التداعيات السياسية لحرب التعرفات الجمركية بين بكين وواشنطن

12 ابريل 2025   |  آخر تحديث: 04:09 (توقيت القدس)
من أحد شوارع بكين، 8 إبريل 2025 (كيفن فراير/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تصاعدت التوترات التجارية بين الصين والولايات المتحدة مع زيادة التعرفات الجمركية المتبادلة بنسبة 125%، مما يعمق الخلاف بين أكبر اقتصادين عالميين دون تقديم تنازلات من أي طرف.
- أصدرت الصين تحذيرات لمواطنيها بشأن السفر إلى الولايات المتحدة ودعت الاتحاد الأوروبي لمقاومة السياسة الأمريكية، بينما تستمر القنوات الدبلوماسية الخلفية لتجنب الصدام المسلح.
- التصعيد الجمركي قد يدفع دولاً آسيوية للتقارب مع الصين، حيث ترى الصين نفسها قادرة على التأثير على المستهلك الأمريكي رغم استمرار هيمنتها على السلع اليومية.

في الوقت الذي تخوض فيه الصين والولايات المتحدة حرب تعرفات جمركية ضارية ومتصاعدة، يزداد صعوبة تصور كيف يمكن لزعيمي البلدين، شي جين بينغ ودونالد ترامب، أن ينتهي بهما الأمر إلى طاولة المفاوضات، وإلى أي حدّ يمكن للطرفين الذهاب في هذا الاتجاه، مع امتناع أي طرف حتى الآن عن تقديم تنازلات بأزمة التعرفات الجمركية.

التعرفات الجمركية بين الصين والولايات المتحدة

فقد أدى إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الأربعاء الماضي، عن زيادة أخرى في التعرفات الجمركية على الواردات الصينية، بنسبة 125% حتى مع تعليقه لمدة 90 يوماً للرسوم التي تستهدف معظم الدول الأخرى، إلى تعميق الخلاف بين أكبر اقتصادين في العالم. ومع ذلك، أشار ترامب إلى أنه لا يتوقع زيادة الرسوم الجمركية على السلع الصينية أكثر من 125%، علماً أنها تضاف إلى رسوم بنسبة 20% كان فرضها في وقت سابق من العام الحالي. وأكد البيت الأبيض أن إجمالي الرسوم الجمركية على الصين التي دخلت حيّز التنفيذ أول من أمس الخميس، بات يبلغ 145%.

رفعت وزارة المالية الصينية الرسوم على الولايات المتحدة إلى 125%

وقال ترامب إنه لا يتخيل زيادة إضافية، وأن "بكين تريد إبرام صفقة، لكنهم ببساطة لا يعرفون كيف يفعلون ذلك". وأضاف أن الرئيس الصيني شي جين بينغ، "رجلٌ فخور، أعرفه جيداً، إنهم لا يعرفون كيف يفعلون ذلك، لكنهم سيجدون حلاً، إنهم بصدد إيجاد حل". علماً أن موقع شبكة سي أن أن، نقل الخميس عن مسؤولين كبيرين في البيت الأبيض، أن الولايات المتحدة لن تكون المبادرة إلى الاتصال بالصين، وأن ترامب شدّد أمام فريق عمله على أن الصين يجب أن تقوم بالتواصل أولاً، إذ يعتقد البيت الأبيض أن بكين هي من اختار الرد وتصعيد الحرب التجارية. وبحسب "سي أن أن" أيضاً، فإن هذا الموقف يعود إلى حوالي شهرين، وأن فريق ترامب أخبر المسؤولين الصينيين بوضوح أن الرئيس شي يجب أن يطلب اتصالاً من ترامب، لكن بكين رفضت بشكل متواصل العمل على ترتيب اتصال قمة، بحسب ثلاثة مصادر مطلعة على الاتصالات الرسمية للبيت الأبيض.

وعوضاً عن ذلك، ذكرت وكالة رويترز، أمس الجمعة، أن وزارة المالية الصينية رفعت التعرفات الجمركية على سلع أميركية من 84% كانت رفعتها في وقت سابق رداً على رسوم ترامب، إلى 125%، تدخل حيّز التنفيذ اليوم السبت. واعتبرت الوزارة أن "فرض واشنطن رسوماً مرتفعة علينا ينتهك بشكل خطير قواعد التجارة الدولية"، مضيفة أن رسوم واشنطن "ممارسة أحادية الجانب من التنمر والإكراه".

وكانت الخارجية الصينية أكدت أول من أمس، أن بكين "سترد حتى النهاية" إذا واصلت الولايات المتحدة شنّ حرب التعرفات الجمركية وحرباً تجارية عليها. وقال المتحدث باسم الوزارة لين سيان، إن بلاده لن ترضخ للضغوط بشأن هذه القضية، محذراً من أنها "لن تقبل بمثل هذه التحركات التسلطية والمتنمرة". وشدّد على أن "الضغط والتهديد والابتزاز ليست الطرق الصحيحة للتعامل مع الصين".

وفي أول رد فعل غير تجاري من جانب بكين، أصدرت الحكومة الصينية، يوم الأربعاء الماضي، تحذيرين لمواطنيها بشأن السفر إلى الولايات المتحدة، مشيرة إلى تدهور العلاقات الثنائية مع فرض البلدين رسوماً جمركية باهظة على واردات كل منهما. وقالت وزارة الثقافة والسياحة الصينية، إنه "نظراً إلى تدهور العلاقات الاقتصادية والتجارية بين بكين وواشنطن والوضع الأمني الداخلي في الولايات المتحدة، فإننا نذكر السائحين الصينيين بضرورة تقييم مخاطر السفر إلى هناك بشكل كامل والسفر بحذر".

جيانغ لي: قادة البلدين يدركون أن قطع العلاقات قد يفضي إلى حرب عالمية ثالثة

من جهته، دعا الرئيس الصيني، أمس الجمعة، الاتحاد الأوروبي، إلى الانضمام لبكين في "مقاومة سياسة الإكراه"، وفق ما ذكرت وكالة "شينخوا" للأنباء. وقال شي خلال استقباله رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز في بكين، إنه "يجب على الصين والاتحاد الأوروبي تحمل مسؤولياتهما الدولية، وحماية العولمة الاقتصادية وبيئة الأعمال الدولية بشكل مشترك، ومقاومة سياسة الإكراه الأحادي بشكل مشترك". كما تشاورت الصين مع السعودية وجنوب أفريقيا، بشأن التعرفات الجمركية، بحسب وزارة التجارة الصينية، فيما تقدمت بكين بشكوى إلى منظمة التجارة العالمية ضد رسوم ترامب وفق ما ذكرت وكالة فرانس برس أمس.

وفي واشنطن، سيطرت التعرفات الجمركية التي فرضها ترامب، الأربعاء الماضي، على جلستي استماع في الكونغرس، حيث أعرب العديد من المشرعين الديمقراطيين عن مخاوفهم من أن تؤدي هذه الإجراءات الشاملة إلى إجهاد التحالفات في ظل بقاء الصين هدفاً رئيسياً. وفي شهادات أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب، تجنب مسؤولون من وزارة الدفاع (بنتاغون) والجيش الأميركي إلى حد كبير الأسئلة حول تداعيات الرسوم الجمركية السياسية، لكنهم تعهدوا بتعميق التعاون مع شركاء منطقة المحيطين الهندي والهادئ وخصوصاً تايوان، لمواجهة النفوذ العسكري المتزايد لبكين.

دور القنوات الخلفية

في تعليقه على التطورات الأخيرة، استبعد أستاذ العلاقات الدولية في مركز ونشوان للدراسات الاستراتيجية جيانغ لي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تكون هناك تداعيات سياسية كبيرة تؤدي إلى تدهور العلاقات بين البلدين إلى مستويات خطيرة. وقال إنه "في هذه الأوقات وقياساً لتجارب ماضية مع اندلاع الشرارة الأولى للحرب التجارية بين البلدين أثناء ولاية ترامب السابقة (2017 -2021)، تبرز أهمية القنوات الدبلوماسية الخلفية التي من مهامها الحفاظ على مسار الاتصالات بما يضمن عدم الصدام المسّلح وخروج الأوضاع عن نطاق السيطرة".

وأضاف جيانغ لي، أنه "خلال ولاية ترامب الأولى، عندما فرض للمرة الأولى رسوماً جمركية على الواردات الصينية، شهدت العلاقات توترات كبيرة أدّت إلى إجراءات عقابية متبادلة، طاولت مسؤولين من كلا البلدين، بمن فيهم وزير الخارجية الأميركي آنذاك مايك بومبيو، وكذلك وزير الدفاع الصيني السابق (لي تشانغفو)، كما تمّ إغلاق مقار دبلوماسية، ومع ذلك ظلّ عمل القنوات الدبلوماسية الخلفية قائماً، وقد ساهم ذلك في تجنب الانزلاق إلى مواجهة مفتوحة، لأن قادة البلدين يدركون أن قطع العلاقات قد يفضي إلى حرب عالمية ثالثة، مع تحويل منطقة المحيطين الهندي والهادئ إلى برميل من البارود قابل للاشتعال في أي لحظة"، وفق رأيه.

هذا الأمر أكدته "سي أن أن" في تقريرها، الخميس، حيث أشارت إلى أنه "خلف الكواليس، فإن القنوات الرسمية على المستوى العملي، ناشطة، لكن الحوار على مستوى عالي، لا يحصل". وبحسب ثلاثة مصادر، فإن القنوات غير الرسمية بين البلدين، قد أثبتت عدم فعاليتها.

حلف آسيوي

من جهته، رأى الباحث في العلاقات الدولية في مركز النجمة الحمراء في العاصمة الصينية بكين، جيانغ قوه، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه لا مفر من تداعيات وانعكاسات سياسية على المنطقة في ظل التصعيد الخطير والإجراءات غير المسبوقة التي اتخذها ترامب ضد الحلفاء والمنافسين على حد سواء.

الصين ترى نفسها قادرة على إلحاق الضرر بالمستهلك الأميركي

وأوضح الباحث أن من أبرز المتضررين، حلفاء لواشنطن مثل كوريا الجنوبية واليابان والهند وكذلك تايوان، وهذا سيترك أثراً ويتسبب في عواقب ربما تكون استراتيجية بشأن السياسية الأميركية في منطقة الهندي والهادئ. وبرأيه، فإن حالة عدم اليقين قد تدفع هذه الدول إلى التقارب مع الصين وتشكيل حلف آسيوي ضمن إطار اقتصادي ما، لمواجهة التعرفات الجمركية الأميركية، وهذا بالضرورة يوفر، بحسب قوله، مظلّة لمناقشة وتذليل العقبات مع بكين في ما يتعلق بالقضايا الخلافية. واستدل جيانغ قوه على ذلك بالاجتماع الثلاثي الذي عقد في العاصمة اليابانية طوكيو في مارس/آذار الماضي بين الصين واليابان وكوريا الجنوبية على مستوى وزراء الخارجية للمرة الأولى منذ عامين. كما ذكرت وكالة شينخوا أمس الجمعة، أن شي سيزور فيتنام وماليزيا وكمبوديا الأسبوع المقبل، بعدما تعهد قبل أيام بتعزيز "التعاون الشامل" مع جيران بلاده.

ويبدو أن الصين ترى نفسها قادرة على إلحاق الضرر بالمستهلك الأميركي. وأكدت وسائل إعلام صينية، أول من أمس الخميس، أنه على الرغم من الاعتماد المتبادل بين البلدين، فإن استمرار فرض الرسوم الجمركية، سوف يؤثر بشكل أكبر على المستهلك الأميركي، باعتبار أن الصين أكبر المصدرين، ما يعني أن قبضة الصين على الحياة الأميركية سوف تظل ثابتة، سواء فرض ترامب رسوماً جمركية أم لا. وأضافت في تهكم واضح، أنه عندما وقع الرئيس الأميركي على أوامر التعرفات الجمركية، من المحتمل أن يكون القلم الذي استخدمه مصنوعاً في الصين. ولفتت إلى أن هذه المفارقة تُبرز حقيقة أعمق في العلاقات التجارية بين البلدين، فالرسوم الجمركية التي تهدف إلى معاقبة بكين غالباً ما تُلحق الضرر الأكبر بالمستهلكين الأميركيين، بينما تفشل في إزاحة هيمنة الصين على السلع اليومية. واعتبرت أن الشعب الأميركي الأكثر تضرراً هو الأقل قدرة على تحمل تكلفة البدائل الأعلى تكلفة، لأن العديد من هذه السلع الصينية تُعتبر من الضروريات اليومية.

المساهمون