التحقيقات الإسرائيلية بشأن إخفاق 7 أكتوبر: إجماع رغم الاختلافات
استمع إلى الملخص
- انتقد جهاز "الشاباك" السياسات الإسرائيلية التي عززت قوة "حماس"، مشيرًا إلى فشل في تقديم إنذار مبكر بشأن الهجوم، وتفضيل التعامل مع "حماس" على حساب السلطة الفلسطينية.
- أثار تقرير "الشاباك" خلافات بين المؤسسة الأمنية والحكومة، حيث رفض نتنياهو تشكيل لجنة تحقيق رسمية، مما قد يؤدي إلى تصعيد عسكري جديد.
بدأ الجيش الإسرائيلي، منذ بداية شهر مارس/آذار الحالي، نشر نتائج التحقيقات الداخلية التي أجراها حول أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023. ركّزت هذه التحقيقات على إخفاق 7 أكتوبر العملياتي والميداني للجيش الإسرائيلي في ذلك اليوم، خصوصاً في الدفاع عن المعسكرات الواقعة على الحدود مع قطاع غزة. كما تناولت تحقيقات المؤسسات الأمنية الإسرائيلية بالتفصيل أوضاع كل بلدة وكيبوتس دخلتها قوات حركة "حماس"، وفشل الجيش في الدفاع عنها، إضافة إلى الصعوبات التي واجهها في "تطهير" تلك المناطق وإعادة السيطرة عليها.
تستنتج التقارير بشأن التحقيقات في إخفاق 7 أكتوبر فشل الجنود في التصدي لمقاتلي "حماس" وإدارة المعارك كما كان متوقعاً منهم، وأن الجيش الإسرائيلي لم يقم بتجهيز قواته على هذه الجبهة لاحتمال حدوث اجتياح برّي من قطاع غزة، ما ساهم في ضعف الاستجابة العسكرية عند وقوع الهجوم. كما كان هناك تفوق عددي كبير للقوات المهاجمة.
كل هذا أدى إلى انهيار القوات الإسرائيلية المتمركزة على حدود قطاع غزة بسرعة كبيرة، وإلى هزيمة فرقة غزة وبقية الوحدات المنتشرة على الحدود، من دون أن يدرك قادة الفرقة والمنطقة ما كان يحدث بشكل كامل. حتى بعد وصول تعزيزات كبيرة، لم تتمكن هذه القوات من تنظيم نفسها بسرعة أو إدارة المعارك بشكل منظّم، الأمر الذي صعّب عمليات المواجهة.
الجيش الإسرائيلي لم يقم بتجهيز قواته على جبهة غزة لاحتمال حدوث اجتياح برّي من القطاع
ويُعزى إخفاق 7 أكتوبر وفقاً للجيش الإسرائيلي، إلى عوامل عدة، أبرزها نقص القوات والعتاد والجاهزية العسكرية، وضعف التحضير المسبق، بالإضافة إلى عنصر المفاجأة وغياب الإنذار المبكر، نتيجة خلل في تفسير نيّات "حماس"، الذي كان من شأنه منح القوات الإسرائيلية الوقت للاستعداد والتحضير للمواجهة.
تكشف التحقيقات، كما يقول عاموس هرئيل، المحلل العسكري لصحيفة هآرتس (4 مارس)، عن تآكل مستمر في التعليمات والإجراءات والمتطلبات من قبل الوحدات العاملة في الجبهة، إضافة إلى تراجع التزامها الصارم بها، بل إن أحد الضباط الذين شاركوا في التحقيقات قال، وفقاً لهرئيل، إن "المسألة الأساسية لا تتعلق فقط بالتراجع المستمر في الانضباط داخل صفوف الجيش، بل إن التفسير أعمق من ذلك، لقد نسينا كيف ندافع؛ بحيث أدى استكمال بناء الحاجز تحت الأرض على حدود غزة إلى زرع ثقة واطمئنان مفرطين لدى القادة، ما عزّز لديهم قناعة خاطئة بأن الحدود باتت شبه منيعة".
إخفاق 7 أكتوبر... خلل إدراكي
وجّه التحقيق المنفصل الذي أجرته شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي "أمان"، وفقاً للصحافي ينيف كوبوفيتش (هآرتس، 27 فبراير/شباط الماضي)، انتقادات للتعريف الذي كان سائداً قبل السابع من أكتوبر للتهديد القادم من قطاع غزة على أنه تهديد ثانوي، وإلى التمسك بالفرضية القائلة إن حركة حماس غير معنية بمواجهة عسكرية واسعة، على الرغم من توفر معلومات كان من المفترض أن تزعزع هذه الفرضية، إضافة إلى تبنّي سياسة "إدارة الصراع" مع "حماس" من دون تقديم بدائل عسكرية واضحة. كما أشار التحقيق إلى التقدير الخاطئ لقدرات "حماس" ونيّاتها.
وأضاف كوبوفيتش أن "أحد الاستنتاجات الرئيسية من التحقيقات هو أن إسرائيل لا يمكنها السماح للعدو بالتسلح وتعزيز قوته عبر الحدود، وأنه في مثل هذه الحالات، يجب إعطاء الأولوية لإزالة التهديد على تحقيق الهدوء، مع ضرورة النظر في تنفيذ هجوم مضاد مبكر".
لا جديد جوهرياً
يمكن القول إنه لا جديد جوهرياً في تحقيقات الجيش الإسرائيلي مع نفسه، إذ لم تأتِ سوى لتأكيد ما قيل وسُرّب منذ السابع من أكتوبر 2023. فقد خلص التحقيق مجدداً إلى أن الجيش الإسرائيلي فوجئ بالهجوم ولم يكن مستعداً للمعركة أو القتال على حدود قطاع غزة. ويعود ذلك بالأساس إلى إخفاق الجيش في قراءة نيّات "حماس" والاستهانة بقوات "العدو"، والاطمئنان المفرط إلى أن "حماس" لن تجرؤ على مهاجمة إسرائيل، بل لن تكون قادرة أصلاً على اختراق الحواجز والدفاعات الإسرائيلية الحديثة.
لم تتطرق تحقيقات الجيش الإسرائيلي، علناً على الأقل حتى الآن، إلى كيفية تبلور تلك القناعات أو إلى دور صنّاع القرار في ترسيخها، وذلك لكون هذه المسائل خارج نطاق صلاحياته، ولأنه يسعى إلى الحفاظ على طابعه الرسمي والدولاتي، وتجنّب تسييس المؤسسة العسكرية. لذلك يدعم الجيش الإسرائيلي إقامة لجنة تحقيق رسمية بغية الإجابة عن كل هذه الأسئلة.
"الشاباك" يوجه أسهم الاتهام
نشر جهاز الاستخبارات العامة "شاباك"، مساء الثلاثاء الماضي، أجزاء من نتائج تحقيق داخلي أجراه حول إخفاق 7 أكتوبر ودروه فيه. وعلى عكس الجيش الإسرائيلي، تطرق هذا الجهاز إلى دور صنّاع القرار والقرارات السياسية المتعلقة بقطاع غزة في السنوات الأخيرة، معتبراً أنها ساهمت في حدوث هذا الإخفاق. يعترف الجهاز بسلسلة من الإخفاقات الكبيرة، أبرزها الفشل في تقديم إنذار مبكر مناسب بشأن استعدادات "حماس" للهجوم ليلة السابع من أكتوبر، وذلك على الرغم من تلقيه المعلومات الأولية حول التحضيرات التي أجرتها الحركة. كما أقر بفشله في الوصول إلى مصادر استخبارية بشرية داخل غزة، بالإضافة إلى ارتكابه أخطاء عملياتية عديدة تمّ تفصيلها في التقرير.
أحد الاستنتاجات الرئيسية من التحقيقات هو أنه يجب إعطاء الأولوية لإزالة التهديد على تحقيق الهدوء، مع ضرورة النظر في تنفيذ هجوم مضاد مبكر
كان أبرز ما ورد في تقرير "الشاباك" هو الانتقاد المباشر للسياسات الإسرائيلية تجاه "حماس" في السنوات الأخيرة، خصوصاً سياسات رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. وأشار التقرير إلى عدد من القرارات التي ساهمت في تعزيز سلطة "حماس" في قطاع غزة، منها: تبنّي نهج الحفاظ على الهدوء والاحتواء في القطاع؛ تفضيل التعامل مع "حماس" على حساب السلطة الفلسطينية؛ السماح بإدخال المساعدات المالية القطرية إلى قطاع غزة، ما أدى إلى تعزيز قدرات الحركة؛ الافتراض الخاطئ بأن "حماس" غير معنية بمواجهة عسكرية واسعة؛ تعزيز القدرات العسكرية لـ"حماس"، خصوصاً بعد عملية "حامي الأسوار" عام 2021 التي اعتُبرت في إسرائيل إنجازاً عسكرياً، في حين قيّمها "الشاباك" على أنها عزّزت قوة "حماس" ومكانتها؛ إضعاف الردع الإسرائيلي نتيجة الامتناع عن تنفيذ هجمات استباقية واسعة ضد "حماس"، إضافة إلى التصدع الداخلي في إسرائيل بسبب خطة الحكومة لتقييد سلطة القضاء عام 2022؛ اقتحامات المسجد الأقصى والانتهاكات ضد الأسرى الفلسطينيين داخل السجون الإسرائيلية، والتي ساهمت في دفع "حماس" نحو اتخاذ قرار التصعيد.
هذه العوامل مجتمعة ساهمت في تعزيز سيطرة "حماس" السياسية في قطاع غزة، وفي تنمية قدراتها العسكرية، بينما قوبلت بصمت أو تجاهل إسرائيلي، في ظل تفكير جماعي موحد بأن "حماس" غير معنية بالتصعيد. وعلى الرغم من أن جهاز "الشاباك" حاول في بعض الحالات تقديم تفسيرات مغايرة لهذا التصور، لم تتبنَّ الحكومة هذه التقييمات، ما أدى إلى استمرار النهج القائم من دون تعديل.
سابقة في اتهام صنّاع القرار
يشكّل تقرير "شاباك" بشأن إخفاق 7 أكتوبر سابقة غير معهودة، حيث يتهم جهاز أمني صنّاع القرار السياسي بالإخفاق والتقصير، وانتهاج سياسات وقرارات خاطئة أدت إلى كارثة وفق المفاهيم الإسرائيلية، قبل تعيين لجنة تحقيق رسمية ونشر استنتاجاتها وتوصياتها. كما يطالب كل من جهاز "الشاباك" والجيش، إلى جانب أهالي الأسرى والمخطوفين وعائلات القتلى، بتشكيل لجنة تحقيق رسمية للنظر في الإخفاق الكبير الذي وقع في السابع من أكتوبر، وهو ما يواجه معارضة شديدة من قبل نتنياهو. وأوضح نتنياهو رفضه القاطع لهذا المطلب مجدداً في خطابه أمام الهيئة العامة للكنيست يوم الثلاثاء الماضي، حيث أكد أن إقامة لجنة تحقيق رسمية، يشكّلها وفق القانون رئيس المحكمة العليا الحالي (يتسحاق عميت) سيجعلها لجنة "مسيّسة ومنحازة"، ولن تحظى بقبول جميع شرائح المجتمع والفئات السياسية.
لم يتأخر رد نتنياهو على تقرير "الشاباك"، إذ بدأ مباشرة بعد إعلان استنتاجات الجهاز بشنّ هجوم على رئيس الجهاز رونين بار، متهماً إياه بالمسؤولية عن فشل الجهاز في تقديم الإنذار المبكر، وعدم توفير المعلومات اللازمة، والفشل في تفسير تحضيرات "حماس" ليلة السابع من أكتوبر بشكل صحيح. وقال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي إن استنتاجات "الشاباك" لا تتناسب مع حجم الإخفاق الكبير والتقصير الجسيم الذي وقع فيه الجهاز ورئيسه، مضيفاً أن رئيس "الشاباك" فشل فشلاً تاماً في مواجهة حركة حماس بشكل عام، وفي التعامل مع أحداث السابع من أكتوبر بشكل خاص.
وفي ظل تصاعد الخلاف بين نتنياهو وبار، يتوقع عدد من المحللين أن يقدم رئيس الحكومة الإسرائيلية على تنفيذ رغبته في إقالة رئيس "الشاباك"، ما قد يزيد من حدة التوتر داخل المنظومة الأمنية والسياسية الإسرائيلية.
أشار تقرير الشاباك إلى مجموعة قرارات أدّت إلى تعزيز سلطة وقوة حماس في غزة
إجماع رغم الاختلاف
على الرغم من الخلافات الحادة بين المؤسسة الأمنية الإسرائيلية والجيش وبين الحكومة، الواضحة من تقارير الجيش و"الشاباك" وموقف رئيس الحكومة تجاههم، لكنّ هناك إجماعاً واسعاً على ضرورة تغيير أسلوب التعامل مع المخاطر الأمنية والعسكرية في المنطقة، ومنع تطور أي تهديد، حتى لو كان متواضعاً في الوقت الحالي، وذلك من خلال توجيه ضربات استباقية وشنّ عمليات عسكرية واسعة عند الضرورة.
هذا النهج أكدته تقارير الجيش الإسرائيلي، خصوصاً شعبة الاستخبارات العسكرية "أمان"، كما جاء بشكل واضح في تقرير "الشاباك" بشأن التحقيق في إخفاق 7 أكتوبر 2023، وتوافق عليه الحكومة، بل إن إسرائيل تطبق بالفعل هذه السياسة على مختلف الجبهات، سواء في قطاع غزة، والضفة الغربية، ولبنان وسورية.
وفي هذا السياق، لا يُستبعد أن يلجأ نتنياهو مجدداً إلى "الهروب إلى الأمام"، مستغلاً هذا الإجماع الأمني والعسكري داخل المؤسسات العسكرية وصنّاع القرار، للتوجه نحو تصعيد عسكري جديد. ويهدف من وراء ذلك إلى التهرب من الاستحقاقات السياسية المتزايدة، وعلى رأسها تصاعد المطالب بإقامة لجنة تحقيق رسمية حول إخفاقات السابع من أكتوبر، وكذلك الضغوط المتزايدة بشأن استمرار مفاوضات تبادل الأسرى والمخطوفين في غزة. لكن يبقى السؤال المفتوح: هل سيقبل المجتمع الإسرائيلي بذلك؟