التجويع كسلاح في الحرب: جريمة كيف توقفها الأمم المتحدة؟

التجويع كسلاح في الحرب: جريمة كيف توقفها الأمم المتحدة؟

29 ديسمبر 2020
أزمة اليمن الغذائية من الأسوأ في العالم (عيسى أحمد/فرانس برس)
+ الخط -

يحوم شبح المجاعة في عدد من النزاعات حول العالم، أبرزها نزاع اليمن

يحتاج 80 في المائة من اليمنيين لنوعٍ من أنواع المساعدات الإنسانية

تتم سرقة المعونات الغذائية وتفرض ضرائب عليها من قبل أطراف النزاع

يودع مئات الملايين من الناس حول العالم، العام 2020، وهم يعانون من الجوع وسوء التغذية، الناجم في الغالب عن النزاعات المسلحة، لتأتي جائحة كورونا وتزيد من تفاقم الوضع. وازدادت الأزمة خلال السنوات الأخيرة بسبب استخدام التجويع بأساليب مختلفة في عددٍ من النزاعات كأداة حرب، ليحوم شبح المجاعة في عدد من هذه النزاعات، ولعل أبرزها اليمن.

زيادة أعداد الذين يعانون من الجوع، بمن فيهم الذين يتمّ تجويعهم عن عمد، تسلّط الضوء على ضرورة الضغط بشكل أكبر، لكي تتوقف أطراف النزاع عن استخدام المدنيين واستهدافهم في حروبها. وفي هذا السياق، يبرز قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2417 الصادر في العام 2018، والذي أكد أن "استخدام تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب القتال، يمكن أن يشكل جريمة حرب". كما دان القرار بشدة "استخدام تجويع المدنيين كأسلوبٍ من أساليب القتال في عددٍ من حالات النزاع، وهو أمرٌ محظور بموجب القانون الدولي الإنساني".

يعتبر قرار لمجلس الأمن أن استخدام تجويع المدنيين كأسلوب قتال، يمكن أن يشكل جريمة حرب

وحول أهمية ذلك القرار، وما إذا كان له أي تأثير إيجابي على ردع جهات تستخدم الجوع كأداة حرب منذ تبنيه قبل قرابة السنتين، قالت المتحدثة الرسمية باسم برنامج الأغذية العالمي في نيويورك، شذى المغربي، في تصريحات خاصة بـ"العربي الجديد" في نيويورك، إن "أكبر إنجاز لقرار مجلس الأمن رقم 2417 هو الاعتراف الدولي للمرة الأولى بالعلاقة بين الجوع والنزاعات في العالم، وأنه لن يكون بالإمكان القضاء على الجوع ما لم يتحقق السلام، وبهذا تمّ تسليط الضوء على الدول التي تعاني من هذه النزاعات". وأضافت المغربي: "شهدنا في العامين الماضيين زيادة ملحوظة في اجتماعات مجلس الأمن حول هذا الموضوع، ومع ذلك لا تزال هناك أعداد كبيرة من الأفراد والأسر الذين انقطعت عنهم المساعدات الغذائية بسبب الصراعات، بل إن هناك أدلة تشير إلى أنه في بعض الأحيان تمّ استخدام التجويع عمداً كأداة في هذه الحروب"، مشددة على أن "هذه الأعمال مرفوضة تماماً من قبل برنامج الأغذية العالمي". وحول أهمية القرار بالنسبة للأمم المتحدة وبرنامج الأغذية، قالت إن "قرار مجلس الأمن يشكّل أداة هامة لتحفيز العمل الدولي لحماية ملايين الأشخاص الذين هم الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الحاد من الوقوع في المجاعة".

ولعل جزءاً من أهمية القرار، يعود كذلك إلى أنّه يسلّم بأن البشرية لن تتمكّن من القضاء على الجوع من دون أن يحلّ السلام والأمن حول العالم. وبحسب آخر إحصائيات رسمية عن برنامج الأغذية العالمي، فإن عدد الذين يعانون من الجوع حول العالم وصل إلى 688 مليون شخص بحلول نهاية العام 2019، وهي زيادة بعشرة ملايين، مقارنة بالعام الذي سبقه وصدر فيه القرار.

إلى ذلك، أشار تقرير صدر أخيراً عن برنامج الأغذية العالمي، إلى "أنه وعلى الرغم من المكاسب الحقيقية التي تحققت خلال العقود الأخيرة على طريق التغلب على الجوع، فإن انعدام الأمن الغذائي آخذٌ في الارتفاع في عددٍ كبير من البلدان، وهذا أمرٌ مقلق. ويقدّر الآن أن هناك نحو 690 مليونا من الجياع في العالم". ويعيش قرابة الـ60 في المائة منهم في بلدان متأثرة بالنزاع ويعانون من انعدام الأمن الغذائي المزمن.

استخدام التجويع كأداة وسلاح حرب، ليس بالجديد على النزاعات والحروب التي شهدتها البشر. لكن الموضوع عاد إلى الواجهة خلال السنوات الأخيرة مجدداً، لأن شبح المجاعة يحضر في عدد من هذه النزاعات، أبرزها في اليمن. ويعيش اليمن واحدة من أسوأ الأزمات الغذائية والإنسانية حول العالم، إذ يحتاج 80 في المائة من اليمنيين لنوعٍ من أنواع المساعدات الإنسانية. وقد شهد اليمن استخدام المساعدات الإنسانية وتجويع أهله في بعض المناطق كسلاح حرب من قبل جميع أطراف النزاع. وأشارت الأمم المتحدة إلى أن قرابة ربع مليون يمني قضوا نحبهم في اليمن منذ بدء عمليات التحالف بقيادة السعودية، بفعل القتال، وبشكل غير مباشر بسبب العجز عن الحصول على الغذاء وتعذر الحصول على الخدمات الصحية، كما تدمير واستهداف البنية التحتية. كذلك شهدت كل من أفغانستان وجنوب السودان وميانمار وغيرها أزمات غذائية شديدة، جميعها بسبب النزاعات.

عندما أعلنت لجنة جائزة نوبل منحها "برنامج الأغذية العالمي" جائزة نوبل للسلام، علّل القائمون على ذلك اختيارهم بعدد من الأسباب، من بينها العلاقة بين الجوع والحروب وجهود المنظمة الأممية لمكافحة الجوع والعمل على تحسين ظروف السلام في مناطق الصراعات. وكانت كلمة رئيسة اللجنة، بيريت أندرسن، واضحة في ربطها بين انتشار الجوع حول العالم واستخدامه كأداة حرب. وقالت في هذا السياق إن اللجنة منحت الجائزة لبرنامج الأغذية العالمي "لأنها أرادت تركيز أنظار العالم على ملايين الأشخاص الذين يعانون أو يواجهون خطر الجوع. إن الجوع يستخدم كسلاح في الحروب والصراعات". لكن مختصين يحذرون من أن يصبح برنامج الأغذية العالمي أو برامج المساعدات الإنسانية بديلاً عن اتخاذ خطوات سياسية جدّية لحل تلك النزاعات، أو حتى للحيلولة دون تقديم المسؤولين عن التجويع واسع النطاق في مناطق النزاعات، للعدالة.

يعيش قرابة 60 في المائة من الجياع في العالم في بلدان متأثرة بالنزاع

ويقسم مختصون، من بينهم أليكس ديوايل وهو أستاذ جامعي ورئيس "مؤسسة السلام العالمي" التابعة لجامعة "تافتس" الأميركية في عدد من إصدارات المؤسسة، الأعمال السياسية التي تؤدي إلى الجوع والمجاعة إلى ثلاثة أنواع. النوع الأول هو اتخاذ الخطوات المباشرة كالهجوم على مصادر إنتاج الغذاء والأسواق وتقييد حركة الناس. أما النوع الثاني، فيطلق عليه مصطلح الإغفال، والمقصود به الفشل في اتخاذ أي خطوات أو حظر وصول المعونات الغذائية إلى منطقة ما. والنوع الثالث هو التقديم الانتقائي للمساعدات إلى جانب واحد من المدنيين الذين يعيشون في المنطقة التي يسيطر عليها فصيل معين من أطراف النزاع، من دون تقديمها للمدنيين في المناطق الأخرى. وبحسب ديوايل، فإن التجويع لا يقتصر على هذه الأساليب المباشرة، إذ تُستخدم أيضاً في النزاعات المستمرة أساليب إضافية، من بينها التلاعب بالأسواق والتجارة والمساعدة على شنّ هجمات مباشرة، كما قد تؤدي تلك التدخلات السياسية والإقليمية إلى تفاقم الأوضاع ومساعدة أنظمة استبدادية على بسط حكمها. ورأى الأستاذ الجامعي كذلك أن الحروب في سورية واليمن وجنوب السودان، كانت من أبرز الأمثلة على تلك الأساليب وزيادة خطر المجاعة بفعل الحروب وأطراف النزاع. ولفت الانتباه في هذا السياق، إلى قضية التلاعب بالمساعدات الإنسانية والغذائية، بل ودمجها بما يسميه "الاقتصاد السياسي للمجاعة والحرب"، بحيث تتم سرقة المعونات الغذائية وتفرض الضرائب عليها من قبل أطراف النزاع، لتصبح مصدراً من مصادر تمويلها، بل إن ذلك يعزز وضعها السياسي وسيطرتها.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية