التقرير الفرنسي حول "تسلل" جماعة الإخوان المسلمين.. استغلال انتخابي؟
استمع إلى الملخص
- التقرير المكون من 73 صفحة أشار إلى وجود نحو 400 إلى 1000 شخص يشكلون نواة الفرع الفرنسي للإخوان و139 موقعاً دينياً، لكنها نسبة صغيرة من المواقع الإسلامية. كما أشار إلى أن الاعتراف بدولة فلسطينية قد يضعف تجنيد الجماعات.
- ردود الفعل السياسية تباينت؛ انتقدت منظمات إسلامية الاتهامات، بينما دعا اليمين المتطرف لحظر الجماعة. زعيم حزب "فرنسا الأبية" اعتبر التقرير تشويهاً للمسلمين محذراً من محاكم تفتيش جديدة.
تحول تقرير "تسلل جماعة الإخوان المسلمين إلى المجتمع الفرنسي"، الذي كُلفت وزارة الداخلية الفرنسية إعداده، وسربت بعض نتائجه في الأيام الأخيرة، إلى حالة سجال سياسي، واتهامات باستخدامه في أجندات انتخابية. وتزايد السجال بعد انتقاد الرئيس إيمانويل ماكرون تسريب وزير الداخلية برونو ريتيللو لمحتويات من التقرير بهدف تشكيل أجندة في الإعلام للتأثير في الشارع قبل انتخابات 2027.
ويبدو أن مصطلح "الأخونة" في المجتمع الفرنسي بات يتحول إلى جزء من الجدل حول التقرير الذي حاول فحص نشاط و"اختراق" جماعة الإخوان المسلمين للبلد. وزير الداخلية ريتيللو، المتهم بتسريب نتائج التقرير الذي عُرض الأسبوع الماضي على اجتماع مجلس الدفاع الحكومي الفرنسي برئاسة ماكرون، أدان ما سماه "خطر تسلل جماعة الإخوان المسلمين للمؤسسات الاجتماعية للسيطرة عليها"، مؤكداً لصحف فرنسية أن الهدف "إخضاع المجتمع الفرنسي بأكمله لأحكام الشريعة الإسلامية". هذا رغم أن التقرير أكد أنه "لا توجد وثيقة حديثة تُظهر هذه الرغبة (في الاختراق والتسلل الإخواني المفترض)".
ونقلت صحيفة لوفيغارو عن ماكرون وعوده بتقديم سلسلة من المقترحات لمكافحة الظاهرة (الاختراق) في يونيو/حزيران القادم. ويفترض التقرير، بعد استعراض تاريخ الجماعة ونشأتها وحظرها أخيراً في بعض الدول العربية، أن المرتبطين بها في فرنسا "يسعون سراً" ودون كشف هويتهم للتأثير في المجالس البلدية المحلية، والأندية الرياضية، والمدارس، بهدف دفع المجتمع تدريجياً نحو نموذج إسلامي متشدد.
يعتقد معدو التقرير بأن الاعتراف الفرنسي بدولة فلسطينية "قد يساهم في إضعاف قاعدة تجنيد الجماعات الإسلامية في البلاد"
ووفقاً للتغطية الإعلامية الفرنسية، فإن تقديرات معدي التقرير المكون من 73 صفحة لإعداد نواة الفرع الفرنسي للإخوان المسلمين هو نحو 400 شخص، وبحد أقصى 1000 شخص. وأشارت صحيفة لوموند إلى أنه "حُذف منه بشكل منهجي أسماء الأشخاص الذين جرت مقابلتهم لأسباب أمنية، وكذلك لحماية أجهزة الاستخبارات الأجنبية التي أسهمت في إعداده". وبرغم السرية، أشار التقرير إلى أنه منذ تبني قانون مكافحة "الانفصالية" في أغسطس/آب 2021 نفذت السلطات 9537 عملية مراقبة، أدت إلى إغلاق 741 منظمة بشكل مؤقت أو دائم.
وفي السياق نفسه للأرقام، أشار التقرير إلى ما يسميه "وجود 139 موقعاً (مقراً) دينياً تابعاً لجماعة الإخوان المسلمين" على التراب الفرنسي، ونحو 68 موقعاً إضافياً "مقربة من الجماعة". وشدد على أن كل تلك المواقع لا تشكل أكثر من 7% من نحو 2800 موقع ديني إسلامي مدرج في فرنسا، وأن من يرتادون المساجد المفترض ارتباطهم بجماعة الإخوان لا يتجاوز عددهم 91 ألفاً من أصل نحو 7.5 ملايين مسلم في البلاد، مذكرين بأن "ليس كل من يزور مسجداً مرتبطاً بهذه الجماعة عضو فيها".
من ناحية أخرى، يعتقد معدو التقرير أن الاعتراف الفرنسي بدولة فلسطينية (وهي الفكرة التي طرحها ماكرون قبل فترة وجيزة) "قد يسهم في إضعاف قاعدة تجنيد الجماعات الإسلامية في البلاد".
استغلال انتخابي وتحذيرات من محاكم تفتيش
انتقادات الرئيس ماكرون، بحسب وسائل الإعلام الفرنسية، لم تكن بسبب غياب الأدلة والتوثيق، بل لأن تسريب وزير الداخلية ريتيللو لخلاصات التقرير إلى صحيفة لوفيغارو يهدف برأيه إلى "التأثير في الشارع". فالخشية عند ماكرون هي من استغلال ريتيللو ووزير العدل جيرالد دارمانين للجدل الذي أثير حول التقرير بسبب أنهما مرشحان محتملان في الانتخابات الرئاسية لعام 2027. فنفخهما في التقرير وتسليط الضوء على الإخوان المسلمين في البلاد، دون أرقام وأدلة حقيقية، يُعَدّان فرصة لتعزيز مكانتهما الانتخابية. ذلك برغم أن الصحف الفرنسية تشير إلى أن التقرير لم يكن حاسماً حول مشكلة اختراق الجماعة ونفوذها، إلا محلياً، وتأكيده أنه إذا كان هناك خطر "اختراق" إخواني "يجب تقييمه بشكل صحيح على المستوى الوطني".
من ناحيته، أدان اتحاد مسلمي فرنسا، الذي يُقدّم على أنه فرع الإخوان المسلمين الفرنسي، ما سماه "الاتهامات التي لا أساس لها"، وفقاً لبيان صحافي عنه. ورفض الاتحاد "أي ادعاء يسعى لربطنا بمشروع سياسي أجنبي أو استراتيجية تدخل"، منتقداً "القراءة الأيديولوجية (عند بعض السياسيين) التي لا تعكس واقعنا المؤسسي ولا أفعالنا".
كذلك أعرب المجلس الفرنسي للثقافة الإسلامية، (CFCM وهي هيئة تمثيلية رفضت عام 2021 دعم خطة الحكومة ضد ما يُسمى بالانفصالية بين المواطنين المسلمين) عن "قلقه العميق إزاء احتمال إساءة استخدام البيانات المنشورة واستغلالها"، وفقاً لقناة فرانس 24. وشدد المجلس في بيان صحافي على أن مكافحة التطرف جزء من أوليات عمله، لكن بالنسبة إليه فإن "غياب تعريفات واضحة للمفاهيم" المستخدمة في التقرير "يُديم الارتباك المُتحيز"، و"يُشعر العديد من المواطنين المسلمين بأنهم الآن لم يعودوا بمأمن من الشك المستمر".
من جهته، اقترح رئيس الوزراء السابق غابرييل أتال، من حزب ماكرون، من بين أمور أخرى، حظر ارتداء الحجاب في الأماكن العامة للفتيات دون سن الخامسة عشرة، ووضع بند جديد بشأن معاقبة الآباء الذين يُجبرون بناتهم على ارتدائه، بحسب صحيفة لوباريزيان.
استغل اليمين المتطرف السجال الدائر بدعوة رئيس حزب التجمع الوطني، جوردان بارديلا، إلى "حظر جماعة الإخوان المسلمين"
أما زعيم حزب "فرنسا الأبية" اليساري جان لوك ميلينشون، فيعتقد أن التقرير "يتجاوز الإسلاموفوبيا". وشدد على أن هذا النهج ذو دوافع سياسية، ويهدف إلى تشويه سمعة جميع المواطنين المسلمين في فرنسا. وأكد في منشور له على منصة إكس أن الأمر بلغ منتهاه "مجلس دفاع (برئاسة ماكرون) يُعطي فيه الرئيس وزناً لأطروحات (وزير الداخلية برونو) ريتيللو و(زعيمة اليمين المتشدد مارين) لوبين الجنونية. كفى!". ميلينشون رأى أيضاً أن "هذه الطريقة استُخدمت سابقاً ضد البروتستانت واليهود، وموقف الحكومة يؤدي مباشرة إلى إطلاق محاكم تفتيش قاسية على الأفراد، وهي كارثية على وحدة البلاد".
من جهته، استغل اليمين المتطرف السجال الدائر بدعوة رئيس حزب التجمع الوطني، جوردان بارديلا، إلى "حظر جماعة الإخوان المسلمين" بحسب موقع فرانس إنتر.
عموماً، من الواضح أن فرنسا تعاني من السجالات القائمة على تضخيم المخاطر التي يشكلها المهاجرون أو المواطنون المسلمون، برغم أن "البيانات المتاحة تظهر أن عدد المؤسسات الخاضعة للنفوذ الإسلامي ضئيل للغاية مقارنةً بإجمالي عدد المسلمين في البلاد"، وفقاً لما أشارت الصحافية إيزابيلا سابورتا على قناة RTL صباح الخميس الماضي.