التوغلات الإسرائيلية في الجنوب السوري: ورقة ضغط لمفاوضات محتملة؟

13 يونيو 2025
جنود إسرائيليون في الجولان المحتل،30 إبريل 2025 (جلاء مرعي/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- شهد الجنوب السوري تصاعدًا في التوغلات الإسرائيلية، مع توغل في قرية بيت جن بريف دمشق، مما أدى إلى مقتل شاب واعتقال مدنيين، في محاولة للضغط على الحكومة السورية لتجاوز اتفاق 1974.
- تعتبر هذه التوغلات أداة ضغط تفاوضي لإسرائيل لتعزيز موقفها مع دمشق، وسط مساعٍ لاتفاق أمني جديد بدعم أميركي وإماراتي وتركي، رغم غياب حوار مباشر.
- تُعقّد التوغلات المشهد السياسي، حيث تستغل إسرائيل الوضع السوري الهش لمواصلة سياسة "العدوان اليومي"، مما يؤجل الحل السياسي.

كثفت قوات الاحتلال الإسرائيلي من اعتداءاتها وتوغلاتها في الجنوب السوري خلال الفترة الأخيرة تزامناً مع تصريحات وتسريبات عدة بشأن اتصالات بين الجانبين السوري والإسرائيلي برعاية أميركية بهدف التوصل إلى تفاهمات وربما اتفاقيات جديدة تتخطى اتفاق فصل القوات الموقع بين الطرفين عام 1974، والذي باتت إسرائيل تراه غير كافٍ.

العملية الأعمق

وفي أحدث هذه الانتهاكات الإسرائيلية، توغلت قوات الاحتلال فجر أمس الخميس في قرية بيت جن بريف دمشق الجنوبي الغربي، وشنت حملة مداهمات على منازل القرية. وأكدت مصادر من القرية لـ"العربي الجديد" أن الحملة أسفرت عن مقتل الشاب محمد حمادة وإصابة آخرين، إلى جانب اعتقال عدد من المدنيين. وجاءت العملية بالتزامن مع تعزيزات عسكرية إسرائيلية نقلت من تلة "قرص النفل" شمالي حضر وموقع "التلول الحمر" الفاصل بين بيت جن وحضر.

وائل علوان: إسرائيل ستواصل الضغط الاستفزازي بما هو أداة تحريض تفاوضي

وقال جيش الاحتلال في بيان، إن العملية التي نفذها في بيت جن "استندت إلى معلومات استخبارات جمعتها خلال الأسابيع القليلة الماضية" وأدت إلى اعتقال "عدد من إرهابيي حماس" اعتزموا تنفيذ "مخططات إرهابية متعددة" ضد مدنيين وجنود إسرائيليين في سورية، وفق زعمه. ولدى سؤال لوكالة "رويترز" لجيش الاحتلال عما إذا كانت المداهمة قد أسفرت عن سقوط قتلى، ردّ بأن أعيرة نارية أطلقت على أحد المشتبه بهم لدى محاولته الفرار و"رصدنا أنه أصيب بها"، وفق ادعاءاته. من جهته، أكد متحدث باسم وزارة الداخلية السورية للوكالة أن سبعة أشخاص اعتلقوا في بيت جن على يد القوات الإسرائيلية، ونفى كونهم تابعين لحركة حماس، مؤكدا أنهم مدنيون من سكان المنطقة. كما أكد سقوط قتيل بنيران إسرائيلية.

وتعد عملية التوغل هذه الأعمق في ريف دمشق الجنوبي الغربي منذ سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي، حيث انتشرت قوات الاحتلال للمرة الأولى داخل أحياء بيت جن في الجنوب السوري وسط إطلاق نار كثيف في الهواء، وتهديدات للأهالي بعدم مغادرة منازلهم. كما سبق أن توغلت القوات الإسرائيلية يوم أول من أمس الأربعاء في قرية القحطانية بريف القنيطرة المجاورة، وأجبرت السكان على البقاء في منازلهم دون إعلان أسباب واضحة. وفي هذا الإطار أيضاً، أوقفت قوات الاحتلال سيّارة نظافة تابعة لمجلس مدينة القنيطرة قرب بلدة القحطانية، واقتادت ثلاثة عمّال إلى داخل الجولان المحتل لمدة ساعتين، قبل إطلاق سراحهم بدون تفسير.

وتندرج العمليات الإسرائيلية ضمن نمط متكرر من التوغلات المحدودة في الجنوب السوري وفقاً للمحامي باسل سعيد مانع، الذي أكد في حديث لـ"العربي الجديد"، أن هذه التحركات ليست مفاجئة رغم توقيتها المقلق. إلا أنه ميّز بوضوح بين هذه المناورات وبين تصعيد استراتيجي مفتوح، مشيراً إلى غياب مؤشرات على وجود تحول جوهري في السياسة الإسرائيلية.

توغلات الجنوب السوري أداة ضغط

هذا الرأي يتقاطع مع تحليلات الباحث في مركز جسور للدراسات وائل علوان من دمشق، الذي أوضح لـ"العربي الجديد"، أن هذه التوغلات في الجنوب السوري "تراجعت نسبياً في الفترة الماضية بسبب الضغط الأميركي الأوروبي على الكيان، وليس نتيجة المفاوضات غير المباشرة التي جرى الحديث عنها". ولفت إلى أن تصاعد التوغلات أخيراً قد يكون في سياق ضغوط إسرائيلية لتحديد مسار العلاقة مع الحكومة السورية باتجاه محدّد قائم على فرض الوقائع التي تريدها إسرائيل، معتبرا أن تلك قد تكون محاولة إسرائيلية، لكن ليس بالضرورة أن تنجح. واستبعد علوان وجود "طاولة حوار مباشرة بين دمشق وتل أبيب".

لكن موقع أكسيوس الأميركي نقل عن مصادر أميركية أن هناك مساعي إسرائيلية لتحقيق "اتفاق أمني مُحدث" يستند إلى اتفاقية فضّ الاشتباك لعام 1974، مع سعي طويل الأمد لاتفاق سلام شامل. وبحسب الموقع، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أبلغ المبعوث الأميركي إلى سورية توم برّاك الأسبوع الماضي، أن إسرائيل مهتمة بالتفاوض مع الحكومة السورية في ظلّ وساطة الولايات المتحدة. وقال مسؤول إسرائيلي للموقع إن "نتنياهو مهتم بالتفاوض على اتفاقية أمنية مُحدّثة والعمل على التوصل إلى اتفاق سلام شامل". وأكد المسؤول أن الإسرائيليين أبلغوا برّاك أنهم سيحتفظون بقواتهم في الجنوب السوري حتى توقيع اتفاقية جديدة تتضمن نزع السلاح من جنوب سورية.

ويثير صمت الحكومة السورية الرسمي إزاء الاقتحامات والتوغلات الإسرائيلية في الأراضي السورية تساؤلات خصوصاً في ظلّ تسريبات عن لقاء جمع الشرع برجل دين يهودي (الحاخام أبراهام كوبر) مرتبط بإسرائيل قبل أيام. وتكتسب هذه الواقعة أهمية خاصة في سياق ما أورده الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد لقائه بالشرع من أن الأخير "مستعد لتطبيع العلاقات مع إسرائيل لكن الأمر سيستغرق وقتاً"، وهو التصريح الذي لم تعلّق عليه دمشق بشكل مباشر، لكن الشرع أكد تمسكه باتفاق فضّ الاشتباك لعام 1974.

أكسيوس: مساعٍ إسرائيلية لتحقيق اتفاق أمني مُحدث مع دمشق

ورأى الباحث وائل علوان أن البيئة الحالية "ملائمة لمفاوضات غير مباشرة لكنها لن تثمر عن نتائج في المنظور القريب". واستند في هذا التحليل إلى شبكة من التحديات المتشابكة، مثل إعادة تفعيل اتفاقية فضّ الاشتباك المتهالكة منذ نصف قرن، والرفض السوري للتدخل الاسرائيلي في شؤون إعادة بناء الجيش والدولة، وإشكالية عدم وجود قوات دولية فاصلة على الحدود. كما رجّح علوان أن "إسرائيل ستواصل الضغط الاستفزازي بما هو أداة تحريض تفاوضي"، مشيرا إلى دور الوساطات الأميركية والإماراتية والتركية في كبح التصعيد دون قدرتها على إيقافه.

وربط علوان المصير التفاوضي السوري بالإطار العربي الجماعي، قائلاً إن "دمشق لن تذهب في علاقة منفردة استراتيجياً، بل ضمن الإطار العربي السائر نحو علاقة متوازنة في التطبيع". هذا التوجه يتجسد في الموقف السوري الرسمي الذي يؤيد العودة إلى اتفاق 1974، بينما تدفع إسرائيل باتجاه تحديثه عبر تسويات أمنية متدرجة.

من جهته، قال الناشط السياسي من السويداء نزار أبو فخر، لـ"العربي الجديد"، إن التوغلات الإسرائيلية الأخيرة في جنوب سورية تشكل استمراراً لحملة منهجية بدأت بعد سقوط النظام السابق، تم خلالها تدمير البنى العسكرية الموروثة بشكل ممنهج، معتبراً أن الهدف الأساسي من هذه الحملة هو حرمان "سورية الجديدة" من أي قدرة عسكرية تمكنها من مواجهة التطلعات الإسرائيلية التوسعية، وبالتالي تعزيز السيطرة الإسرائيلية على النقاط الاستراتيجية المحيطة بالحدود. وأشار أبو فخر إلى "مفارقة جوهرية في السياسة الإسرائيلية، فبينما تعلن تل أبيب رسمياً سعيها لإبرام اتفاق سلام مع دمشق، فإنها توازن ذلك بتوسعٍ ميداني على الأرض". وهذا التوسع، وفق أبو فخر، يهدف إلى خلق واقع أمني جديد يهدد دمشق مباشرة، ما يعزّز الموقف التفاوضي الإسرائيلي قبيل أي محادثات مستقبلية.

وحذر الناشط من أن كل عملية توغل إسرائيلية تُمثّل "قضماً" للأراضي السورية، تتحول لاحقاً إلى "ورقة تفاوضية" جديدة تضاف إلى أوراق اللعبة السياسية. وهذه التحركات، بحسب رأيه، تُعقّد بشكلٍ متعمد ملف الجولان السوري المحتل منذ 1967، عبر خلط أوراق التفاوض بحدودٍ جديدة متحركة، لافتاً إلى أن إسرائيل تستغل الواقع الهشّ للحكومة السورية، المتمثل في التشتت الأمني والعسكري الذي يكبح قدرتها على الرد، كما تستغل الضعف الاقتصادي المستفحل وغياب الغطاء السياسي الموحد. ورأى أن هذه العوامل مجتمعةً تتيح لإسرائيل مواصلة سياسة "العدوان اليومي" بدون تكلفة تذكر، في مشهدٍ يعكس اختلال موازين القوى لصالح القوة المحتلة، ويُؤجل أي أفقٍ حقيقي للحل السياسي.