التغوّل الإسرائيلي في سورية: التحريض والتقسيم واستباق الدور التركي

05 مارس 2025
دبابة إسرائيلية تعبر إلى المنطقة العازلة في الجولان، 2 مارس 2025 (جلاء مرعي/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- شهد الجنوب السوري توغلات إسرائيلية كبيرة، حيث وصلت القوات إلى تل المال في ريف درعا الشمالي، ونفذت عمليات تخريب وحفريات غامضة، بهدف تحويل المنطقة إلى منطقة عازلة منزوعة السلاح.
- تتخوف إسرائيل من الدور التركي المتزايد في سوريا، والذي قد يعيق مشروعها لتفتيت سوريا، خاصة مع احتمالية تطور التنسيق العسكري بين سوريا وتركيا.
- تعتمد الإدارة السورية الجديدة على الجهود الدبلوماسية عربياً ودولياً لمواجهة التدخل الإسرائيلي، مع التركيز على تكامل الأمن الإقليمي والدولي وتعزيز التوافق العربي والدولي.

وصلت قوات الاحتلال الإسرائيلي إلى أبعد نقطة في عمق الجنوب السوري منذ بدء اعتداءاتها على سورية بعد سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، مستغلة الأوضاع الصعبة التي تمر بها سورية والتي لا تساعد في بلورة استراتيجية مواجهة رادعة تضع حداً لهذه الاعتداءات. ولا يغيب عن الحسابات الإسرائيلية الدور التركي المتعاظم في سورية، والذي قد يشكّل حجر عثرة أمام المشروع الإسرائيلي الهادف لجعل سورية دولة مفتتة وبلا جيش فعال.

توغّل إسرائيلي كبير في سورية

وانسحبت القوات الإسرائيلية صباح أمس الثلاثاء من محيط منطقة تل المال والسرية العسكرية السابقة بريف درعا الشمالي، وذلك عقب عملية توغّل استمرت لساعات قامت خلالها بعمليات تخريب وحفريات غامضة، وفق شبكات إخبارية نقلت عن سكان في المنطقة تأكيدهم سماع أصوات تحركات لجرافات وعمليات حفر، ما يرجح قيام هذه القوات بتدمير مواقع عسكرية قديمة أو التخلص من بقايا أسلحة. وكانت قوات الاحتلال نفذت مساء الاثنين عملية إنزال وتوغل في منطقة تل المال، التي تقع على الحدود الإدارية بين محافظتي درعا والقنيطرة. كما أن قوات الاحتلال قطعت الطريق الواصل بين بلدتي مسحرة والطيحة في ريف القنيطرة بعد ساعات من قصف جوي استهدف كتيبة للدفاع الجوي تتبع للجيش السوري في ريف طرطوس. من جهته، أعلن الجيش الإسرائيلي في بيان أن سلاح الجو "أغار في منطقة القرداحة في سورية على موقع عسكري تم استخدامه لتخزين وسائل قتالية تابعة للنظام السوري المخلوع".

وأوضح الناشط الإعلامي يوسف مصلح، في حديث مع "العربي الجديد"، أن التوغل الإسرائيلي إلى منطقة تل المال هو الأبعد منذ بدء تدخّل تل أبيب في جنوب سورية، مشيراً إلى أن المنطقة التي وصلتها القوات الإسرائيلية مساء الاثنين تبعد عن الحدود السورية مع هضبة الجولان المحتلة نحو 14 كيلومتراً. وفي السياق، ذكرت شبكات إخبارية في جنوب سورية أن القوات الإسرائيلية قامت بعمليات تفتيش منتصف ليل الاثنين ـ الثلاثاء في سرية بالقرب من قرية الناصرية على الحدود الإدارية بين محافظتي القنيطرة ودرعا كانت نقطة مراقبة تابعة للقوات الروسية في زمن النظام المخلوع. من جهته، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان أمس بأن القوات الإسرائيلية بدأت بإزالة الألغام غير المنفجرة المدفونة في الأرض على الشريط الحدودي قرب الجولان المحتل.

جدعون ساعر: وجود الجماعات الإسلامية على الحدود سيكون خطيراً للغاية بالنسبة لإسرائيل

وقال وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، في تصريحات للصحافيين في القدس المحتلة أمس عن الملف السوري، "إن وجود الجماعات الإسلامية على الحدود سيكون خطيراً للغاية بالنسبة لإسرائيل"، مضيفاً أن "المسألة في سورية لا تتعلق بسلامة الأراضي وإنما مصلحتنا تقتضي أن تكون الحدود هادئة". وتابع: "ينبغي احترام حقوق الأقليات في سورية، بما في ذلك الأكراد، بشكل كامل".

تخوّف من دور تركيا في سورية

وبعد سقوط نظام الأسد في الثامن من ديسمبر الماضي، تجاوزت تل أيبب الاتفاقيات الدولية الحاكمة للصراع، فاحتلت المزيد من الأراضي السورية خارج المنطقة العازلة، واعتلت جبل الشيخ المطلّ على الجنوب السوري وصولاً إلى دمشق، بسبب ارتفاعه، وأقامت نقاط ارتكاز في ريف القنيطرة. وتدل التوغلات الإسرائيلية في جنوب سورية على أن سقوط الأسد الذي حافظ على هدوء الجبهات مع تل أبيب أربك حسابات تل أبيب التي تسعى إلى تحويل الجنوب السوري كله إلى منطقة عازلة منزوعة السلاح. وكانت تصريحات المسؤولين الإسرائيليين واضحة لجهة الحيلولة دون انتشار الجيش السوري الجديد جنوب دمشق، تحت ذريعة حماية أمن تل أبيب. وفيما يوسّع الاحتلال نطاق تدخله في الجنوب السوري، تغيب أي استراتيجية مواجهة عسكرية من جانب الإدارة السورية التي لا تزال بصدد تشكيل جيش جديد. وتبدو الخيارات أمام الإدارة السورية للتعامل مع التدخل الإسرائيلي معدومة عسكرياً، إلا إذا اختارت طريق المقاومة الشعبية للمواجهة. وليس أمام هذه الإدارة إلا الاستناد إلى حلفاء سورية، خصوصاً تركيا ودولاً عربية للضغط على الجانب الإسرائيلي من أجل وضع حد لتدخله العسكري في جنوب سورية.

وأعرب الباحث العسكري رشيد حوراني، في حديث مع "العربي الجديد"، عن اعتقاده أن من بين أهداف تل أبيب "منع الإدارة السورية من توحيد الفصائل وتأسيس جيش قوي ينتشر في جنوب البلاد للدفاع عنها"، مضيفاً أن "إسرائيل تتخوف من الدور التركي في سورية، في ظل حديث عن تعيين ملحق عسكري في السفارة التركية في دمشق، وهو ما يفتح الباب أمام تنسيق عسكري وتعاون بين سورية وتركيا". وتابع أن "إسرائيل تريد بمساعدة من الولايات المتحدة الأميركية، سورية دولة من دون جيش. أعتقد أن تركيا حجر عثرة أمام هذا المشروع الإسرائيلي".

رشيد حوراني: إسرائيل تريد بمساعدة من الولايات المتحدة الأميركية، سورية دولة من دون جيش، وتركيا حجر عثرة أمام هذا المشروع الإسرائيلي

ورأى حوراني أن ما تقوم به إسرائيل في الجنوب "يهدد سورية من عدة نواحٍ"، موضحاً أن هذا التدخّل "يعيق عمل الإدارة السورية الجديدة في ترتيب البيت الداخلي في البلاد". وأشار إلى أن التدخّل يتزامن مع مفاوضات مع "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) في ظل حديث عن تقارب في وجهات النظر، ما يتيح للدولة السورية العودة إلى الشمال الشرقي من البلاد الغني بالثروات. وتابع أن "التدخّل الإسرائيلي يضعف النظام الجديد ويشتت قدراته ويمنعه من المضي قدما في عرض رؤيته السياسية التشاركية". ورأى حوراني أن هذا التدخّل له مخاطر اجتماعية، مشيراً إلى أن الاحتلال يحاول إحداث شروخ في النسيج المجتمعي السوري من خلال الادعاء بحماية الأقليات من الإدارة الجديدة وخصوصاً الدروز في الجنوب السوري، مضيفاً: "تتخذ إسرائيل هذه المزاعم ذريعة للتدخل وتنفيذ مخطط يقوم على فرض نفوذها في جنوب سورية".

وحول الاستراتيجية التي تتبعها الإدارة السورية الجديدة في التعاطي مع التدخّل الإسرائيلي العسكري، رأى الباحث السياسي مؤيد غزلان، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الاستراتيجية تقوم على تكثيف الجهود الدبلوماسية عربياً ودولياً"، مضيفاً: "سورية تشكل جزءاً من معادلة الأمن الإقليمي والدولي. هذه المعادلة تحققت بعد النصر على قوات النظام المخلوع والمليشيات الإيرانية، وهي تلبي حاجة عربية ودولية". وتابع: "المسار في هذا الملف (التدخل الإسرائيلي) دبلوماسي، فالمنطقة غير مؤهلة لحروب جديدة، فضلاً عن أن دمشق حريصة على عدم استجلاب أي ظروف تدفع المنطقة إلى الاشتعال مجدداً وتزعزع أمنها، فمعادلة الأمن الإقليمي تكاملية وليست جزئية". وأشار غزلان إلى أن "عدم تحقق الأمن في سورية يفتح الباب أمام عودة المليشيات الطائفية"، مضيفاً: "من الواضح أن الهدف الإسرائيلي إبقاء سورية دولة منهكة وضعيفة وغير وازنة وهذا سوف يُحدث شرخاً في المعادلة ويربك الكثير من الدول التي توافقت مع دمشق وسياستها الجديدة".

وبيّن أن الظروف الجيوسياسية الموجودة اليوم "تختلف عن تلك التي كانت سائدة أيام النظام البائد"، مضيفاً: "هناك توافق عربي مع السياسة السورية الجديدة تجلى واضحاً من خلال بيان مجلس التعاون الخليجي ودعوة الإدارة الجديدة للمشاركة في نشاط الجامعة العربية، فضلاً عن قبول أوروبي برز في رفع جانب من العقوبات على سورية". وتابع: "ما تقوم به إسرائيل غير محسوب النتائج، لأن من شأنه تأجيج الصراع في المنطقة وهذا ليس من مصلحة دول الجوار". وتابع: "أعتقد أن إسرائيل لا تريد سورية دولة قوية إلى جانبها وهو ما يفسّر الاعتداءات التي تقوم بها على الجنوب السوري". وأعرب عن اعتقاده بأن اللعب الإسرائيلي على الوتر الطائفي في سورية "لن ينجح في ظل تأكيد سكان السويداء أنهم جزء أصيل من سورية ويرفضون فكرة الانفصال".

المساهمون