البرلمان الجزائري بلا مبادرة تشريعية

البرلمان الجزائري بلا مبادرة تشريعية

17 يوليو 2022
صادق البرلمان على 35 قانوناً اقترحتها الحكومة (مصعب رويبي/الأناضول)
+ الخط -

لم يشذ البرلمان الجزائري الحالي، الذي تم انتخابه بعد الحراك الشعبي في يونيو/ حزيران 2021، ولغاية اختتام دورته الربيعية التي تمثل النصف الثاني من السنة التشريعية الأولى، الخميس الماضي، عن سالف البرلمانات السابقة، من حيث إعدام المبادرة التشريعية من قبل النواب، وتعطيل اقتراح الكتل النيابية لمشاريع قوانين تخص مختلف المجالات.

فلم يقدّم البرلمان منذ جلسته الأولى، في يوليو/ حزيران 2021، أي مشروع قانون أو مبادرة تشريعية، على الرغم من الصلاحية التشريعية التي يخوّلها الدستور للبرلمان. واكتفى بالمصادقة على 35 قانوناً، اقترحتها كلها الحكومة، بعضها تم تمريره من دون مناقشة، ما يجعل المؤسسة التشريعية عبارة عن غرفة لتسجيل قوانين الحكومة.

نصر الدين حمدادوش: بقيت أولويات جدول أعمال الدورة البرلمانية بيد الجهاز التنفيذي

وخلال الفترة النيابية الأولى للبرلمان، لم يتسلم مكتب المجلس من الكتل والمجموعات النيابية، سوى مشروعي قانونين، ذوي طابع سياسي. ويخص الأول تجريم الاستعمار الفرنسي، قدمته حركة "مجتمع السلم" بمعية عدد من النواب من كتل أخرى، إضافة إلى قانون يخص تجريم التطبيع قدمته أيضاً الكتلة نفسها، لكن مكتب المجلس بإيعاز من السلطة السياسية رفض إحالة المشروعين على النقاش العام، وبقيا في الأدراج.

إغلاق باب النقاش في البرلمان الجزائري

وإضافة إلى إعدام وتعطيل المبادرة التشريعية لدى النواب والكتل الحزبية، سواء الموالية للسلطة أو المعارضة، فإن مؤشراً آخر برز خلال الفترة التشريعية الأولى للبرلمان الحالي، يتمثل في إغلاق باب النقاش العام في القضايا والقوانين الحيوية والحساسة، وإحالتها على جلسات نقاش محدود، يُسمح فيه فقط لرؤساء الكتل النيابية بالتدخل لفترة محدودة، على غرار ما حدث أخيراً عند مناقشة قانون الاستثمار، وقانون استدعاء الاحتياط العسكري، إذ لم يسمح للنواب بالتدخل ومناقشة تفاصيلهما، وتم تمريرهما ضمن صيغة النقاش المحدود بضغط وتوجيه من السلطة السياسية.

وأثار هذا التضييق غير المبرر على النقاش النيابي غضباً كبيراً في أوساط غالبية النواب، واحتجاجاً لدى الكتل، خصوصاً المعارضة، التي رأت في ذلك تكريساً لسطوة السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية، على غرار كتلة حركة "مجتمع السلم"، كبرى الكتل النيابية المعارضة في البرلمان.

وعبّرت الحركة، في بيان الأسبوع الماضي، عن رفضها "لمنع النواب من حقهم الطبيعي في المناقشة الدقيقة والإثراء وإبداء الرأي، حول ما جاء في مشروع القانون، وعدم فسح المجال للنواب لاقتراح التعديلات على مختلف مواد مشروع قانون" الاستثمار، إضافة الى قانون الاحتياط العسكري الذي تمريره بدون نقاش أيضاً، و"عدم فسح المجال للنواب لاقتراح التعديلات على مختلف مواد مشروع القانون، ومخالفة توصية رئيس الجمهورية التي تقضي بضرورة إعطاء الأهمية والوقت الكافي لإثراء النقاش حول مشاريع القوانين".

لا تعطي هذه الحصيلة الهزيلة مؤشرات ايجابية عن تغيير محتمل في آليات عمل البرلمان الجزائري، وعلاقته مع السلطة السياسية والمؤسسة التنفيذية (الحكومة)، وتحقيق استقلاليته في قراره، وأخذه لزمام المبادرة التشريعية وتفعيل دوره الرقابي، خصوصاً مع سقف التطلعات في التغيير السياسي الذي رافق فترة الحراك الشعبي وما بعدها، والوعود السياسية التي أطلقها الرئيس عبد المجيد تبون في إحداث تغيير في عمل المؤسسات الرسمية.

هيمنة السلطة التنفيذية على التشريعية

واعتبر المتحدث باسم "مجتمع السلم"، نصر الدين حمدادوش، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن ذلك مرتبط "بعدم حدوث تغيير حقيقي على مستوى النظام الدستوري والقانوني في البلاد (نظام هجين أو فوق رئاسوي)، سواء على مستوى الدستور، أو على مستوى القانون العضوي الناظم للعلاقة بين الحكومة والبرلمان. ولذلك بقيت تلك الهيمنة المفرطة للسلطة التنفيذية على الهيئة التشريعية، وبقيت المبادرة بيد الحكومة، وبقيت أولويات جدول أعمال الدورة البرلمانية بيد الجهاز التنفيذي".

وأشار إلى "عدم حدوث تغيُّر نوعي وكمي في تشكيلة البرلمان، إذ بقيت أغلبية هجينة تدعي أنها أغلبية رئاسية، على الرغم من أنها لا تملك أي علاقة حزبية بالرئيس، مهيمنة بالديكتاتورية العددية على البرلمان"، مضيفاً أن هذا الوضع يعيق أي تحرك للكتل المعارضة.

وتابع حمدادوش: "مهما حاولت الكتلة البرلمانية المعارضة الوحيدة في المجلس، المبادرة بالتشريع، إلا أن نفس قواعد منظومة الحكم السابقة هي الحاكمة". 


نور الدين هدير: التغيير على صعيد الكتلة البشرية المشكلة للمجلس لم يكن لها أي تأثير

وأوضح أنه "لا يعقل أن يمرر المجلس خلال هذه الدورة 35 قانوناً كلها باقتراح من الحكومة، وكأنها هي السلطة التشريعية في البلد، وهذا يتعارض مع المبدأ الدستوري في الفصل والتوازن بين السلطات".

غير أن رئيس البرلمان إبراهيم بوغالي يعتبر من وجهة نظره أن الفترة التشريعية المنقضية كانت بالغة الحيوية. ودافع، خلال اختتام الدورة التشريعية الخميس الماضي، عن حصيلة عمل البرلمان ولجانه الفرعية، بالاستناد إلى البيانات الإحصائية.

واعتبر بوغالي أن مصادقة البرلمان على 35 مشروع قانون قدّمتها الحكومة كلها، مؤشر على حيوية العمل البرلماني والنشاط النيابي. وقال إن العمل الرقابي للنواب تضمّن إيفاد 28 بعثة استعلام إلى الولايات، لاستطلاع الأوضاع في مختلف القطاعات، نتجت عنها بعض القرارات الحكومية.

3 آلاف استجواب للوزراء

وأكد أن النواب طرحوا ما مجموعه ثلاثة آلاف استجواب للوزراء، على الرغم من أن غالبيتها من دون رد، فيما الدستور والنظام الذي يضبط العلاقة بين الحكومة والبرلمان، يفرض على الوزراء الرد في أجل شهر واحد.

ولا يرجح مراقبون إمكانية حدوث تغيير في أداء المؤسسة النيابية في السنوات الأربع المتبقية من عمر أول برلمان في فترة ما بعد الحراك الشعبي. ويعتبرون أن ذلك كان واضحاً ومتوقعاً منذ الجلسة الأولى التي تم فيها انتخاب رئيس للبرلمان من كتلة المستقلين، بطريقة موجهة من قبل السلطة، على الرغم من أحقية "جبهة التحرير الوطني" في رئاسته، لكونها الفائز بالانتخابات.

وقال المحلل السياسي نور الدين هدير، لـ"العربي الجديد"، إن "تقييم عمل البرلمان على قاعدة تخصصه التشريعي، لا ينفصل عن مجمل تقييم المسألة السياسية والديمقراطية في الجزائر".

وأضاف: "ما هو واضح أن التغيير الذي حصل على صعيد الكتلة البشرية المشكلة للمجلس، وغالبيتها من الشباب والجامعيين، لم يكن لها أي تأثير، طالما أن الإطار السياسي والحزبي المهيمن على البرلمان ظل نفسه الموالي للسلطة والمنضبط لقواعدها، لذلك لا أعتقد أن أداء البرلمان سيتغير على أي مستوى كان، التشريعي والرقابي".