استمع إلى الملخص
- تضم اللجنة نواباً من مختلف التيارات السياسية، مما يعكس إجماعاً وطنياً، وتعد هذه المبادرة أول تشريع برلماني منذ عقود، كرد على قانون فرنسي يمجد الاستعمار.
- تأتي الخطوة وسط توتر سياسي بين الجزائر وفرنسا، ومن المتوقع أن تثير ردود فعل من اليمين الفرنسي، خاصة إذا تضمن القانون بنوداً تربط تحسين العلاقات باعتراف فرنسا بجرائمها.
أعلن البرلمان الجزائري، اليوم الأحد، عن تعيين لجنة خاصة تضم ستة نواب يمثلون الكتل النيابية الرئيسة، لتتولى صياغة مقترح قانون تجريم الاستعمار، في خطوة نيابية وسياسية ظلت محل تطلع سياسي وشعبي منذ عقود، وفي خضم أزمة سياسية حادة بين الجزائر وفرنسا. وقال رئيس البرلمان الجزائري إبراهيم بوغالي، خلال حفل تنصيب اللجنة، إن "مسألة التاريخ في بلادنا لا تطرح كما يروج لها بوصفها ورقةً للضغط والمساومة"، مشيراً إلى أن "ملف الذاكرة لا يتآكل بالتقادم أو التناسي، ولا يقبل التنازل والمساومة".
واعتبر بوغالي أن "اللجنة تضمّ إجماع كل التيارات السياسية حول هذا الموضوع تكريماً لذاكرة أسلافنا من جيل المقاومة إلى جيل الثورة التحريرية المجيدة، الذين نذروا حياتهم فداءً لهذا الوطن". وأشار إلى أن "اللجنة ستمكَّن من ضروريات العمل للقيام بمهامها على أكمل وجه، ويمكنها الاستئناس بكل الكفاءات والخبراء والحقوقيين المهتمين بمسائل الذاكرة والجرائم المقترفة في حق الجزائر والإنسان والتاريخ في الحقبة التاريخية المعنية 1830-1962".
وقدمت الكتل النيايبة الستّ في البرلمان الجزائري (جبهة التحرير الوطني وحركة مجتمع السلم وجبهة المستقبل والتجمع الوطني الديمقراطي وحركة البناء الوطني وكتلة المستقلين)، أسماء النواب الذين يمثلونها في لجنة صياغة قانون تجريم الاستعمار، وتضم اللجنة النائب زكرياء بلخير عن حركة مجتمع السلم (إسلامي)، الذي كان قد قدم مقترحاً سابقاً في 2021 يضم 54 مادة، والنائب ميرة إسماعيل عن كتلة التجمع الوطني الديمقراطي (تقدمي)، ويمثل حزب جبهة التحرير الوطني (محافظ) النائب إسماعيل مزيان جوزي، فيما يمثل كتلة جبهة المستقبل النائب فاتح بركات، ويمثل حركة البناء الوطني (إسلامي) النائب كمال بن خلوف، فيما تمثل كتلة المستقلين النائبة زبيدة فاطمة.
وسيكون القانون هو أول مبادرة ونص تشريعي يقوم البرلمان بصياغته وتقديمه إلى الحكومة لإبداء رأيها منذ عقود، والمفترض أن تكون هذه هي الآلية الطبيعية بحكم الدور التشريعي للبرلمان، بخلاف كل القوانين والتشريعات التي كانت تقدمها وتقترحها الحكومة، بينما يكتفي البرلمان بمراجعتها وإدخال تعديلات طفيفة عليها، ويعتقد أن ترك الحكومة المبادرة التشريعية للبرلمان بشأن قانون تجريم الاستعمار، يهدف إلى إعطائه مصداقية شعبية وقوة تشريعية أكثر منه مقترحاً سياسياً فيما لو قدمته الحكومة.
وكان لافتاً مشاركة كل القوى والتوجهات السياسية الممثلة في البرلمان في صياغة هذا القانون، الذي ظلّ معلقاً بصفته فكرةً سياسيةً ومبادرة نيابية منذ أول محاولة لطرحه عام 1984 (قبل دخول البلاد عهد التعددية السياسية عام 1989)، وهو ما يعطي لهذا القانون صيغة وطنية ويمثل قناعة مشتركة لدى كامل أطياف المشهد والتيارات السياسية النشطة في البلاد، ويعد رداً على قانون سابق تبناه البرلمان الفرنسي حول تمجيد الاستعمار واعتباره نقلاً للحضارة والتمدن إلى الجزائر.
وأعلن رئيس البرلمان الجزائري للمرة الأولى، في تصريح في 31 يناير/ كانون الثاني الماضي، أنه "حان الوقت لطرح مشروع قانون تجريم الاستعمار"، مضيفاً أن "الوضعية الحالية تجبرنا على تقديم قانون تجريم الاستعمار، كفانا من البقاء في وضع الدفاع وحان وقت الهجوم"، ما يعني وجود موافقة من السلطات السياسية العليا للبلاد لصياغة وإصدار قانون تجريم الاستعمار، وإدخاله في صلب الصراع والمناكفة السياسية القائمة بين الجزائر وفرنسا، في الفترة الأخيرة وعلى نحوٍ غير مسبوق.
وتأتي هذه الخطوة في سياق يتسم بأزمة سياسية متفاقمة ومستمرة بين الجزائر وفرنسا، يلعب فيها عامل التاريخ وملف الذاكرة والإرث الاستعماري الفرنسي في الجزائر دوراً أساسياً نتيجة خلافات بين البلدين حول آليات معالجة الملف، وتزايد المطالبات الجزائرية بشأن الحقوق التاريخية، بالإضافة إلى جملة خلافات سياسية حول قضايا أخرى تخصّ تحولات الموقف الفرنسي من النزاع في منطقة الصحراء وملف المهاجرين الجزائريين المقيمين بطريقة غير شرعية أو المقرر إبعادهم من فرنسا.
ومن المتوقع أن تثير هذه الخطوة مزيداً من هيجان قوى اليمين الفرنسي ضدّ الجزائر، إذ يمكن أن يجري تأويل مبادرة البرلمان الجزائري ضمن سياق بحث الجزائر عن مزيد من إدانة فرنسا والضغط عليها بشأن المطالب التاريخية، خاصة في حال ما إذا تضمن القانون المقترح بنوداً تربط تسوية العلاقات أو بعض جوانبها باعتراف فرنسا بجرائمها في الجزائر، واسترداد كامل الوثائق والأغراض والحقوق التاريخية للجزائر.