباك إدارة الشرع، ومحاولة جرها لحرب مواجهة مع الكيان، لضربها، ومن ثم شرعنة احتلال مناطق واسعة من سورية بحجة حماية نفسها من الإرهاب وتفكيك سورية إلى دويلات وكيانات منفصلة.


شادي دبيسي: إسرائيل غير قادرة على التوسع لعجزها على احتواء أي مقاومة شعبية ضدها

التطور الإسرائيلي التقني

من جهته، اعتبر الناشط السياسي شادي دبيسي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الاحتلال الإسرائيلي متطور تقنياً، ولا يحتاج إلى زرع جواسيس. واعتبر أن إسرائيل غير قادرة على التوسع كونها ليست قادرة على احتواء أي مقاومة شعبية ضدها، كما حصل ويحصل في قطاع غزة. ورأى أن جيش الاحتلال يحاول بعث رسائل طمأنة للجمهور الإسرائيلي في الداخل بأن لديه حكومة يقظة، وجيشاً قوياً، وأنه تتم مراقبة ما يجري في سورية عن كثب، وهو تحت السيطرة الإسرائيلية، وذلك بعد أن اهتزت ثقة الجمهور الإسرائيلي بالحكومة والجيش نتيجة مجريات الحرب في غزة. في السياق، رأى المحلل السياسي غازي دحمان، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الأفعال الإسرائيلية العدائية تجاه سورية تأتي في إطار ما أطلقت عليها حكومة بنيامين نتنياهو "إعادة تشكيل الشرق الأوسط، وصناعته من جديد، وفق معايير ومقاسات إسرائيلية، عبر تحويله إلى بيئةٍ منزوعة العداء لإسرائيل، تمنحها الأمان والسيطرة والتحكّم بمخرجاتها وتفاعلاتها". ولم يستبعد دحمان أن يكون هناك تخطيطاً إسرائيلياً لتفتيت سورية داخلياً خلال السنوات المقبلة، باعتبار ذلك مفتاح الأمان لها، لأن سورية قوية موحدة، ولا بد أن تشكل خطراً على إسرائيل في مرحلة ما، كما يعتقد بعض غلاة الحكومة المتطرفة في تل أبيب. وأضاف: من هنا نفهم التصريحات الإسرائيلية المتباعدة بشأن رغبة إسرائيل في دعم هذا الطرف أو ذاك في الداخل السوري، بغية تشجيع التمرد الداخلية على الحكومة في دمشق. ورأى دحمان أن تسعى حكومة الاحتلال لدفع الإدارة الأميركية المقبلة إلى تبني سياسات تخدم هذه الأهداف التقسيمية في سورية.