التوترات تحيط بشبوة: أطماع الحوثيين و"الانتقالي"

التوترات تحيط بشبوة: أطماع الحوثيين و"الانتقالي"

16 نوفمبر 2021
تسيطر قوات الشرعية على شبوة منذ عامين (صالح العبيدي/فرانس برس)
+ الخط -

على الرغم من أن محافظة شبوة اليمنية تعيش حالة من الاستقرار والهدوء، وتشهد ازدهاراً على المستويين التنموي والأمني منذ ما يقارب العامين، وتحديداً بعد سيطرة القوات الحكومية على المحافظة، أواخر أغسطس/ آب 2019، بعدما دخلت في مواجهات مباشرة مع "النخبة الشبوانية" المدعومة إماراتياً، إلا أن آمال المجلس الانتقالي الجنوبي ما زالت قائمة بإعادة السيطرة على المحافظة، التي كانت تقع حتى 21 سبتمبر/ أيلول الماضي تحت سيطرة الحكومة الشرعية بكامل مديرياتها، قبل سقوط ثلاث مديريات دفعة واحدة بيد الحوثيين. سيطرة الحكومة على شبوة قبل نحو عامين، كان لها الأثر الإيجابي في وحدة القرار السياسي والعسكري، ودوران عجلة التنمية في المحافظة، فوقّعت السلطة المحلية عشرات العقود في مجال الطرقات والصحة والصرف الصحي في عتق، عاصمة المحافظة، وتم إنشاء جامعة شبوة التي تعد الإنجاز الأبرز للمحافظة. وعلى الجانب العسكري والأمني، تم تأهيل وحدات أمنية مدربة لإرساء الأمن داخل المحافظة ودعم الاستقرار.

وفي ظل التغيرات الحديثة في المشهد اليمني، تظل العين على محافظة شبوة، التي شهدت أخيراً انسحاب القوات الإماراتية من معسكر العلم، شرق مدينة عتق، أعقبه انسحاب قوة سعودية من مطار عتق، بالتزامن مع مطالبة محلية بخروج القوات الإماراتية من ميناء بلحاف الغازي الذي حوّلته إلى ثكنة عسكرية وأعاقت إعادة العمل فيه بعد توقفه في بداية الحرب عام 2015.

وبرزت في الآونة الأخيرة عودة المجلس الانتقالي للتصعيد، إذ حذر في بيان أصدره لأنصاره داخل شبوة، في سبتمبر الماضي، السلطة في المحافظة من أي محاولة لتمزيق النسيج الاجتماعي لإضعافه، وإسكات الأصوات التي تنادي بأحقية القضية الجنوبية في الكشف عن الانتهاكات التي يتعرض لها أبناء المحافظة، وفق تعبيره. كما دعا أنصاره للتظاهر في مختلف مديريات شبوة تنديداً بجرائم السلطة "الإخوانية" وعصاباتها، كما جاء في البيان، والذي شدد فيه على رفضه التام لتصرفات السلطة في شبوة التي قال إنها تعبث بمقدرات المحافظة على حساب مصلحة أبنائها. وضمّن بيانه مطالب عديدة، أبرزها عودة "النخبة الشبوانية" بحسب اتفاق الرياض، كما ذكر.

وقال قيادي من الانتقالي في شبوة، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن "الانتقالي في شبوة منذ تأسيسه وحتى اليوم يعمل على حل مختلف القضايا المجتمعية والسياسية في المحافظة، ويبذل جهداً كبيراً في هذا الشأن انطلاقاً من إيمانه بأن السلم المجتمعي في المحافظة وعموم المحافظات الجنوبية يُعتبر من متطلبات حل القضية الجنوبية". وأضاف أن هناك قوى لا يروق لها ذلك وتسعى بكل ما أوتيت من قوة لتأجيج الصراعات بين مختلف الأطراف في المحافظة، مضيفاً أن المجلس في شبوة ممثلاً برئيس القيادة المحلية علي الجبواني يسعى لحل النزاعات مع السلطة المحلية من أجل إبعاد شبوة عن المماحكات السياسية والاصطفاف صفاً واحداً في وجه جماعة الحوثي التي أسقطت مديريات بيحان الثلاث خلال ساعات، "إلا أن دعواتنا قوبلت بالرفض من قبل محافظ المحافظة واللوبي الإخواني"، كما قال.


عاد البرلماني عوض محمد العولقي ابن الوزير إلى شبوة معلناً سعيه لحماية المحافظة من الحوثيين

وما زاد من التساؤلات والمخاوف على استقرار المحافظة، عودة البرلماني المؤتمري عوض محمد العولقي ابن الوزير، الأسبوع الماضي، إلى محافظته شبوة بعد سنوات من الغياب عنها، وظهوره في مقطع فيديو وهو يتحدث عن أسباب عودته متظللاً بقبيلته، معلناً سعيه ومن أراد من أبناء شبوة لحمايتها من خطر عودة الحوثيين إلى بقية مديريات شبوة. ودعا جميع أبناء المحافظة والقبائل للقاء تاريخي، كما سمّاه، في منطقة الوطاة بمديرية نصاب، اليوم الثلاثاء، لتلقى دعوته ترحيباً من المجلس الانتقالي. وجعلت عودته بعض الجماهير ترفع سقف توقعاتها، ودفعت بعض الحشود القبلية للتوجه لمقابلته في مقر سكنه في مديرية نصاب، غرب مدينة عتق، بل إن وفداً من المجلس الانتقالي في شبوة التقاه لبحث آخر التطورات.

لكن مصدراً متابعاً قال لـ"العربي الجديد"، إن ابن الوزير بقي لأشهر في صنعاء التي تقع تحت حكم الحوثيين عندما سيطر هؤلاء على شبوة في 2015، من دون إصدار أي ردة فعل على ما يحدث للمحافظة التي ينتمي إليها، قبل مغادرته إلى الرياض وتعيينه مستشاراً للرئيس عبدربه منصور هادي.

وبعيداً عن دعوات المجلس الانتقالي المتكررة في شبوة للخروج ورفض "السياسات القمعية" التي يتّبعها محافظ شبوة محمد صالح بن عديو، كما يسميها أنصار الانتقالي، ومحاولة حلحلة الأمور عن مكانها، لم ينجح المجلس منذ سقوطه في أغسطس/ آب 2019 بجذب الجماهير داخل المحافظة كالسابق، وليس من الواضح بعد حتى عقب عودة ابن الوزير إلى المحافظة ودعوته للقاء يجمع أبناء المحافظة، إن كان المجلس بقوته القبلية "الجديدة" سيحقق تغييراً يطمح إليه داخل المحافظة.

خلفية الصراع
يعود أصل الاحتقان الدائر بين المجلس الانتقالي والحكومة الشرعية ممثلة بالسلطة المحلية في محافظة شبوة، إلى أسباب عديدة، على رأسها المواجهات التي دارت بين القوات الحكومية و"النخبة الشبوانية"، الجناح العسكري للانتقالي في المحافظة، في أغسطس/ آب 2019، بعد سيطرة القوات الحكومية على معسكر ثماد المستحدث من قبل "النخبة الشبوانية"، شرقي مدينة عتق. نتيجة لذلك اندلعت مواجهات عنيفة بين الطرفين، أدت إلى خروج قوات النخبة من مدينة عتق، لتُحكم الشرعية سيطرتها على المباني والمعسكرات التي كانت تسيطر عليها النخبة، وعلى المحافظة بأكملها.
لم يتوقف الأمر عند ذلك، فبعد اندلاع المواجهات ووصولها إلى ذروتها، تُرك المقاتلون من "النخبة الشبوانية" في مواجهة الجيش من دون حماية لظهورهم، بعدما انسحبت القوات الإماراتية التي كانت تُقدّم الدعم المباشر للنخبة، إلى منطقة العلم، شرق المحافظة، ما أدى إلى هروب المقاتلين من المواجهة وتفتت مشروع "النخبة الشبوانية" كقوة لها تأثير عسكري قوي آنذاك.

ظل منتسبو النخبة يترددون على معسكر العلم، وهو آخر معسكر للقوات الإماراتية في شبوة، لتلقي المخصصات الشهرية التي تصرفها لهم الإمارات، من دون إثارة ضجة. إلا أن المجلس الانتقالي أصدر بياناً حينها قائلاً إن قوات النخبة فضّلت المرونة وتحكيم العقل من منطلق الحفاظ على النسيج الاجتماعي والاستقرار في شبوة. ولكن في الوقت نفسه، طالب المجلس أنصاره برصّ الصفوف والجاهزية التامة تحسباً لساعة الصفر التي ربما تحين في أي وقت.
كان ذلك عقب اشتباكات عدن بين القوات الحكومية وقوات الانتقالي، بعدما طالب نائب رئيس المجلس الانتقالي هاني بن بريك، "المقاومة الجنوبية" بالنفير العام للتوجه نحو قصر المعاشيق الرئاسي الذي يوجد فيه رئيس الحكومة معين عبد الملك وبعض وزرائه، وتمكنت قوات الانتقالي بعد مواجهات شديدة من السيطرة على العاصمة المؤقتة عدن، والتي كان من المفترض أن تبقى العاصمة التي تدير عمليات عودة البلاد تحت جناح الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً التي تخوض معارك أخرى مع جماعة الحوثيين في مناطق مختلفة.


حاول المجلس الانتقالي إحكام سيطرته على عتق بشكل كامل لكن آماله خابت


كبرت آمال الانتقالي حينها ودفع قواته العسكرية نحو عتق، عاصمة شبوة، لإحكام سيطرته بصورة كلية مثلما فعل في عدن، لكن سرعان ما خابت آماله، لأن السعودية التي تقود التحالف هي التي كانت تقدم الدعم المباشر للجيش اليمني الذي حقق هذا الانتصار على النخبة.
بعد تطور الصراعات في عدن وشبوة وأبين، بين القوات الجنوبية والحكومة الشرعية، تحت مظلة "التحالف العربي" الذي تقوده السعودية والإمارات، رجحت كفة المجلس الانتقالي على الشرعية في السيطرة على أجزاء واسعة من المناطق المحررة في عدن وما حولها في أغسطس/ آب 2019. عقب ذلك وضعت السعودية بالاشتراك مع تحالف دعم الشرعية في اليمن خريطة طريق لوقف النزاع بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي أطلق عليها اسم "اتفاق الرياض" وجرى التوقيع عليه في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019.

أفضى ذلك الاتفاق إلى مناصفة في الحصص الوزارية بين الشمال والجنوب وإلى اتفاقات أخرى، وكان من أبرز البنود العسكرية عودة القوات الحكومية إلى أماكن تمركزها في المحافظات الثلاث التي وقعت الاشتباكات فيها (عدن وأبين وشبوة) بكامل عدتها ودمج التكتلات العسكرية بالقوات الحكومية، خلال فترة قصيرة من توقيع الاتفاق.
لكن اتفاق الرياض بقي مجرد ورقة على الطاولة لفترة طويلة، حتى إبريل/ نيسان 2020 حين أعلن الانتقالي عن "الإدارة الذاتية" للمحافظات الجنوبية، والذي كان أشبه ببيان انفصال، وسرعان ما لقي استهجاناً ورفضاً من الحكومة الشرعية ومحافظي المحافظات الجنوبية، منهم محافظ شبوة محمد صالح بن عديو.

ثم جاء تشكيل "حكومة المناصفة" برئاسة معين عبد الملك في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، انطلاقاً من المحاصصة بين الأطراف السياسية المنضوية تحت إدارة الامارات والسعودية، وأبرزها الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي. لكن على الرغم من حصول المجلس على وزارات رئيسية، إلا أنه استمر بالاعتراض على القرارات الرئاسية، كان آخرها استهجانه لما سمّاها قرارات أحادية الجانب بشأن التعيينات في شركة مصافي عدن، وشركة النفط التي عُيّن عمار العولقي، وهو من أبناء شبوة، مديراً لها. جاء ذلك الاستهجان في تغريدة على "تويتر" للمتحدث الرسمي باسم المجلس علي الكثيري، عبّر فيها عن رفض المجلس لهذه التعيينات.

تأثير القبيلة في شبوة
تُعتبر القبيلة في مجتمع شبوة كياناً اجتماعياً متنوعاً بدرجة أولى، بالتالي ليس هناك موقف سياسي موحد للقبيلة في شبوة. أدى هذا التنوع المجتمعي داخل المجتمع الشبواني إلى اختلاف الانتماءات السياسية ليس داخل القبيلة فحسب، بل داخل البيت الواحد. في المقابل، تبنّت القبيلة الشبوانية الكثير من الوساطات التي سعت لتسوية الخلافات والخروج بحلول قبل انفجار الأوضاع بين الأطراف داخل المحافظة، كانت آخرها الوساطة للإفراج عن قوات إماراتية احتجزتها مجموعة قبلية في سبتمبر الماضي، لتنتهي بالاتفاق على مغادرة القوات الإماراتية من معسكر العلم الاستراتيجي في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

وتحتفظ القبيلة في شبوة باحترامها للروابط الاجتماعية في ما بينها، كالمصاهرة، إذ تعتبر من أبرز الأسباب التي ربطت بين العائلات ووثقت الصلة بين القبيلة والأخرى. هذه الروابط كان لها تأثير إيجابي في رأب الصدع ومقاربة الحلول لتوحيد كلمة القبيلة بعيداً عن الخلافات داخل المجتمع الشبواني، الذي عانى لفترات طويلة بعد قيام الجمهورية اليمنية من التهميش والإقصاء السياسي والعسكري وحرمان المحافظة من العائدات النفطية التي تنتجها. غير أن المحافظة سقطت في فخ الثارات القبلية لفترة طويلة ولم توجد الحكومة حلاً جذرياً لهذه المسألة التي تُعتبر المطب الأول لنهضة المحافظة.


لم تتبن القبائل في شبوة خطاباً ينحاز للسلطة الشرعية أو المجلس الانتقالي


وفي الصراع بين المجلس الانتقالي والسلطة الشرعية، لم تتبنَ القبيلة الشبوانية خطاباً سياسياً ينحاز لطرف معين، وكانت القبائل في شبوة قبل توغل الحوثيين إلى المحافظة قد ظهرت في تجمعات كبيرة أكدت من خلالها عزمها على مقاتلة الحوثيين كونهم يعتبرون طرفاً آتياً لبسط قوته المذهبية أمام مجتمع شافعي وقبلي. لكن بحكم أن العديد من مشايخ القبائل كانوا مع بداية الحرب عام 2015 مقربين من الرئيس السابق علي عبد الله صالح، حليف الحوثيين مع بداية الحرب، سقطت المحافظة بيد الجماعة حينها، بتسهيلات كبيرة قُدّمت للحوثيين مهدت لهم الطريق. لكن لم يطل بقاء الحوثيين، فبعد أربعة أشهر من السيطرة على عتق، عاصمة المحافظة، انسحبت جماعة الحوثي لتحل محلها القوات الحكومية. ومع أن القبيلة منذ ذلك الحين سعت لتخفيف حدة الصراعات بالمحافظة بشكل حثيث، إلا أن محافظ المحافظة لم يعتمد عليها في المقام الأول في ما يخص العمليات العسكرية، بل تم تأسيس وحدات أمنية مدربة للحفاظ على الأمن في المحافظة بمواجهة أي طارئ قد يحدث. وهذا ما حدث في أغسطس 2019 عندما سيطر الجيش الحكومي على العاصمة عتق بعد اشتباكات عنيفة مع قوات "النخبة الشبوانية"، فلم تتدخل القبيلة مع أي طرف، ذلك لأن منتسبي النخبة والجيش الحكومي من أبناء المحافظة.

وشرح الناشط السياسي ياسر الصايلي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "القبائل رافد مهم وأساسي في دعم الجيش الوطني وإسناده بالمقاتلين والقيادات العسكرية، وقد ضحت القبائل بالآلاف من أبنائها في حرب الشرعية مع المليشيات في اليمن ولكن تحت يافطة الجيش ووزارة الدفاع"، مضيفاً "أما القتال منفردة فهو غير وارد في هذه الفترة، وهذا ما أفصح عنه محافظ شبوة في اللقاء الموسع الذي انعقد في عاصمة شبوة مع شيوخ وشخصيات اجتماعية وقبلية في المحافظة بعدم قتال الحوثي بالطريقة التقليدية، لا سيما أن جماعة الحوثي تقاتل بطريقة حرب الجيوش لا حرب القبائل والمليشيات"، لافتاً إلى أنه لا مانع من مشاركة القبيلة تحت راية الجيش الوطني بعد تأهيل مقاتليها وتدريبهم. ولفت إلى أن القبيلة موجودة بقوة داخل الجيش الوطني في محافظة شبوة من خلال قيادات الألوية والأركان والكتائب والأفراد، فأغلب مكونات الجيش في شبوة من أبناء القبائل.

وعن موقف قبيلة بلحارث، التي تسيطر على حقول النفط، من الانتقالي ومن الشرعية، أشار الصايلي إلى أنها "قبيلة عريقة ولها مواقف مشهودة وكبيرة في الوقوف إلى جانب الشرعية والجيش الوطني، أما وجود أصوات فيها ترتفع بين الحين والآخر مناصرة للانتقالي فهذا لا يعني ولاء القبيلة للانتقالي، فكما أن هناك قيادات من القبيلة في الانتقالي، هناك قيادات عسكرية ومدنية من القبيلة في الشرعية". وبالنسبة لسيطرة هذه القبيلة على حقول النفط، فأوضح أنها لم تدّعِ سيطرتها على حقول النفط، ولكن الحقول تقع في أراضيها، وللقبيلة بعض المطالب في العمل والحراسات والمقاولات كأصحاب امتياز، أما الحقول فتوجد فيها حراسات وقوات تتبع لوزارة الدفاع اليمنية التابعة للشرعية.

المساهمون