التحقيقات في اقتحام الكونغرس: من السياسة إلى القانون فالتسييس؟

التحقيقات في اقتحام الكونغرس: من السياسة إلى القانون فالتسييس؟

23 يوليو 2022
اختتمت لجنة التحقيق النيابية الخاصة باقتحام مقرّ الكونغرس مهمتها مبدئياً (Getty)
+ الخط -

بعد 8 جلسات استماع، اختتمت لجنة التحقيق النيابية الخاصة باقتحام مقرّ الكونغرس الأميركي في 6 يناير/كانون الثاني 2021 مهمتها مبدئياً، مساء الخميس، وتركت الباب مفتوحاً لاستئنافها في سبتمبر/أيلول المقبل لو استجد ما يدعو إلى ذلك. لكن عملياً، انتهى عملها، ومن المتوقع في كل حال أن يصدر تقريرها النهائي أواخر الصيف، وقبيل موعد الانتخابات النصفية في مطلع نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

وفي تقدير معظم أهل القانون، مثل أستاذ القانون الدستوري في جامعة هارفارد لورانس ترايب، فإن التحقيقات وما كشفته من إفادات وتسجيلات وتغريدات وأدلة محمّلة بالحيثيات "الجرمية"، لا بدّ أن تحمل اللجنة على إحالة الملف إلى وزارة العدل، لفتح تحقيق جنائي في القضية، بما يؤدي إلى ملاحقة الرئيس السابق دونالد ترامب باعتباره المحرّض، واستطراداً الشريك المسؤول عن اجتياح مبنى الكونغرس.

لكن الأمور قد تأخذ منحىً آخر. فالرئيس ترامب قد يقفز إلى الساحة في محاولة لقطع الطريق على نقل القضية إلى هذا المسار، الذي قد ينتهي بمحاكمته. التوقعات المبنية على تلميحاته ومصادره وتحركاته، تشير إلى اعتزامه إعلان ترشيحه لانتخابات 2024 الرئاسية في وقت قريب، قبل الانتخابات النصفية وربما قبل صدور تقرير اللجنة. إذا حصل ذلك، وهو المرجح، يتداخل القانون بالسياسة، ليؤدي إلى مشروع أزمة كبيرة في "لحظة أميركية خطيرة"، كما وصفها وزير دفاع سابق.

جلسات التحقيق التي استمعت اللجنة خلالها إلى نحو 800 من الشهود، ومنهم من شارك في الاجتياح، أو ممن كان بقرب ترامب في البيت الأبيض، فجّرت قنابل كثيرة، خصوصاً الجلسات الأخيرة، منها عزوف الرئيس عن القيام بأي خطوة لوقف الهجوم، رغم إلحاح ومناشدات معاونيه وأقرب مناصريه، وحتى أفراد عائلته، وأفاد عدد منهم بأن ترامب كان على علم بوجود سلاح بحوزة بعض المشاركين، الذين اعترفوا بأنهم جاؤوا "بناءً على طلبه، أو بتأثير من خطابه، وزعمه حول سرقة الانتخابات منه".

وجاء في دراسة أجرتها جامعة هارفرد، أن 20 بالمائة من المتظاهرين أقرّوا بأن ترامب "طلب" منهم المشاركة، و7 بالمائة شاركوا من باب أن العملية "حرب أهلية". ولزيادة الارتياب والشبهة، تبيّن أن بعض رسائل الشرطة السرية المكلفة حراسة الرئيس والمسجلة في يوم الهجوم، قد جرى محوها للتعتيم على ما فعله الرئيس طوال فترة الهجوم التي استغرقت 3 ساعات و7 دقائق. وفي ذلك مخالفة صارخة للقانون وللبروتوكول الذي يرعى عمل هذه الشرطة. كل هذا عزّز الاعتقاد بأن المادة الجرمية متوافرة، بل كفتها راجحة. وبذلك، تزايدت الضغوط، خصوصاً في صفوف الديمقراطيين وآخرين لإحالة القضية إلى التحقيق الجنائي.

لكن توافر الحيثية القانونية قد يجري تجاوزه وصرف النظر عنه إذا اقتضت ذلك حسابات الانتخابات. تلويح ترامب بالترشح لانتخابات 2024 يشكل عملية استباق لإرباك خصومه، وحملهم على صرف النظر عن المضي في الشق الجنائي لاجتياح 6 يناير. هو بذلك يهدد ضمناً بأن ملاحقته قضائياً سيُردّ عليها بإثارة أزمة انتخابية أشد وأقسى من مشكلة 2020، وهذا احتمال وارد وتحذر منه جهات ودوائر أمنية وغيرها، على أساس أن مناخ التمرد المليشياوي ما زال قائماً، وأن الرئيس السابق ما زال صاحب المونة في أوساطه. وهذا ما يفسر عدم حماسة وزارة العدل حتى الآن، على أخذ المبادرة في فتح التحقيق برغم توافر عناصره، بل موجباته.

وزير العدل ميريك غارلاند اكتفى بالقول إن وزارته ملتزمة "متابعة الأدلة والوقائع إلى آخر الطريق، إذ لا أحد فوق القانون"، لكنه حاذر التزام التحقيق. ومن هنا أيضاً، تروّي اللجنة في إصدار تقريرها المفترض أن يوصي بتكليف الوزارة القيام بهذه المهمة، مع أن الأدلة القانونية وازنة.

الرسالة أن استبعاد هذا المسار وارد، لتجنب محاكمة الرئيس السابق، خشية أن يؤدي ذلك إلى إلهاب الجو السياسي الملتهب أصلاً، وبما قد يؤدي إلى تجديد التفاف قاعدة الجمهوريين والمحافظين بقوة حول ترامب، وبالتالي تحفيزه للدخول في معركة 2024، وتكرار سيناريو 2020، وربما أخطر. فاللجنة من الأساس أبصرت النور بقرار سياسي دفع به الديمقراطيون وقاطعه الجمهوريون. ولا يُستبعد أن تنتهي مهمتها بتقديم درس سياسي، ولو أن وزير العدل يتعرض لضغوط قانونية وسياسية هائلة لاتخاذ قرار التحقيق الجنائي.