التوافق الليبي على العودة للدستور أساساً للحلّ: الشيطان في التفاصيل

التوافق الليبي على العودة للدستور أساساً لخريطة طريق جديدة: الشيطان في التفاصيل والقبول الدولي

11 يناير 2022
بدأت ملامح خريطة الطريق التي تعتزم الأطراف الليبية وضعها بالوضوح (محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -

بدأت ملامح خريطة الطريق، التي تعتزم الأطراف الليبية وضعها لتوضيح مسار المرحلة المقبلة، بالوضوح تدريجياً في اتجاه العودة إلى الدستور، ليكون عنواناً لطريق الحل للإشكالات التي اعترضت إجراء الانتخابات في السابق، وسط مخاوف داخلية وتوجّس خارجي من إمكانية أن تكون الخريطة المنتظرة طريقاً تمدّد من خلاله الأطراف السياسية الحاكمة حالياً فترة وجودها إلى مراحل تتجاوز عمر خريطة الطريق التي تنتهي في يونيو/حزيران المقبل، وبالتالي تأجيل الانتخابات إلى مدد أطول.

وفي آخر اجتماعاتها، عقدت اللجنة النيابية المكلفة إعداد خريطة طريق للمرحلة المقبلة، أمس الاثنين، اجتماعاً مع لجنة التواصل بالهيئة التأسيسية لدراسة مقترحات للخروج من الأزمة الدستورية، قبل أن تعقد اجتماعاً آخر مع المفوضية العليا للانتخابات.

وبحسب بيان اللجنة، فإنها استمعت لعرض من لجنة التواصل بالهيئة التأسيسية لصياغة الدستور حول المسار الدستوري والمراحل التي مرّ بها إلى أن وصل إلى نقطة النهاية، وهي الاستفتاء، مشيرة إلى أنه تم الاتفاق على "إعمال الوثائق الدستورية والقوانين النافذة، وأهمية الاحتكام للشعب الليبي، وإنهاء المراحل الانتقالية".

وعن لقائها بمفوضية الانتخابات، قالت اللجنة النيابية إنه تم الاتفاق على أن تحدّد المفوضية جدولاً زمنياً للعملية الانتخابية "وفق دستور مستفتى عليه"، بعد أن استعرضت مع رئيس المفوضية عماد السائح أسباب توقف عملية الاستفتاء في السابق، و"مخاطر تنفيذ مشروع الدستور في حال عدم التوافق عليه أو رفضه".

والدستور المعني هو المسودة التي توافق عليها أعضاء الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور منذ يوليو/تموز 2017، واختلف مجلسا النواب والدولة بشأن ضرورة طرحها للاستفتاء منذ ذلك الوقت، ففب حين طالب مجلس الدولة بضرورة أن تكون أساساً دستورياً للانتخابات، رفض مجلس النواب ذلك بحجة وجود خلافات حول بعض مواد المسودة.

وتتوافق الخطوات الحالية مع ما كشفت عنه مصادر ليبية مطلعة لـ"العربي الجديد"، في أوقات سابقة، عن عزم مجلسي النواب والدولة الدفع بالمسار الدستوري إلى واجهة المشهد، "بحجة أنه الحلّ والضمان لعدم تكرار أسباب فشل إجراء الانتخابات في موعدها الماضي يوم 24 ديسمبر/كانون الأول"، وذلك من خلال "تشكيل لجنة لتعديل مسودة الدستور"، والاستفتاء عليها وإحالتها إلى مفوضية الانتخابات لتبدأ العمل عليها كأساس دستوري للانتخابات المقبلة.

تعديلات على مسودة الدستور؟

وأثارت العودة المفاجئة من جانب مجلس النواب لاعتماد الدستور أساساً لحلّ الإشكالات القانونية السابقة بشأن الانتخابات مخاوف لدى أوساط الليبية، خصوصاً مع التقارب المفاجئ أيضاً مع مجلس الدولة، خصمه التقليدي، الذي لطالما شكل طرفاً معه في عرقلة مسارات التوافق السياسية طيلة السنوات السابقة.

وفيما يرجح أستاذ القانون الدستوري بالجامعة الليبية سليمان الرطيل أن الاتجاه نحو الدستور ليكون حلاً للنزاع حول الأساس القانوني هدفه بقاء الأجسام السياسية في الحكم أطول مدة ممكنة، يلفت إلى أن مساعي اللجنة النيابية لا تقترح مسودة الدستور في شكلها الحالي، وإنما تدعو إلى إعادة فتحها لإجراء تعديلات عليها.

وقال متسائلاً لـ"العربي الجديد": "كيف سيتوافق المجلسان وكافة الأطراف الليبية على موادها الخلافية التي لا يمكن الاتفاق عليها، كمسألة شرط عدم ازدواج الجنسية والبراءة الجنائية لشاغلي المناصب العليا، التي كانت إلى وقت قريب تشكل أساس المشاكل في القوانين الانتخابية؟"، محذراً من أن ينعكس فتح الدستور للتعديلات سلباً، ويفتح باب التقسيم الفعلي للبلاد.

ويوضح الرطيل أن المسودة لم تحدّد عاصمة البلاد بعد أن حدث نزاع بين أعضاء الهيئة الدستورية، بسبب مطالب ممثلي شرق ليبيا بأن تكون بنغازي عاصمة ثانية، وهو ما سيفتح الباب لجدل الأقاليم، وحق الجنوب أيضاً في أن تكون سبها عاصمة ثالثة مثلاً. وقال: "التسويق الإعلامي لسهولة التوافق على تعديل مسودة الدستور أمر مريب جداً وأهدافه غامضة".

لكن في المقابل، يدافع عضو مجلس النواب محمد سعيد عن الخطوة، ويقول متحدثا لـ"العربي الجديد" إن "ما يتم حتى الآن هو جلسات للتشاور، ولم يتم إقرار ذلك"، معتبراً أن "تقارب مجلس النواب ومجلس الدولة أمر إيجابي، ويمكن أن تُعتمد خريطة الطريق أساساً دستورياً آخر"، نافياً أن يكون لدى مجلس النواب نية في البقاء، "وإلا لما تمسك بالانتخابات وضرورة إجرائها، وفي كل مرة يقدم التسهيلات المطلوبة كالقوانين الانتخابية في السابق".

لكنه أساس "تقارب غير صادق"، كما يصفه الناشط السياسي الليبي الجيلاني ازهيمة، الذي يذكّر بأن الانتخابات لم تفشل برمتها، ويقول متحدثاً لـ"العربي الجديد" إن "الانتخابات الرئاسية هي التي فشلت، أما البرلمانية فلا حديث عنها، ولو كانت الأجسام الحاكمة الآن لا تسعى للبقاء، فلماذا لا تجرى انتخابات برلمانية ويستلم مجلس النواب الجديد مهمة العمل على الدستور بالاستفتاء عليه أو تعديله؟".

ويرى ازهيمة أن توافق مجلسي النواب والدولة مؤشر على وصولهما إلى المرحلة النهائية من وجودهما السياسي، قائلاً: "التوافق يهدف إلى مواجهة الخارج وعرقلة خطواته باتجاه إقصائهما"، مستشهداً بتصريحات المستشارة الأممية ستيفاني وليامز، التي أكدت أن خريطة الطريق المنبثقة عن ملتقى الحوار السياسي هي الخريطة الوحيدة المعترف بها من مجلس الأمن، معتبراً أن ذلك رفض ضمني من المجتمع الدولي، الذي تمثل وليامز رأيه، لمساعي المجلسين لرسم خريطة طريق جديدة، وتجاوز خريطة طريق ملتقى الحوار السياسي.

وكانت وليامز قد دعت، عقب لقائها بكتلة النساء في ملتقى الحوار السياسي، إلى احترام الجدول الزمني المنصوص عليه في خريطة طريق الملتقى، منبهة إلى أن يونيو/حزيران المقبل هو أقصى مدة لتنفيذ المتفق عليه في الخريطة، وقالت "هذا هو إطار العمل الذي أقره مجلس الأمن للحل الشامل لإنهاء الفترة الانتقالية الطويلة في ليبيا".

وإصرار وليامز على إجراء الانتخابات في فترة لا تتجاوز يونيو/حزيران المقبل، يراه ازهيمة دليلاً أكيداً على رفضها كل المساعي لخلق خريطة طريق جديدة، مشيراً إلى تصريحات أخرى لرئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، أكد فيها أنه ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح اتفقا على "إدارة ظهرهما للمجتمع الدولي"، مرجحاً أن تتجه وليامز إلى البدء في خطوات عملية لإعادة تفعيل ملتقى الحوار السياسي، لقطع الطريق أمام مساعي المجلسين قبل اتفاقهما على خريطة طريق جديدة وفرضها في الواقع.