التلفزيون العربي يحقق في مجازر الساحل السوري ويتتبع هوية متورطين محتملين
استمع إلى الملخص
- أشار التحقيق إلى تورط فصائل مسلحة مثل "فرقة الحمزة" و"السلطان سليمان شاه"، مع مشاركة مقاتلين أجانب، وأكد مسؤولون أن الأحداث بدأت بعد كمين لدوريات الأمن العام.
- أكد رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن الأحداث تمثل جرائم جسيمة، موضحًا وقوع 64 مجزرة في مارس، راح ضحيتها 1334 شخصًا، مع صعوبة توثيق الجرائم وغياب المحاسبة.
وثّق تحقيق استقصائي بثه التلفزيون العربي شهادات لناجين وأقارب ضحايا الاشتباكات الدامية التي وقعت في الساحل السوري في مارس/آذار 2025 بين قوات الأمن العام ومجموعات مسلحة تابعة لفلول نظام الأسد. وتحدثت شهادات الناجين، التي وثقها التحقيق الذي بُثّ مساء أمس الأربعاء، عن وقوع إعدامات ميدانية، وذبح وتعذيب، ونهب، واعتداءات شملت مدنيين مدنيين عزّل، بينهم أطفال ونساء خلال تلك الأحداث الدامية.
وروت "فاطمة" (اسم مستعار) كيف ذُبح شقيقها الشاب في حي الدعتور شمالي اللاذقية، مع مجموعة من شباب الحي، على يد مسلحين. أما "أحمد" (اسم مستعار)، فقد نجا من القتل بعد أن طُلب منه تحديد طائفته والسلاح الذي يحمله. وتحدث عن وقوع عمليات قتل في الرأس بدم بارد في أحياء اللاذقية. وفي قرية الصنوبر، وقعت واحدة من أفظع المجازر، حيث قُتل أكثر من 230 مدنيًا بينهم معلمون وأطفال ونساء، حسب الكاتبة والصحافية هنادي زحلوط التي قُتل ثلاثة من إخوتها في الأحداث، فيما مُنع أهاليهم من الوصول إليهم. وذكرت زحلوط أن بعض جثث القتلى دُفنَت بآليات حفر دون مراسم أو توديع.
وتحدث "سامي" (اسم مستعار)، أحد الناجين من الأحداث، في حديثه للتلفزيون العربي، عن مقابر جماعية، مشيراً إلى دفن عشرات الجثث في أربعة أو خمسة خنادق طويلة كل خندق بحدود 70 متراً، بعد أن تعذّر على ذويها الوصول إليها أو تشييعها. وتحدثت "ليلى"، وهو اسم مستعار أيضاً لإحدى الناجيات من أحداث العنف، عن فقدان عائلة عمّها بأكملها في بانياس، بمن فيهم طفل يبلغ من العمر أربعة أعوام، وآخر لم يتجاوز الأشهر.
وفي مشاهد وثقها التحقيق، ظهرت عشرات الجثث التي لم تُنقل لساعات، وسط غياب شبه تام لأي تدخل طبي أو إسعافي، فيما وصف ناجون كيف هربت أعداد كبيرة من الأسر باتجاه مطار حميميم أو إلى الأحراش، هربًا من العنف المتصاعد. وتحدث أكرم، أحد الناجين، للتلفزيون العربي، عن قذائف وانفجارات وقعت في قريته، وتعرُّض مواطنين لقذائف مع نزوح الناس باتجاه مطار حميميم في ظهيرة السابع من مارس. وأضاف: "ما ظل أحد في القرية". وذكرت شهادات أخرى أن بعض عمليات القتل جرت باستخدام أدوات حادة وبطرق مهينة، فيما تعرّضت نساء للضرب والإذلال خلال اقتحام منازلهن. كذلك سُجلت حالات دهس لأفراد بالسيارات، كما حدث مع أفراد من عائلة "سارة"، إحدى الناجيات وفق شهادتها للتلفزيون العربي. وبحسبها، فقد سرق مسحلون سيارات من الحيّ الذي تقطن فيه، وهو ما يتسق مع بعض الشهادات الأخرى.
ولفت التحقيق إلى تورط فصائل مسلحة أبرزها "فرقة الحمزة" و"السلطان سليمان شاه (العمشات)"، اللتين سبق أن وُجّهت لهما اتهامات بارتكاب انتهاكات جسيمة من قبل منظمات حقوقية كـ"هيومن رايتس ووتش". كذلك تتبع فريق التلفزيون العربي نشاطًا رقميًا لمقاتلين أجانب، نشروا مقاطع تُظهر مشاركتهم في القتال، وتبنّوا خطابًا طائفيًا يدعو إلى إبادة العلويين، أحدهم يُدعى "شدّاد"، أقرّ علنًا على حسابه في إنستغرام بأنه قتل شخصًا دون اكتراث لكونه مدنيًا أو عسكريًا، مؤكدًا انتماءه إلى مجموعة مستقلة تتبنى عقيدة تشرّع قتل العلويين. وفي حالة أخرى، رُصد حساب لمقاتل طاجيكي استخدم وسم "الإبادة الجماعية للعلويين"، فيما استخدم آخرون شعارات تشرعن القتل الطائفي.
وفي حديثه للتلفزيون العربي، أكد محافظ اللاذقية محمد عثمان، أن عددًا كبيرًا من المسلحين شاركوا إلى جانب قوات الأمن، ما أفضى إلى حدوث بعض التجاوزات الأمنية. وذكر قائد الأمن العام في اللاذقية، العميد مصطفى كنيفاتي، للتلفزيون العربي، أن الأحداث تفجرت بعد كمين نُصب لدوريات الأمن العام في قرية الدالية. وقال إنه كان هناك مستودعات أسلحة معدة لنقلها إلى لبنان، تعود إلى حزب الله، وذهبت دوريات من الأمن العام إلى المنطقة من أجل التمشيط ومن أجل كشف تلك المستودعات، وخلال ذلك تعرضت لأول كمين، الذي شكل شرارة الأحداث في المنطقة. وأضاف كنيفاتي أن دوريات الأمن تعرّضت قبل 7 مارس لعدة استهدافات بقذائف صاروخية ورشاشات من قبل مجموعات، الأمر الذي دفع إلى حملات تمشيط تخللتها تجاوزات. ولفت إلى تبني المجموعة التي تُطلق على نفسها "لواء درع الساحل"، بقيادة مقداد فتيحة، ضابط سابق في نظام الأسد، لبعض العمليات.
وفي حديثه للتلفزيون العربي، قال رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني، إن ما جرى هو قتل جماعي خارج القانون، لا يمكن تبريره حتى وإن كان بعض الضحايا مسلحين سابقين، مشدداً على أن عمليات الإعدام الميداني والتمييز الطائفي تمثل جرائم جسيمة. وأكد عبد الغني أن من الصعب عمليًا الفصل بين مدنيين ومقاتلين جردوا من السلاح، لأن القتل كان جماعيًا وغير قانوني، وتخلله استهداف لأطفال وكبار سن ونساء. وأضاف أن التحقيقات أشارت إلى مشاركة فصائل غير منضبطة، ومقاتلين أجانب، وعناصر من العشائر، بالإضافة إلى قوى أمنية و"جيش الأحرار" و"جيش العزة"، في عمليات المداهمة. وأكد عبد الغني أن توثيق هذه الجرائم لا يزال يواجه صعوبات كبيرة بسبب التداخل بين الجماعات المشاركة، وغياب المحاسبة.
ووثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان وقوع 64 مجزرة في مارس راح ضحيتها 1334 شخص، بمن فيهم 144 طفلًا وامرأة على يد مسلحين شاركوا في العميات إلى جانب الحكومة، فيما قتل مئات آخرون بنيران عناصر النظام السابق، بينهم أمنيون وعاملون في المجال الإنساني. وحصل التلفزيون العربي على قوائم باسماء القتلى من مختلف القرى والأحياء المنكوبة. ووفقًا لهذه القوائم، فإن ما في القوائم يفوق ما أحصته جماعات حقوقية لضحايا الطائفة العلوية ببضع مئات.